حزب الله “يشوّش” على مهرجانات بعلبك

النشرة الدولية –

المدن – بتول يزبك-

كل مرّة يظنّ فيها أهالي مدينة بعلبك، أن السّيء قد مرّ وفترة الاحتقان الأمنيّ انتهت، وأن السّياح المتلهفين لزيارة المدينة التاريخيّة العتيقة على أهب الاستعداد للعودة إلى التجوال بحرّيتهم فيها.. يأتي الأسوأ، ليكشف مدى هشاشة الدعايات التّرويجيّة والطموحات بالتغيير، ويُدرك الأهالي كم هي مدينتهم العريقة مُحاصرة، وأنها بثروتها التّاريخيّة وغناها الثقافيّ وصبغتها الشعبيّة، حكرٌ على عصبةٍ واحدة (مع مؤيديها). وأن الخطة الأمنيّة لتطهير المنطقة من الجريمة، ما هي سوى شماعة لإسكاتهم بعد سنوات من التهميش والتّحامل الرسميّ والاستغلال السّياسيّ.

مهرجانات بعلبك الدوليّة

مطلع الشهر الحالي، انطلقت فعاليات مهرجانات بعلبك الدوليّة، بنسختها الثانية بعد انقطاعٍ دام سنوات بسبب جائحة كوفيد -19. وهذه العودة الخجولة بميزانيتها المتضائلة، والتّي انتظرها الأهالي والسّكان طويلاً، جاءت مُحملةً بالوعود والطموحات السّياحيّة، لانتشال المنطقة المنكوبة اقتصاديًا واجتماعيًا من أزمتها. وبالفعل، شهدت الفعاليات المُقامة إقبالاً واسعًا للمواطنين من مختلف المناطق، والسّياح الأجانب والعرب.

وهو الأمر الذي كان مُتوقعًا. إذ كان هناك بوادر لشبه تعافٍ سياحي منذ شهور، معطوف على حركة سياحية لا يُستهان بها، أكان في المدينة أم بعموم البلدات البقاعية.

واستمرت هذه الأجواء الإيجابيّة حتّى مساء السّبت الماضي 8 تموز الجاري، حين تحول توجس المواطنين السّابق من نيّة حزب الله، للتشويش على المهرجانات الدوليّة كما حدث في العام المنصرم، واقعًا (راجع “المدن”). إذ تفاجأ الأهالي، صباح الأحد 9 تموز، بمظاهر حزبيّة وتحضيرات مباغتة لحفلٍ حزبيّ في القلعة، وقد تحدثت مصادر محليّة، أن التّحضيرات التّي نُفذت صباح الأحد كانت بمناسبة ذكرى تأسيس الحزب الواحد والأربعين، ليُقام مساء اليوم نفسه، حفلٌ حضره العشرات من المناصرين في القلعة، وبموقع المهرجانات (أي أمام معبد “باخوس”).

تشويش مُفتعل؟
في حديثه إلى “المدن” يُشير الشاب بشار أ. (يقطن في المدينة) أّنه صباح الأحد تفاجأ بالمظاهر الحزبيّة التّي وصفها “بالترهيبية” لحظة دخوله إلى القلعة مع أصدقائه الذين جاءوا من الجنوب لزيارة بعلبك تحديدًا، فصدموا بأن القلعة مزدحمة بالعناصر الحزبيّة، والأعلام الصفراء، والأناشيد العقائديّة. قائلاً: “للوهلة الأولى صُدمت، وكنت لا أتوقع بتاتًا أن أجدّ في القلعة مثل هذه المظاهر، وشعرت بالإحراج من أصدقائي الذين قطعوا كل المسافة لمشاهدة القلعة في عطلة نهاية الأسبوع، فاضطروا لمغادرتها، بسبب النفور من هذه المظاهر”. مُضيفًا: “اعتبر أن هذه المظاهر هي تشويه لصورة المدينة، وتعدٍ صريح على حقنا في زيارة الأماكن التاريخيّة والتراثيّة التّي هي ملكنا جميعًا، بمعزلٍ عن ثقافة لا تشبه شطرًا كبيرًا منا!”

الحفل الحزبي أثار استياءً واستهجانًا عامين عند الأهالي، الذين لم يتوقعوا أن يُكرّر حزب الله ما فعله العام السّابق في تشويشه المستمر على المهرجانات (إقامة احتفاليات حاشدة بالتوازي مع فعاليات المهرجانات الدوليّة)، ومحاولته استغلال التحضيرات في القلعة بما يصبّ بمصلحته وأنصاره الخاصة. خصوصاً لكون تصرفه هذا قد قوبل العام الماضي بمعارضة شعبيّة، واستنكارات رسميّة ضد محاولة فرض ثقافة أُحادية على المنطقة، فضلاً عن ضرب الحركة السّياحيّة، واستغلال الأملاك العامة والأثريّة لغايات حزبيّة بحت.

