الوباء الناطق والكتابة اليومية
بقلم: أحمد الصراف

النشرة الدولية –

القبس –

عندما اكتشف العلماء لقاحات للأوبئة، التي كانت تحصد أرواح عشرات ملايين البشر، بين الفترة والأخرى، اعترض رجال الدين!

وعندما اخترعوا موانع الصواعق، اعترض رجال الدين.!

وعندما بدأ الإنسان باستمطار السحب، اعترض رجال الدين!

وعندما بدأت زراعة الأعضاء ونقلها من جسد ميت لشخص حي، واختراع غرف العناية المركزة، اعترض رجال الدين!، وهاجموها بحجة أنها توقف تدخل الإرادة الإلهية، وتمنع موت المريض، وعندما مرضوا، ونقلوا بطائرات أميركية خاصة للغرب لتلقي العلاج، لم يعترضوا على دخول تلك الغرف!

وعندما اخترع الألماني غولد سميث غوتنبرغ المطبعة عام 1440، التي أشعلت ثورة علمية ودينية وثقافية، لم يعارض إدخالها للدول العربية إلا رجال الدين. حتى الدراجات الهوائية والسيارات والهواتف، وطبعا الراديو والتلفزيون، ومئات المخترعات الأخرى، لم تسلم من تحريمهم، الذي طال كرة القدم وملابس الرياضة، والسياحة لدول الكفر وتلقي التعليم فيها!

وطوال التاريخ لم تتجرأ إلا القلة على مخالفة رجال الدين، والاعتراض على قراراتهم، ومن هؤلاء كوكبة رحلت من أمثال معروف الرصافي، علي شريعتي، الصادق النيهوم، سيد القمني ونوال السعداوي وأحمد البغدادي، وطه حسين وفرج فودة، وخليل عبدالكريم، وصادق جلال العظم، ونصر حامد أبو زيد، وعلي الوردي، وعبدالله القصيمي، وبوعلي ياسين والعشرات غيرهم، ظُلموا وطوردوا من أهاليهم ومجتمعاتهم وحكوماتهم، وسجنوا، وماتوا جميعهم تقريبا معدمين ماديا، أو لم يتركوا إلا القليل من المال لورثتهم، والكثير من المتاعب.

أما في الجانب الآخر، وخاصة بين الدعاة ورجال الدين، وفي الخليج بالذات، فقد رأينا فخامة قصورهم، واتساع استراحاتهم، ومواقع شققهم، وبالذات في بلاد الكفار، والذين مكنوا أولادهم من تلقي العلم «الغربي» في أفضل الجامعات، وأعلى التخصصات. كما رأينا كيف امتلكوا، عن طريق أحزابهم أو جمعياتهم أو حكوماتهم، المدارس والمعاهد والكليات، والأكاديميات، وحتى الجامعات الخاصة، وكل ذلك دون تعب ولا شقاء، وبالتالي لم يتركوا شيئا من متاع الدنيا لم يحصلوا عليه، بل وامتدت أيدي الكثير منهم لثروات وأموال وأراضي الجهات الخيرية وغير الخيرية التي ائتمنوا على إدارتها، وكوَّنوا أرصدة مالية ضخمة، وترك الأموات منهم لأبنائهم مالا لا ينضب، ثم يأتي جاهل في النهاية ويتهم المستنيرين ونصيري العلمانية بأنهم غارقون في الأمور المادية، وأن مباهج وبهارج الحياة قد شغلتهم عن طلب الآخرة! والغالبية، النائمة والجاهلة، لا ترى ذلك، بل تفضل تصنع الغفلة والغباء، وهي بحالها راضية وبالوهم الذي نعيش فيه قانعة.

***

رداً على سؤال صديق عن سبب استمراري في الكتابة، على الرغم من كل ما تعرضت وأتعرض له من مضايقات، في حياتي وعلاقاتي وتجارتي، أقول له إن مقالاتي لم ولن تحل مشاكلي، إن وجدت، ولا مشاكل أسرتي ولا حتما مشاكل وطني، لكني مطمئن بأنها، وكتاباتي الأخرى، جعلتني شخصا أفضل، من الداخل، وربما جعلت العالم من حولي أفضل أيضا، مع رفضي أن أكون أسير أية فكرة متوارثة، وربما اختار البعض السير معي، واختار البعض الآخر السير على الدرب نفسه، منفرداً أو مع غيري!

 

زر الذهاب إلى الأعلى