ليلرة الأسواق بعد دولرتها لزوم المنصة الجديدة
بقلم: باتريسيا جلاد

هل الطرح ممكن التنفيذ؟

النشرة الدولية –

نداء الوطن –

بعد بدء العمل بمنصة صيرفة لفترة عامين و3 اشهر، وبعد اعتمادها كقاعدة لتحديد كيفية احتساب الرسوم الجمركية ولسحب رواتب الموظفين العامين من المصارف… ولسحب الدولار المدعوم بواقع مليار ليرة للأفراد و10 مليارات ليرة للشركات واقتصار الإستفادة «الحرزانة» على المتمولين والمضاربين والتجار والبنوك من الفارق بين دولار سعر الصرف في السوق السوداء ودولار «صيرفة»… ها هم نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة يتداولون مع «المنظومة الحاكمة في الحكومة ومجلس النواب وصندوق النقد الدولي حول إلغائها تدريجياً واعتماد منصة جديدة شفافة، تعوّم سعر صرف الليرة إزاء الدولار بهدف اعتماد «الليلرة» مجدّداً في الاسواق.

 

تلك المنصة الجديدة والتي تشغل الوسط المالي والنقدي في البلاد والتي يحكى عن السير بها من قبل نوّاب حاكم مصرف لبنان بعد وقف «صيرفة» في نهاية ايلول المقبل في حال عدم التمديد لرياض سلامة، شكّلت محطّ جدل حول فعاليتها وما ينجم عنها من عودة التداول بالليرة الوطنية المعروفة بـ»الليلرة» بدلاً من «الدولرة» التي ترسّخت منذ أشهر في البلاد.

 

شو القصة؟

 

ويقوم عمل المنصّة الجديدة التي ستعتمد المزوّد «بلومبرغ» Bloomberg أو»ريفينيتيف» Refinitiv، كما كان أوضح سابقاً النائب الثالث لحاكم مصرف لبنان سليم شاهين لـ»نداء الوطن» من خلال «إجبار المتداولين والتجّار على البيع والشراء بالليرة في الاقتصاد، والطلب من المستوردين شراء الدولار للإستيراد على المنصة الإلكترونية الجديدة، ومع تنظيم وصول البنوك والمؤسسات المالية المؤهلة إلى هذه المنصة الإلكترونية كصنّاع سوق… سنكون قادرين على تأمين عمق وحجم تداول أكبر، وهذا من المرجح أن يدعم تسعيراً أكثر كفاءة في سوق سعر الصرف المعوّم الحر». مؤكّداً أنّ ذلك «سيؤدي أيضاً إلى إعادة الليرة الى موقعها الطبيعي كأداة دفع في الاقتصاد اللبناني». لافتاً الى ايجابيات أخرى مثل «السماح بتحسين مراقبة دفاتر كبار المستوردين، ما يساعد على تحسين إيرادات الحكومة الضريبية».

 

 

 

سمير حمود

 

 

 

المنصة لا تفقّس دولارات

 

وتعليقاً على عودة «الليلرة» من خلال تلك المنصّة، استطلعت «نداء الوطن» رأي رئيس لجنة الرقابة على المصارف السابق سمير حمود، الذي اوضح لـ»نداء الوطن» بداية مفهوم المنصّة، فقال إنها «لا تفقّس ولا تنتج دولارات، هي Platform تعمل وفق آلية معينة تتابع عمليات البيع والشراء في السوق. وتلك المنصّات متواجدة في كل أنحاء العالم للقطع او للسندات أو للأسهم، الأمر الذي يتطلب إيجاد صانع سوق Market maker لخلق التوازن في السوق، يشتري دولارات من السوق في حال وجود معروض ويبيع دولارات اذا كان هناك طلب على الدولار».

 

وأضاف: «يتمّ استخدام الليرة كترانزيت باعتبارها Legal tender أي حقّ ابراء بالليرة التي تعطيها الحكومة لعملتها الوطنية، والبنك المركزي يستفيد منها. حتى لو طبع ليرة وتمّ تداولها وفق مفهوم الـseigniorage أي الفارق بين القوة الشرائية للعملة وكلفة طباعتها (تكون قيمتها ليست ورقياً بل بقبولها من الناس) الذي يمثّل قوّة إبراء تعطيها الحكومة لعملتها الوطنية. كأن تكون كلفة طباعة 100 ألف ليرة نحو 10 آلاف دولار و200 ألف ليرة 20 ألف دولار».

