لبنان يُصوّت… مع سوريا ضدّ المعتقلين والمفقودين؟

مؤسسة إنسانيّة مستقلّة آخر حزيران في الأمم المتحدة

النشرة الدولية –

نداء الوطن – نوال نصر –

نريد أن نتنفس – من مكان ما الصعداء. نبحث عن بارقة أمل في العتمة المحلية. فيصلنا خبرٌ: في نهاية شهر حزيران هذا سيجري التصويت في الأمم المتحدة في شأن إنشاء مؤسسة مستقلة توضح مصير وأماكن وجود الأشخاص المفقودين والمعتقلين والمحجوزين السوريين في سوريا. ثمة لبنانيون مفقودون ومعتقلون هناك نبت على ألسنتنا الشعر ونحن نطالب: بدنا ياهن. فهل سيشمل ناسنا القرار؟ وهل سيوقع لبنان في نهاية هذا الشهر القرار؟ سؤالان يلحان اليوم في بال وقلب كل من له مفقود ومحتجز في أقبية الدولة السورية. بارقة أمل يتخللها كثير من الضباب.

…ولم يعودوا بعد. لكن، لا بُدّ لليل أن ينجلي وللقيد أن ينكسر. سوريا اليوم عادت مرتاحة الى وضعها فهل عودتهم ستبقى مجرد أمل باهت؟ منذ بداية الحرب في لبنان فُقد كثير من اللبنانيين واعتقل الكثير الكثير وبكت الأمهات دماً على فلذات وأفئدة. وفي سوريا، منذ العام 2011، فقد أكثر من 100 ألف شخص أيضاً أو لنقل إختفوا قسراً من قبل السلطات السورية وغيرها من أطراف الصراع، بما في ذلك الجماعات المسلحة مثل داعش. ومنذ ذاك الحين، منذ العام 2011، دعت العائلات والناجون السوريون الى إنشاء مؤسسة إنسانية مستقلة تركّز على حقّ الضحايا وأهاليهم في معرفة الحقيقة عن أحبائهم بدعم من الأمم المتحدة. وبالفعل، دعم الأمين العام للأمم المتحدة، المفوض السامي لحقوق الإنسان، هذه الدعوة الى إنشاء مثل هذه المؤسسة بالتعاون مع الفريق العامل المعني بحالات الإختفاء القسري واللجنة الدولية للصليب الأحمر.

هذه المؤسسة ستكون – إذا تمّ التصويت عليها – أول استجابة من نوعها على الإطلاق للصراع السوري وهي بحاجة اليوم الى أوسع وأقوى دعم ممكنين. إنها بحاجة – في اختصار- الى ضمائر الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ولبنان واحد منها. سيُشكّل التصويت على القرار خطوة رئيسة نحو تقديم إجابات طال انتظارها لدى آلاف العائلات التي تعاني من الخسارة وتعيش عدم اليقين: هل مات أحباؤنا؟ هل هم أحياء يرزقون ويتألمون ويعانون؟ أحياء أموات بدّن ياهن.

مئة وجمعيتان وقعت على المطالبة بإنشاء المؤسسة بينها لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان. لكن، ماذا عن لبنان الرسمي الذي لا يتجرأ (الى أن يُثبت العكس) على التصويت على قرار يراه النظام السوري ممنوعاً، ومرفوضاً، ومحظوراً.

يا لحزنها

خيمة مليئة بالدموع

رفض سوري

بعثة اللوكسمبورغ قدمت – ومعها البعثات الدائمة لألبانيا وبلجيكا وكابو فيردي وكوستاريكا وجمهورية الدومينيكان ومقدونيا الشمالية – مسودة القرار حول إنشاء آلية جديدة خاصة بملف المفقودين في سوريا. جاء في المسودة: نحن لا نصوّب أصابع الإتهام بوجه أي جهة. وندعو جميع أطراف النزاع في سوريا للتعاون مع الآلية». موقف سوريا طبعاً واضح وفيه: رفض هذه الآلية التي لا تخدم – برأيها – مصالح الشعب السوري. وبالتالي لن تقبل أي تدخل في شؤونها الداخلية. موقف النظام السوري غير مفاجئ لكن ماذا ستكون عليه مواقف الدول الأعضاء لا سيما الدول العربية التي بدأت تفتح قنوات مع النظام السوري القائم؟ هذا هو السؤال.

