أسامة الرحباني وهبة طوجي “بعد سنين” من الإبداع
النشرة الدولية – هالة نهرا –
أسامة الرحباني مسرحيٌّ وفنّانٌ ومؤلّفٌ وموزّعٌ موسيقي ومنتجٌ لبناني وعربي مبدع، صاحب رؤية فنية مغايرة مشرَّعة على رحابة المدى العالمي. يتّصفُ نتاجه بالإتقان والجودة، وبالمواءمة بين الشعبيّ والنخبويّ، علماً أنه يرتدي وشاح الجرأة في معترك الفنّ والإبداع. تعاون حديثاً مع الفنانة اللبنانية المتميّزة هبة طوجي صاحبة الصوت الفريد (“سوبرانو كولوراتور”) في ألبوم “بعد سنين” في استكمالٍ للتجربة التاريخية، وكان لنا معه هذا الحوار حول عددٍ محدَّد من أغاني العمل (لأنني تناولتُ وقاربتُ الأغاني الأخرى في مقالٍ آخر سابق) الذي تكلّل بالنجاح وهو يتدثّر بأصداءٍ طيّبة وينال إعجاب عشّاق الموسيقى والفنّ في العالم العربي والعالم. ننقل للقرّاء عدداً من إجابات الحوار مباشرةً هنا في هذا المقال.
يقول لنا أسامة إنّ أغنية “بعد سنين” لا تندرج في البكائيّ المصري، بل في مزاجٍ مصري مناغشٍ تميل إليه النفوس والمسامع ونحتاج إليه. حتى “الدربكة” (الطبلة) لا تزعج والأصوات منتقاة بعنايةٍ (الغيتار على سبيل المثال لا الحصر، وسواه) والإنتاج نظيفٌ وجديد، وتتلفّف المحطّة الغنائية هذه بمزاجٍ معاصرٍ حديثٍ ونبضٍ طازج، علماً أنّ الأغنية من ألحان NIIS ودَوْر أسامة فيها يتبدّى في مقطعٍ وهو منتج العمل. “اللحن جميل”- على حدّ تعبيره- وقد أعجبه. بَدَّلَ مقطعاً واحداً منه فقط في المنتصف، وقد صُوِّرت الأغنية على شكل فيديو كليب نالَ حظّاً من الانتشار (الإنتاج لأسامة وجورج قسّيس).
“أغنية حبيبي خلص” حديثة تشتمل على كَوْرس وأوركسترا وهي لأنطوني خوري (فرقته إسمها “أدونيس”). أمّا “عَ بالي أهرُب”، فهي من كلمات الشاعر كمال قبيسي وأعجبت القصيدة أسامة وقد وزّعها بأكملها، وفيها كَوْرس. كأنّ الانسان ههنا ينعتقُ من نفسه، وتشتملُ الأغنية على موسيقى “غوسبل” Gospel وتتدثّرُ بالزرقة والأفق، وتطير مع الكَوْرس كلّه. من كلماتها: “عَ بالي أهرُبْ عَ بالي/ وإسْكُنْ بدِنيي لَحالي/ وأصرُخ بصوتي عَ العالي/ ويسافر صوتي وما يرجع…”. من جماليّات الأغنية آليّاً وجود آلة الكلارينيت وهذا التحليق الموسيقي الجليّ (الأغنية من إنتاج وموسيقى أسامة الرحباني). أغنية “راجعٌ من رماده الفينيقُ” مُجلبَبة بالنوستالجيا وشِعرها للمعلّم الكبير منصور الرحباني، فيما أغنية “خَبِّرني القصّة” من شعر منير أبو عسّاف وقد انتقى من نصّها أسامة ما قد أعجبه وشاركت هبة في كتابة المونولوج أي أنّ الكتابة بهذا المعنى مشتركة، علماً أنّ أسامة يتدخّل في المضمون دائماً في نصوص الجميع دون استثناء لصالح التنغيم والمَوْسَقة وخصوصيّاتهما ومتطلّباتهما ارتكازاً على الـvoyelle والـ consonne أيضاً.
في المقابل، هناك أغنية “يا حبيبي ضلَّك حدّي” (موسيقى أسامة وهبة طوجي، من شعر غدي الرحباني)، و”صار أحلى الكون” كتب كلماتها غدي (موسيقى إبراهيم معلوف، وهبة طوجي، وBrice Rivallin)، إضافةً إلى أغنية “زمان” (اللازمة الموسيقية لمروان الرحباني، والموسيقى والإنتاج لأسامة، والكلمات لغدي الرحباني): “زمان والله والله/ زمان شو كانت أحلى الدِّنيي إيّام زمان/ والناس لفتاتُن أغلى فيها إلفة وأمان/ واليوم كلّ شي تغيَّر بالكون وعِنّا كمان/ هالعالم شو تغيَّر غَيَّر معو الإنسان/ زمان كِنّا المواسم نِشْتَقْلا/ زمان… نستقبلها بأهلا وسهلا/ خير وعيد ورزق جديد/ واللي طَعَمْنا عمرو يْزيد/ والإيّام تمشي عَ مِهْلا… زمان إيه رزق الله”.
يأتي هذا التعاون الشائق بين أسامة وهبة بعد سلسلة واسعة وغنيّة من لقاءاتِ وأعمالِ التعاون الفنّي والإبداعي في فلك المسرح الغنائي الرحباني وأفضيةِ الغناء الأخرى بدءاً من “عودة الفينيق”، مروراً بألبوم “لا بداية ولا نهاية” الشهير، وصولاً إلى “هبة طوجيThirty 30″، إلخ. ألبوم “بعد سنين” مختلفٌ بطبيعة الحال غير أنه ممهورٌ بالبصمة العامّة عينها، وبالنفَس المؤسلَب الرفيع ذاته عموماً لأنّ الرؤية الفنّية تتأتّى جوهريّاً عن أسامة الرحباني.