 

كلام فاضي

 

ووصف «عودة الليلرة» وإبقاء الليرة كعملة تخزين أو إدّخار ليتضاءل الطلب على الدولار في وضعنا الراهن بـ»الكلام الفاضي»، إذ لم يقدم أحد على بيع دولاراته والإبقاء على العملة الوطنية بهدف الإدّخار».

 

وحول العودة عن الدولرة التي اعتمدها وزير الإقتصاد والتجارة منذ اشهر في السوبرماركات، أشار الى أنه «اذا سيتمّ التداول مجدّداً بالليرة اللبنانية بالسوبرماركات والمحال التجارية، ومحطات المحروقات…، فستحوّل المدفوعات خلال دقائق معدودة الى دولارات من خلال الصرّافين أو على «المنصة». وفي المقلب الآخر لا يحق لمصرف لبنان القول أنه سيتداول بالدولار او يدفع للموظفين بالدولار، ولا الدولة لديها الحق لأنه ليس لديها دولار عليها أن تدفع بالليرة».

 

مزيد من التخبط

 

ويرى حمّود أن «الإتجاه هو نحو مزيد من التخبّط، فلا يمكن تحميل مصرف لبنان مسؤولية مسألة ما اذا كان الطلب على الدولار سيزيد من قبل المواطنين، ويتمّ الخروج من العملة الوطنية، وأن يكون مصرف لبنان جاهز لتغطية كل الطلب. فالإحتياطي ينتهي بعد فترة حتى ولو كان الإحتياطي لمصرف لبنان، علماً أن الإحتياطي المتواجد اليوم ليس لـ»المركزي». فكل دولار يتمّ إنفاقه لا بدّ من استبداله، وكل دولار يتمّ شراؤه يتمّ صرفه. الدولار يشتريه مصرف لبنان بـ91 ألف ليرة ويبيعه بـ85 ألف ليرة من خلال «صيرفة». فنواب الحاكم سيبقون على خسارتهم والخسارة تحمّل الى وزارة المال. اذا كان نائب الحاكم لا يريد أن يخسر بالليرة ولا يريد أن يتدخل لبيع الدولارات، فكيف يمكن التحكّم بالسوق وتحقيق الإستقرار في سعر صرف الدولار».

 

لا ادخار بالليرة

 

وفي الغضون، يضيف حمود «صحيح أن هناك دولارات تدخل الى البلاد من الخارج، لكن احتياجاتنا الى الدولارات مستمرة، والمواطنون يرفضون تحويل دولاراتهم وإبقاء الليرة اللبنانية في جيبهم أو في المصارف. وفي ظلّ هذا الواقع، من الصعب استقرار سعر الصرف».

 

واكد على صعيد مخطّط نواب الحاكم، انهم لا يريدون خسارة الدولارات التي لدى «المركزي» ما بين البيع والشراء، ولا يريدون الإنفاق من الموجودات لذلك توجهوا الى المجلس النيابي، ولا أعلم لماذا يطلبون التشريع بدلاً من التوجه نحو الحكومة. فإقراض الدولة 200 مليون دولار كما طلبوا أن تكون بقانون، تعني بيع الدولة 200 مليون دولار». فالمفروض برأي حمود «موازنة» الموازنة لتخفيف الطلب على الدولار، والطلبات التعجيزية التي يتقدّمون بها، هي تعجيزية، ووضعنا غير مريح».

 

 

 

مروان القطب

 

 

 

المنصة الجديدة

 

بدوره كان للأستاذ الجامعي والمتخصّص بالشؤون المالية مروان القطب خلال حديثه الى «نداء الوطن» مقاربة مختلفة لمسألة عودة «الليلرة» الى البلاد بعدما تمّت الدولرة.

 

فأوضح أن «الدولرة في البلاد جاءت كحلّ موقت لأزمة إقتصادية ونقدية حادة قائمة ونتيجة تفلّت سعر صرف الدولار وارتفاعه المستمرّ. والتخلص من الدولرة لا يتم الا بمعالجة الأزمة واستعادة الليرة مكانتها. من هنا طالما أن الأزمة لا تزال قائمة لا يمكن الحديث عن الليلرة، وتبقى منصّة «صيرفة» أهون من خطوة غير مضمونة. علماً أنني ضدّ مبدأ الدولرة وما يقال أن زمن الليرة انتهى، فهذا الكلام برأيي غير سليم، لأن عملة الدولة مرتبطة باقتصادها وقوته».

