الأميركيّون يعودون الى الواجهة الرئاسيّة من بوابة بري
بقلم: مريم نسر
النشرة الدولية –
الديار –
صحيح أن الولايات المتحدة الأميركية لم تغب يوماً عن المشهد اللبناني، إلا أنها في الآونة الأخيرة ومنذ بداية المعركة الرئاسية اختارت أن تكون هذه المرة في الصورة الخلفية بحيث ان إدارة الملف أوكلته للفرنسيين ومنذ ذلك الوقت تظهر في الصورة الأمامية «المملكة العربية السعودية» على أنها الجهة الخارجية المقرِّرة في الملف الرئاسي اللبناني، هذا ما ظهر على لسان أكثر من مسؤول لبناني وتحديداً المرشح الرئاسي سليمان فرنجية.
لكن عند كل جولة رئاسية في صلب المعركة، يسأل الكثيرون، أين الأميركيون مما يحصل في لبنان؟ أين هم من التسوية الرئاسية التي ترعاها فرنسا؟ وما هو موقفهم الحقيقي من ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية؟
بعد كل هذه الأســئلة… ردّ الأميركي بجوابه المعتاد ألا وهو «التهديدات» فمرة يهدِّد بالفوضى وانهيار الدولة على شكل تحذير ومرة يهدِّد بالعقوبات التي تندرج في سياق معاقبة الطبقة الحاكمة وفق منطق أنه آن الآوان لإزاحتها وخلق طاقم جديد يحكم البلد يستطيع حفظ مصالح أميركا فيه.
إلا أن هذه المرة أطل الأميركي من باب العقوبات على رئيس مجلس النواب نبيه بري، رغم أن هذه ليست المرة الأولى التي يهدِّد فيها بري بالعقوبات ففي أواخر نيسان من هذا العام صدر كلام عن مسؤولين أميركيين مضمونه أن رئيس مجلس النواب هو مهندس الجمود السياسي في لبنان، وفي الوقت نفسه دعا مسؤولون أميركيون الإدارة الأميركية الى استخدام العقوبات على سياسيين لبنانيين يعيقون التقدّم باعتبار أن الوضع في لبنان لم يعد مقبولاً…
كلام عادت وذكّرت به مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف أن إدارة الرئيس الأميركي تَنظر في إمكان فرض عقوبات على المسؤولين اللبنانيين على خلفية عدم انتخاب رئيس للجمهورية.
تهديدٌ بالعقوبات يوضَع في سياق الضغط الخارجي على الثنائي الشيعي الذي يرجّح إمكان الذهاب الى ضغط أكبر، فالأميركي يريد ضمانة أكيدة أن حاكم مصرف لبنان المقبل هو مَن يسمّيه، ما يعني أنه يريد أن تشمل التسوية التي ترعاها فرنسا والتي تتضمن سلة متكاملة «حاكمية مصرف لبنان» مع رئاسة الجمهورية والحكومة وقيادة الجيش والوزارات السيادية، فما أراده الأميركيون هو توجيه إنذار والقول من خلاله: لا تنسوا أن الرأي الفصل بموضوع حاكم المصرف «لنا».
هذا الكلام الأميركي، أما أجواء عين التينة فتنقلها أوساطها أنه لا يقدِّم ولا يؤخِّر وليس له أي أثر في الموقف السياسي وفي حراك بري الرئاسي بمعنى هذه الضغوطات لن تؤثر في قراره السياسي. فهو لن يدعو الى جلسة إلا عندما يُظهِر الطرف الآخر جدِّيَته في دعمه مرشّحا للرئاسة، خاصة أن حتى اللحظة يَبدو أن مرشحهم غير جدّي وهو للمناورة فقط بحيث يَظهر كل فريق وكأن هدفه تحسين شروطه في المرحلة المقبلة، لكن وبمجرد أن يعلِن الطرف الآخر تبنّيه مرشّحا بشكل جدّي سيدعو بري فوراً لجلسة نيابية لانتخاب رئيس للجمهورية، هذا الشرط هو الذي يدفعه الى أخذ هذه الخطوة «فقط» رغم كل الضغوطات التي يتعرّض لها. ما يؤكد أن الثنائي لن يغيِّر موقفه بالضغوطات إلا أنه في الوقت نفسه هو منفتح على الحوار.
وفي ذروة التعقيدات أتى التدخل الأميركي المباشر ليعقِّد الأمور أكثر كما قال رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله السيد هاشم صفي الدين، عرقلة أميركية تزامنت مع عدم تقدُّم في بعض الملفات الإقليمية التي تؤثّر في لبنان بعد الاتفاق الإيراني – السعودي والسعودي – السوري وتحديداً في الملف اليمني من جهة ومن جهة أخرى انشغال سوريا بإعادة ترتيب أولوياتها، بالإضافة الى أن المملكة لم تحـسم بعد اسم رئيس الحكومة اللبنانية باعتبار أن تركيزها بالتسوية يصب عليه، تماماً كما الأميركي يصب تركيزه على اسم حاكم مصرف لبنان الجديد…
إذاً، لا يزال المشهد على تعقيده كما لا تزال أميركا على أهدافها التي لا تنتهي في لبنان، لكن تبقى العبرة في القدرة على تنفيذها…