جامعة الدول العربية قررت عودة سوريا لشغل مقعدها فيها بعد تعليق عضويتها لأكثر من عشرة أعوام. فهل ستسايرها تلك الدول الزميلة لها على حساب المساكين المفقودين والمعتقلين؟ المندوب السوري لدى الأمم المتحدة «ينغل» اليوم من اجل حثّ الزملاء العرب على التصويت ضدّ القرار. فليفعل هؤلاء ما يشاؤون لكن ماذا عن لبنان الذي يعيش كثير من ناسه وجع هذا الملف النازف؟ لا نعرف إذا كان التمني على لبنان الرسمي التصويت «مع» ناجحاً وناجعاً، لكن قبل يومين من الموعد سننقل تمنيات أهالي المفقودين والمعتقلين ان على لبنان الرسمي أن يفعل. صوتوا مع القرار. هناك دول عربية مثل الأردن التي لديها لاجئون سوريون «رح تطنش» وتمتنع عن التصويت مقابل التفاوض على بناء مجمعات لعودة السوريين اللاجئين إليها الى ديارهم. هذا بات معروفاً اليوم. وليل اول من امس وصل وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ مارتن غريفيث الى الأردن ولاقاه نائب رئيس وزراء الأردن أيمن الصفدي من أجل التوصل الى حل سياسي للأزمة السورية. ملف مقابل قرار؟ «خود واعطيني»؟ يبدو ان الإتجاه يسير على هذا النحو. مارتن غريفيث تابع طريقه نحو سوريا للتفاوض على ذلك.

وداد حلواني تسأل

علي أبو دهن

أهالي المفقودين

دول عربية عديدة تتفاوض على ما هو أكبر- بنظرها- من مئة الف مفقود في سوريا وكل المفقودين والمعتقلين في سواها. وضعنا في لبنان صعب. وضع اهالي المعتقلين والمفقودين صعب جداً. إنهم ينتظرون نهاية هذا الشهر موقف لبنان من قضية انسانية تخصنا كما تخص السوريين. فهل سيُصوّت مع – محترماً الجرح النازف لدى ناسه؟ هل سيصوّت ضدّ او يخرج كما الخيط من خرم الإبرة بالإمتناع عن التصويت؟ العارفون يذكرون جواباً صدر للتو من أقبية القرار في لبنان: «سنتخذ القرار الذي يتوافق مع مصلحة لبنان». إجابة واهية يتهرب فيها لبنان الرسمي.

هناك من سيسأل: لماذا التصويت على القرار سيكون الآن؟ وهل هناك أبعاد نجهلها في الموضوع؟ إجابة من يتابعون الموضوع حاسمة: الموضوع لم يبدأ اليوم بل منذ بدايات الأزمة السورية وبالتالي ليس هناك غايات مبيتة ضد سوريا كما سيحلو للبعض القول.

سيخرج لبنان من المولد بلا حمص. هذا هو الإنطباع الأول. فما رأي اللبنانيين مثل وداد حلواني (رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان) وعلي ابو دهن (رئيس جمعية المعتقلين في السجون السورية) من القرار المنتظر في الأمم المتحدة؟