 

شرّ لا بد منه

 

وبذلك يختصر القطب رأيه بأن منصّة «صيرفة» رغم كل سيئاتها، شرّ لا بدّ منه» في وضعنا الراهن. لكن لماذا؟

 

يقول «من سيئات «صيرفة» أنّها حوّلت القطاع المصرفي الى ما هو شبيه بالدوائر الحكومية، فاستفاد منها أشخاص على حساب آخرين من دون وجه حقّ. ورغم ذلك ساهمت بضبط الدولار الأميركي، وأشبّهها بالسيارة التي تقع بالمهوار ويتمّ مسكها باليد بدلاً من وقف تدهورها بالفرامل».مؤكّداً أنه «ليس هنالك من آلية منظمة في السوق لضبط الدولار حالياً وبوضعنا الراهن، إلا من خلال «صيرفة»، فالمنصّة الجديدة لتعويم سعر الدولار وعودة التداول بالليرة بدلاً من العملة الصعبة غير واضحة المعالم، وأعتبرها خطوة في المجهول. فالسير الطبيعي للأمور يجب أن يكون بحلّ سياسي ثمّ حلّ إقتصادي عندها تسير البلاد بالمسار الطبيعي له».

 

آليات لضبط التفلّت

 

وإذ قال أنه «لا بدّ من وضع آليات نقدية لضبط تفلّت الدولار الأميركي الصعودي، سأل: هل المنصّة الجديدة التي تحدّث عنها النائب الثالث لحاكم «المركزي» ستضبط تفلت الدولار الأميركي المتجه صعوداً أم ستكتفي بتعويمه إزاء الليرة؟

 

وشدّد على أن «النظريات لا تكفي ولا بدّ من آليات واقعية تتماهى مع السوق النقدي، وقادرة على ضبط السياسات النقدية وعدم الوقوع في المحظور الذي نخشاه في بداية شهر آب». أما التهديد بالإستقالة من نواب الحاكم، فهو لا يمنعهم من القيام بعملهم الى حين قبول استقالتهم من المرجع القانوني الصالح».

 

 

 

باسم البواب

 

 

توقيت توقيف «صيرفة»

 

وفي السياق، اعتبر الخبير الاقتصادي باسم البواب أن» توقيت توقيف منصّة «صيرفة» غير ملائم من دون حاكم لمصرف لبنان ومن دون رئيس للجمهورية وحكومة ومجلس نوّاب وتشريعات. الأفضل وجود شفافية ومنصة شاملة ولكن تعويم الدولار أو الليرة اللبنانية من دون إصلاحات وخطة من صندوق النقد مسألة خطيرة وغير ملائمة لكل الناس، لموظفي القطاع العام او الخاص او سعر الدولار وسعر صرف الليرة. مع عودة الليلرة ستسجّل العملة مزيداً من الإنهيارات، وارتفاعات بالدولار، فتلك الخطوة تتطلب حلّاً كاملاً متكاملاً. فاذا كان سعر الليرة غير ثابت لا أحد سيتعامل بتلك العملة ولن تعود الثقة فيها».

 

سيرتفع الدولار

 

نظرية نواب الحاكم تقول إن إبقاء صيرفة وفق آلياتها الحالية سيؤدي إلى مزيد من الخسائر بالليرة، وكذلك بالدولار عندما يفشل البنك المركزي في شراء المبالغ المطلوبة بالدولار من السوق، لذا فالحاجة ماسة للانتقال إلى سوق سعر صرف منظّم، بما يعكس التوازن الحقيقي بين العرض والطلب، مقابل الرأي المعاكس لمن يربط استمرار مسار الأزمة الراهنة بعدم ايجاد حلول سياسية واقتصادية، علماً بان النائب الثالث للحاكم لا يستبعد «أن تؤدي آلية تداول أكثر شفافية إلى انخفاض في قيمة الليرة، إذا فشلت الأحزاب السياسية في تحمّل المسؤولية وتنفيذ الإصلاحات اللازمة».

زر الذهاب إلى الأعلى