صادق العظم والذكاء الاصطناعي
بقلم:  أحمد الصراف

النشرة الدولية –

في رائعة المفكر السوري الكبير صادق جلال العظم (1934 ــ 2016) «نقد الفكر الديني»، يصف المؤلف وضع إبليس «المأساوي» بأنه كان مؤمناً بمبدأ عدم مخالفة أمر الرب وعدم السجود لغيره! لذا رفض، بعد خلق آدم، أمر السجود له، واعتبر الأمر امتحاناً لمدى صدق إيمانه، مخاطراً بعصيان الخالق، فطرد من الجنة وحلت عليه اللعنة!

***

أبدى علماء ومفكرون كبار وسياسيون وكتاب ورجال أعمال شديد تخوفهم من التسارع الكبير في برامج الذكاء الاصطناعي، خصوصاً بعد أن أجرى أحد المختبرات تجربة على روبوت صمم للقضاء على خطر محدد، وعندما طلب منه «صانعه» التوقف عن القتل، رفض الانصياع للأمر، لأنه مبرمج مسبقاً على القتل من دون توقف، ومع زيادة الضغط عليه بالتوقف عن تنفيذ التعليمات، تحول إلى من برمجه وقضى عليه!

وقامت شركة أخرى بتصميم جهاز يحصل على «نقاط فوز» أو جوائز، عند قيامه بالقضاء على تهديد محدد، وعندما طلب منه التوقف عن القتل، استدار وقتل من برمجه، لأن بقاءه حياً سيحرمه من الحصول على النقاط أو الجوائز!

تم تعديل الروبوت، وجعله على شكل طائرة من دون طيار، وأعطي تعليمات مبرمجة، بحيث لا يمكنه قتل من برمجه، وإنه سيخسر نقاطاً أكثر إن فعل ذلك. ومع تضارب التعليمات، وعدم قدرة الطائرة على قتل المبرمج، قامت بتدمير برج الاتصالات الذي يستخدمه المشغل للتواصل معها، وهذا مكنه من التصرف بحرية أكبر، بحسب سابق برمجته!

هذه الأمثلة وغيرها دفعت اختصاصي الذكاء الاصطناعي في غوغل، غاري ماركوس، إلى تحذير أقرانه والنواب والجمهور من المخاطر المرتبطة بهذه التقنية، وضرورة وضع قيود عليها، خصوصاً مع سرعة تطورها الفائقة، التي لا يمكن لعقل تصورها أو ملاحقتها. لكن لم تلتفت أية جهة معنية إلى هذه المطالبات أو التحذيرات، فالسباق بينها مستعر، وعلى أشده، بالرغم من علمها بأن ما تقوم به مخيف وغير آمن، وغالباً غير موائم للقيم البشرية، ويمثل، برأي البعض، خطراً حقيقياً عليها!

وشدد ماركوس على أن هناك سيناريوهات ذات مصداقية، يمكن في سياقها أن يتسبب الذكاء الاصطناعي «بأضرار هائلة»، وقد ينجح البعض على سبيل المثال في التلاعب بالأسواق. وقد نتهم الروس بتحمّل المسؤولية، ونهاجمهم في حين أن لا ضلوع لهم إطلاقاً، وقد ننجر إلى حرب عرضية تهدد بأن تتحول إلى حرب نووية. وعلى المدى القريب، يعرب ماركوس عن مخاوف على الديموقراطية، فبرمجيات الذكاء الاصطناعي التوليدي قادرة بصورة متزايدة على إنتاج فيديوهات وصور زائفة قريبة جداً من الواقعية، بكلفة زهيدة، وقد تحسم نتيجة الانتخابات لمصلحة من يبرعون أكثر من سواهم في نشر التضليل الإعلامي، وهؤلاء قد يعدلون القوانين بعد فوزهم، ويفرضون نظاماً سلطوياً لمصلحتهم.

وشدد على أن «الديموقراطية تقوم على امتلاك معلومات منطقية واتخاذ قرارات صائبة. وإن لم يعد أحد يميز بين ما هو صحيح وما هو غير صحيح، عندها ينتهي الأمر». لكن هذا لا يعني، برأي الخبير، الذي صدر له كتاب بعنوان «إعادة إطلاق الذكاء الاصطناعي»، أن هذه التكنولوجيا لا تحمل وعوداً.

 

وقال: «ثمة فرصة بأن نستخدم ذات يوم نظام ذكاء اصطناعي لم نبتكره بعد، يساعدنا على إحراز تقدم في العلم، في الطب، في رعاية المسنين.. لكننا في الوقت الحاضر غير جاهزين. نحن بحاجة إلى تنظيمات، وإلى جعل البرامج أكثر موثوقية».

 

زر الذهاب إلى الأعلى