السيطرة على “عين الحلوة” مفتاح المخيمات الفلسطينية في لبنان
حركة "فتح" في مواجهة مفتوحة مع تنظيمات إسلامية تدعمها حركتا "حماس" و"الجهاد"
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية –
شهد مخيم “عين الحلوة” للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان اشتباكات متقطعة طوال أسابيع تخللتها هدنات هشة. طرفا هذه الاشتباكات حركة “فتح” ومجموعات إسلامية متشددة منها جماعة “الشباب المسلم”، وأسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى إضافة إلى أضرار فادحة لحقت بالمباني والممتلكات، مما تسبب في نزوح عشرات العائلات إلى خارج المخيم.
وأعلنت وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا) تلقيها، تقارير “مروعة” عن أضرار جسيمة لحقت بمدارس الوكالة والمواد التعليمية المخصصة للأطفال في المخيم، في ظل الاشتباكات “العنيفة” فيه. وقالت مديرة شؤون “أونروا” في لبنان دوروثي كلاوس، إن المجموعات المسلحة تواصل الاستيلاء على ثماني مدارس تابعة لـ”أونروا” التي توفر التعليم لـ5900 طفل من لاجئي فلسطين.
وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أجرى اتصالاً بالرئيس الفلسطيني محمود عباس وتشاور معه في شأن التطورات الحاصلة في المخيم، مشدداً “على أولوية وقف الأعمال العسكرية والتعاون مع الأجهزة الأمنية اللبنانية لمعالجة التوترات القائمة”، وفق ما نشر عبر حسابه على منصة “إكس”.
وفي السياق وصل ليلة أمس عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح”، المسؤول عن الملف الفلسطيني في لبنان عزام الأحمد، للقاء عدد من المسؤولين اللبنانيين والفلسطينيين، لبحث الوضع الأمني داخل المخيم. كذلك اجتمع السفير الفلسطيني في لبنان أشرف دبور مع قائد الجيش اللبناني جوزيف عون، مستنكراً تعرض وحدات من الجيش في محيط المخيم لإطلاق النار مما أدى إلى سقوط خمسة جرحى في صفوفه.
وقفات لإطلاق النار هشة
هذه الاشتباكات تأتي على خلفية عدم تسليم المطلوبين والمشتبه فيهم باغتيال قائد الأمن الوطني الفلسطيني، اللواء محمد العرموشي “أبوأشرف”، وأربعة من مرافقيه أغسطس (آب) الماضي. حينها اتفق على ضرورة تسليم المشتبه فيهم وتسليم محمد زبيدات الملقب بـ”الصومالي”، والذي اغتال عبد فرهود المحسوب على “جند الشام”، لكن أحداً لم يسلم. وسرت معلومات عن مقتل عز الدين أبوداوود ومجموعة من مرافقيه، وهو من ضمن المتهمين بجريمة اغتيال العرموشي.
وأمس الإثنين اجتمع مدير الأمن العام اللبناني بالإنابة إلياس البيسري مع مجمل الفصائل الفلسطينية، وحصل اتفاق على وقف فوري ودائم لإطلاق النار، ومتابعة تسليم المطلوبين باغتيال اللواء العرموشي ورفاقه، وعبدالرحمن فرهود للسلطات اللبنانية. البيسري وفي موقف حاسم قال “لن نقف مكتوفي الأيدي جراء ما يحصل في المخيم، هذه أرض تخضع للسيادة اللبنانية وهذا السلاح يحظى بغطاء من السلطات اللبنانية، ما يحصل خطر جداً، وإذا تمدد سيتحول إلى أزمة مستنزفة والوضع في لبنان لا تنقصه أزمات”.
نار من تحت رماد
يشير مصدر سياسي قريب من “فتح” من داخل مخيم عين الحلوة لـ”اندبندنت عربية” طلب عدم ذكر اسمه، إلى أن حركة “فتح” تسعى إلى السيطرة على مراكز القوى الإسلامية المتشددة، لأنها تعتبر أن حركة “الشباب المسلم” في وضع صعب، وكل أماكن وجود عناصرها محاصرة من قبل “فتح”، والجيش اللبناني الذي يطوق المخيم. كذلك الشوارع مراقبة ومقفلة بسواتر، لذا من المستحيل إدخال السلاح إليهم في هذه الظروف.
ويتابع أن “الشباب المسلم” تعاني الآن بسبب بدء نقص الذخائر والجرحى المحاصرين. ويضيف أن “فتح” لن توقف الاشتباكات إلى حين تسليم المطلوبين، أو السيطرة على أحياء كاملة من المخيم حيث يوجد الإسلاميون المتشددون، وعلى وجه التحديد “حي الطوارئ” و”حي حطين”.