وداد حلواني، زوجة المفقود عدنان (الذي بلغ اليوم عامه السابع والسبعين) تصرّ منذ اربعين عاماً ونصف العام على إكتشاف الحقيقة وتقول: «القرار الذي سيتخذ يتعلق اولاً بالمفقودين وبالمعتقلين السوريين في سوريا. إنهم يطالبون بهيئة خاصة في قلب سوريا. وهناك مئات الجمعيات المهتمة بالمخطوفين والمفقودين والمعتقلين في سوريا وقّعت على العريضة، وهناك تمنٍّ من القلب أن تتحمس لها دول العالم وبينها الدول العربية ولبنان من أجل تشكيل هذه الهيئة. هذه أمنيتنا. نحن أكثر من اختبر وجع المعتقل والمفقود. هو وجع لا نهاية له. لا مسكّنات ولا أدوية تداويه. ولن يتلاشى الوجع إلا بعد ان نعرف الحقيقة. نريد ان نعرف إذا كانوا أحياء أو أمواتاً. وأملنا أن يصوّت لبنان بعد يومين على هذا القرار. مضى علينا في لبنان اربعون عاماً ونصف العام نركض على الطرقات حتى ننتزع قانوناً في لبنان في هذا المجال، يكرّس حق كل عائلة بمعرفة مصير مفقودها. صحيح أننا نجحنا في إنتزاع لجنة محلية لهذه الغاية لكن بعد مضي خمسة اعوام على إنشائها – العام 2018- ما زالت تفتقر للمقومات الأساسيّة. هي تشكلت بمرسوم في مجلس الوزراء لكنها ما زالت تفتقر الى مقومات التنفيذ والقدرات اللازمة من أجل ذلك.

الهيئة المحلية – اللبنانية المنشأ- كما بيت الوقف. فهل سيُصوّت لبنان على المؤسسة الجديدة في الأمم المتحدة؟ لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان تناشد «الضمير اللبناني» ومثلها تفعل جمعية المعتقلين في السجون السورية أيضاً. فكيف يواكب علي أبو دهن ما سيتمخض عنه إجتماع الأمم المتحدة في موضوع المفقودين والمعتقلين في سوريا؟ هو اختبر الإعتقال وجرائم النظام السوري ويقول: «مبدئياً، الملف المنوي عرضه على التصويت يخص المفقودين السوريين. وأنا تابعته وأرى أنه من المفترض أن ينسحب على كل المعتقلين من قِبل النظام السوري. ويتابعه عدد من المحامين السوريين بينهم أنور البني (محام وناشط سوري في مجال حقوق الإنسان). جرت إتصالات بيننا وقالوا لي: اللجان التي تتابع هذا الملف تهتم أولا بالمعتقلين في سوريا. وقد يكون من الصعب متابعة أحوال جميع المعتقلين. أجبتهم: قضية جميع المعتقلين والمفقودين إنسانية لا سياسية. أجابني المحامي أنور البني: we will do it (سنقوم بذلك)».

وراء القضبان قسراً

تمنيات

نسأل أبو دهن عن توقعاته: هل ستصوّت دولتنا مع القرار؟ يجيب: «دولتنا، في الأساس، غير معترف للأسف بها (معنوياً). هي وقّعت في السابق على معاهدات دولية لكنها لم تحترم إلتزامها. لكننا، بغض النظر عما سيكون عليه موقف دولتنا، فنحن نراهن على مواقف الآخرين، على أمل أن لا يتم تسليم الملف الى اللجان، أسوة بما يحصل في لبنان، حيث يقرّون القانون ويسلمونه الى اللجان، وهي كما يُقال مقبرة القوانين. في كل حال، نتمنى أن توقع الدول العربية على القرار وأن يأتي يوم قريب تنجلي فيه كل الحقائق وتؤتي الجهود ثمارها».

مع سقوط آخر وريقات حزيران هذا، سيجري التصويت في الأمم المتحدة في شأن إنشاء مؤسسة مستقلة توضح مصير وأماكن وجود الأشخاص المفقودين والمعتقلين والمحجوزين السوريين (وغير السوريين يفترض) في سوريا.العيون شاخصة الى هناك. فهل سيُفاجئ لبنان الجميع ويُصوّت «مع» أو سيتخاذل مرة جديدة بحجة أن ما ستتخذه الحكومة هو لمصلحة لبنان! لن نتكهن. ننتظر. أهالي المعتقلين والموقوفين اللبنانيين ينتظرون فلربما مع البحث عن السوريين المعتقلين والمفقودين تظهر حقيقة أحباب. ربما.

 

زر الذهاب إلى الأعلى