“السيارات الكلاسيكية” بين الهواية والاستثمار التجاري
أصحابها يتنافسون على أقدمها وقوتها ومنهم من يعتبرها استثماراً ناجحاً
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية فدى مكداشي
في بلدة عاليه (محافظة جبل لبنان)، أقيم معرض للسيارات القديمة أو ما يعرف بـ”السيارات الكلاسيكية”، نظمته البلدية وضم نحو 50 سيارة أميركية وألمانية وفرنسية ويابانية. من مناطق مختلفة في لبنان خرجت هذه السيارات من المرائب بعدما أن أضاف عليها أصحابها لمسات جمالية لتبدو في المعرض بأبهى صورة.
هذا المعرض، بحسب رئيس البلدية وجدي مراد، يقام للسنة الرابعة على التوالي بهدف تنشيط السياحة في مدينة عرفت قبل الحرب بأنها “عروس المصايف”، وكانت قبلة للسياح العرب. العلاقة بين عاليه والسيارات قديمة “في عام 1918 كانت تعد أكبر موقف لسائقي السيارات، وعرف أبناء المدينة بحبهم لاقتناء أفخم الطرازات وأقوى المحركات. كان هناك نوع من المنافسة بين السائقين، وحتى يومنا هذا، أغلب المنازل توجد فيها سيارات قديمة مركونة أو مستحدثة”.
من هواية إلى إدمان
وعن نشأة هواية اقتناء “السيارات الكلاسيكية” يقول مراد، “جمال السيارات القوية نشأ في أوائل السبعينيات، واحتلت الصدارة السيارات الأميركية ذات محركات الأسطوانات الثماني. شخصياً أول ثلاث سيارات اقتنيتها كانت فورد “موستنغ”، وكاديلاك طراز 1950 التي كانت ملك رئيس الجمهورية آنذاك كميل شمعون، وفورد “ثندربيرد”. ومن هنا بدأت رحلة الإدمان، وأمتلك اليوم أكثر من 27 سيارة ذات طراز قديم”. وعن السبب الرئيس لهذه الهواية، يقول “مع صعود الأفلام الأميركية في السبعينيات، تأثرت كثيراً بالأبطال الذين كانوا يتباهون بسياراتهم الكلاسيكية وبسرعتها الفائقة وكيف كانت أسرع من سيارات الشرطة.
أتذكر مثلاً فيلم “Dirty Harry” و”Crazy Larry”. عندما دخلت الجامعة كان أصدقائي (يمتلكون أيضاً سيارات قديمة) مثل جاغوار “تايب إي” و دودج “تشارجر”، المحزن أن السيارات الحديثة تفتقد للتميز وكلها تشبه بعضها”.
ويضيف “بعدها، قمت باستيراد سيارة “كودا” الكندية التي كانت تقدر بـ15 ألف دولار، وسعرها اليوم يناهز 300 ألف دولار. عرضها علي رجل فرنسي. أما فورد “موستنغ” المكشوفة تقدر اليوم بـ 45 ألف دولار أميركي، بعد التصليحات واستيراد قطعها من الخارج لتعود أقوى مما كانت عليه”. كانت تجارة مربحة لوجدي مراد من حيث لا يدري، إذ “بهذه الطريقة استطعت الحفاظ على جزء من أموالي بعد الانهيار الكبير لليرة اللبنانية، وتمنع المصارف عن دفع أموال المودعين”. وفي حديث مع أمجد مراد، ابن رئيس البلدية، المسؤول المباشر عن تنظيم المعارض في عاليه، قال “بفضل الوالد انغمست في هذه الهواية في سن المراهقة وبدأ الشغف ينمو، وأدركت في سن مبكرة قيمة هذه السيارات التاريخية والثقافية”.
هواية اقتناء السيارات القديمة
ويضيف “أول سيارة تعلقت بها كثيراً هي فورد “ثندربيرد”. وهي ليست سيارتي الخاصة، بل تعود للعائلة. أحببت الشكل ونوع الحديد ولونها الأحمر وفرشها الأبيض، إعادة ترميمها، استغرقت وقتاً لجلب قطع الغيار من الولايات المتحدة الأميركية إضافة إلى أعمال التنجيد والحدادة والميكانيك”.
ويقول خليل شميط، الميكانيكي المتخصص بالإشراف على عمليات الصيانة، “هواية اقتناء السيارات الكلاسيكية غيرت مجرى حياتي بالكامل، إذ بدأت مسيرتي سائق تاكسي ومن ثم ميكانيكي، واليوم أنا صاحب أقدم 10 سيارات كلاسيكية تقدر أثمانها بملايين الدولارات. في عام 1959، اشتريت أول سيارة دودج (ست أسطوانات) طراز 1958. بعدها، رحت أعتني بها وقمت بتركيب محرّك جديد، وبثمن بيعها فتحت محلاً لتصليح السيارات، وإعادة تجديد الطرازات القديمة، وأحيانا أشتري سيارة بـ16 ألف دولار، وأبيعها بـ45 ألفاً”.
بين الهوس والادخار الذكي
ويمتلك شميط اليوم 10 سيارات، وأقام مرأباً كبيراً لركنها. سيارة “البيوك” الأميركية ذات اللون الأحمر الداكن طراز 1960، لم يشأ أن يبيعها محتفظاً بها كذكرى له عن بداية مسيرته المهنية، حين كان سائق سيارة أجرة، “قمت اليوم بتركيب محرك جديد لها وأقودها في رحلات الصيد. وهي واسعة في الخلف ومريحة”.
ماضياً “كانت الفتيات تتحلق حول سيارتي وأختار منهن الأجمل ونذهب إلى كورنيش البحر نتباهى بسياراتنا أمام المتفرجين والمشاة على الكورنيش، وأحياناً ومع عدد من الأصدقاء ننطلق في سباق لاختبار قوة المحركات”. من جهته، كمال منيمنة (40 سنة) من بيروت، بدأت هوايته بعد لقائه بإحدى الفتيات في الجامعة التي أصبحت زوجته، وكانت تمتلك “شيفروليه” طراز 1968، ورثتها عن والدها. ويقول “اشتريت سيارة بونتياك “ترانس أم” حتى أجذب اهتمامها، واتضح أنها ضليعة جداً بعالم السيارات فانتقلت العدوى إلي، ثم اشتريت سيارة أخرى “دودج” وأدخلتها إلى مرأب للصيانة لتعود كأنها من الشركة الأم”. أضاف “نتنافس أنا وزوجتي دائماً بمن سيارته أجمل، والآن أنا في طور تغيير المحرك لـ”الدودج” حتى أكسب التحدي، لكن المشكلة أن هذه الهواية تستنزف راتبي ومدخراتي”.