ويتابع “إذا فشلت فتح في الحسم عسكرياً فهذا معناه إدخال المخيم بمسلسل من الاغتيالات والتصفيات”. وعلم من الشخصيات المحاصرة داخل الأحياء، هيثم الشعبي (أحد كوادر جند الشام)، وبلال بدر (المعروف بـ”رامبو” عين الحلوة)، ورائد عبدو، وعمر الناطور (فتح الإسلام)، وغيرهم من المطلوبين من الأمن والقضاء اللبنانيين، إضافة إلى عناصر من “فتح الإسلام” وأخرى تابعة لحركة أحمد الأسير وهو سجين لبناني بموجب حكم قضائي، إذ يتوارون داخل أحياء المتشددين.
ويقول المصدر ذاته إن المطرب فضل شاكر سلم نفسه إلى الأمن الوطني الفلسطيني، كونه كان مختبئاً في أحد تلك الأحياء، ولكنه لا يريد إقحام اسمه في المعارك الجارية الآن.
من أين يأتي الدعم؟
برأي هذا المصدر أن المجموعات التي تسمي نفسها “إسلامية” وهي بعيدة من الإسلام، تحاول السيطرة على المخيم بدعم من حركتي “حماس” و”الجهاد”، المدعومتين بدورهما من “حزب الله” وإيران. وهذا التحالف يمنع حركة “فتح” من حسم المعارك وأدى إلى تصاعد كبير في أعداد النازحين. كذلك أعلنت المؤسسات الدولية أنها لن تسهم بقرش واحد لإعادة إعمار ما تهدم، ومدارس “الأونروا” التي لحق بها دمار كبير لن تستطيع فتح أبوابها لهذا العام الدراسي ودائماً، وفقاً للمصدر من داخل المخيم.
ويؤكد أن سيطرة الفصائل الإسلامية أمر غير وارد على الإطلاق، علماً أن “فتح” تقاتل لوحدها، لأن الفصائل الأخرى في “منظمة التحرير الفلسطينية” لم تتدخل حتى الآن. وثمة دور لإيران التي تريد مسك ملف اللاجئين الفلسطينيين، عبر حركة “حماس” و”حزب الله”.
ويختم “من يسيطر على عين الحلوة يستطيع مسك كل المخيمات على الأراضي اللبنانية”. من جهته دعا أمس “حزب الله” إلى وقف إطلاق النار بشكل فوري و”التزام كل مندرجات وآليات الحل التي يتم التوافق عليها، في إطار العمل الوطني الفلسطيني، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية اللبنانية والقوى الفاعلة والمؤثرة”.
“غزة اللبنانية”
بعض قنوات التلفزة الإسرائيلية تحدثت عن انتقال قيادة “الجهاد الإسلامي” من دمشق إلى لبنان. وأشارت إلى لقاء وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله في بيروت، تبعه لقاء بين نصرالله ونائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” صالح العاروري وأمين عام “الجهاد الإسلامي” زياد النخالة. وعندما حضر رئيس جهاز الاستخبارات الفلسطيني ماجد فرج إلى بيروت يوليو (تموز) الماضي، تقول المعلومات إنه حذر السلطات الأمنية والسياسية في لبنان مما يخطط له عبر تأسيس قاعدة لحركتي “حماس” و”الجهاد” في الجنوب بالقرب من مخيم “برج الشمالي” في الجنوب بإشراف من قبل “حزب الله”.
علماً أن العاروري والنخالة وغيرهما من القياديين يقيمون في الضاحية الجنوبية. وهناك من يربط بين ما يحصل في المخيم والمجريات العسكرية في الضفة الغربية ونابلس. وظهر ذلك جلياً في المواجهة بين كتيبة “عرين الأسود”، المدعومة من إيران و”حزب الله” و”الجهاد الإسلامي”، وحركة “فتح” بعدما نعمت الضفة لسنوات باستقرار مقبول.
وكان رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” إسماعيل هنية صرح من بيروت في سبتمبر (أيلول) 2020، ومن مخيم “عين الحلوة”، وبعد لقاء جمعه بنصرالله، أن “مخيمات الشتات هي قلاع المقاومة، ومنها صنعت الأحداث الكبرى، وخرج منها الأبطال، وفيها ظلت القضية حية”.
وأضاف أن “المقاومة تمتلك صواريخ لتدك بها تل أبيب وما بعدها”، وترافق خطابه مع ظهور أكثر من 200 مسلح في برج البراجنة والبرج الشمالي مجهزين بأسلحة حديثة، كما أن لباسهم كان عسكرياً وبدا واضحاً أنهم مدربون تدريباً عالياً.