وفرض حزب الله ثقافته الأحادية وإقامة مهرجاناته الحزبية في الأملاك العامة، وما تخلفه من أضرار مادية فيها، لم يحظ بمساءلة رسميّة أو معارضة شعبيّة كافية لوقف هذه الفعاليات المباغتة. وقد حاولت “المدن” التواصل مرارًا مع البلديّة، لكن لم تحظ بأي إجابة على استفساراتها الهادفة للتأكد من المعلومات التّي تُفيد أن احتفاليّة حزب الله قد جرى الموافقة عليها من قبل وزارتي السّياحة والثقافة. فيما أكدّت مصادر بلديّة رفضت ذكر اسمها، أنه بالفعل تمت الموافقة. وعليه تواصلت “المدن” مع وزارة السّياحة التي شدّدت الأخيرة أنها غير معنيّة بالموافقة على كل الاحتفاليات ولا من صلاحيتها، بل هي معنية حصرًا في بعلبك، بالمهرجانات الدوليّة، معتبرةً أن الموافقة على إقامة أي احتفاليات في القلعة الأثرية منوطة بوزارة الثقافة، التّي اتصلت بها “المدن” من دون الحصول على أي ردّ.

وضع أمنيّ مهزوز
والتّحول المباغت من الأجواء السّياحيّة الإيجابية إلى حالة التّوتر والاستنكار الحاليّة والمُصاحبة لاحتفاليّة حزب الله، لم تكن الوحيدة التّي جعلت الشارع البعلبكي متوترًا، إذ قامت دورية من مخابرات الجيش، صباح الأمس 10 تموز، بمداهمة أماكن تواجد عدد من المطلوبين بتجارة المخدرات والمتهمين بخطف أحد المواطنين السعوديين الذي تم تحريره بتاريخ سابق، وأثناء تنفيذ عملية الدهم تعرضت الدورية إلى إطلاق نار، فردت بالمثل ما أدى إلى إصابة إثنين من المطلوبين (من آل زعيتر، وآل شريف والأخير تعرض لثلاث طلقات، ونُقل إلى المشفى في حالةٍ حرجة)، وتوقيف أحدهم، وإصابة ثلاثة عسكريين بجروح طفيفة.

 وقد أشارت مديريّة الجيش عبر منصة تويتر أنه وبالتزامن مع عملية الدهم “نفذت قوة من الجيش مداهمات في الحي المذكور، وضبطت سيارة بداخلها 5 بنادق حربية نوع كلاشنكوف وقاذف أر بي جي ورمانة يدوية، بالإضافة إلى كمية من الذخائر الحربيّة. وسُلّمت المضبوطات وبوشر التحقيق مع الموقوفين بإشراف القضاء المختصّ”. لتحصل من بعد العمليتين اشتباكات بين قوة من الجيش وعدد من المطلوبين في حيّ الشراونة- بعلبك، دامت ساعات (حسب ما أشارت المصادر الأمنيّة) وقد أصيب عنصران من الجيش بشكل طفيف كما أصيب أحد المطلوبين.

جاءت هذه العملية على متن سلسلة من العمليات ضمن الخطة الأمنيّة التّي وضعتها مخابرات الجيش منذ ما يناهز العام، في محاولة مستميتة لإرساء جوٍّ من الاستتباب الأمنيّ في المنطقة بغيّة اعتقال وتوقيف المطلوبين والمتورطين، هذه المحاولة التّي لا تزال مرتهنة ومحدودة بغالبية الأحيان نسبةً للعراقيل التّي فرضتها قوى الأمر الواقع، من ثنائي حزب الله وحركة أمل، واستحكامهما بمفاصل المنطقة سياسيًا وأمنيًا، وتغطيتهما العلانيّة للمتسيبين والخارجين عن القانون. وللمفارقة السّورياليّة، أن هذه القوى نفسها، لم تكتف بجعل المنطقة ساحة تفلت وتسيب أمنيّ، ومقصلة لأي توجهٍ سياسيّ مغاير و/أو تغييري، بل تحاول بشتّى السّبل تذكير المواطنين، أن الثقافة الوحيدة هي ثقافتها، وأن لا مجال حتّى لعيش لحظات من الحريّة العامة، من دون تدخلها.

 

زر الذهاب إلى الأعلى