المقاطعة الاقتصادية… حرب بلا سلاح
بقلم: د. دانييلا القرعان
النشرة الدولية –
إنه عصر الصراع الاقتصادي والاستحواذ على مقدرات الشعوب المستضعفة، حرب قذرة تديرها الأيادي اليهودية التي تسيطر على الاقتصاد العالمي عبر شبكة واسعة من الشركات العملاقة العابرة للقارات وعبر البنوك الدولية ومؤسسات المال التي أصبح لها تأثير واسع في صناعة القرار الدولي ونشر الحروب والأوبئة بهدف السيطرة على البشرية والتحكم والسيطرة على الأسواق واحتكار الإنتاج الصناعي والزراعي. ونتيجة للنفسية اليهودية التي يصفها القرآن الكريم بانها نفسية خبيثة جشعة تعبد المال جشعون لا يشبعون وقد أوصلهم شجعهم لشن الحروب واثارة الفتن والتآمر على مقدرات الشعوب خاصة الشعوب العربية والإسلامية التي تربض على الثروات الهائلة فلم يكفيهم ما يجنوه من أسواقنا وما ينهبوه من ثرواتنا بل اتجهوا لمحاولة استعبادنا وتدمير مقدراتنا وافساد مجتمعاتنا. وها هي اليد اليهودية يمتد فسادها حتى إلى قوت الناس وصحتهم في محاولة خبيثة لتقليل عدد سكان الكوكب بهدف بقائه في مستوى معين يكونون قادرون على توفير له المنتجات عبر شركاتهم ومصانعهم عوضاً عن اتاحة الفرصة لشركات أخرى قد تنافس شركاتهم وتشكل خطرا على سيطرتها على الأسواق الدولية. لقد بلغ بالمكر اليهودي إلى المتاجرة بالبشر أو المتاجرة بالأعضاء البشرية من خلال اصطياد عذابات فقراء أو المهاجرين الباحثين عما يسد جوعهم وفي ليل الضمير الدامس وحلكته تنشأ عصابات اختطاف أو قتل ليرتوي الجشعون على حساب حياة هؤلاء ودمائهم، وكم من قصص أيضا يتم تداولها حول ذلك! وأمام هذا الواقع كانت الصرخة التي تنادي الأمة في بداية الألفية الثانية بضرورة امتلاك الوعي ومواجهة مؤامرة أعداء امتنا واعداد ما يمكن اعداده لمواجهة ما نحن نعيشه اليوم من مؤامرات رهيبة حروب عسكرية واقتصادية وبيولوجية وتآمر غير مسبوق.
” المقاطعة الاقتصادية ” رفض منهجي وامتناع طوعي عن استهلاك منتجات شركة أو دولة ما، أو إقامة أي علاقة اقتصادية معها؛ للضغط عليها أو إرغامها على الاستجابة لمطالب محددة، كتغيير مواقفها أو سياساتها اتجاه بعض القضايا، كحقوق الإنسان، أو إنهاء احتلال أرض ما، أو وقف العدوان على بلد ما. تعرف المقاطعة بأنها امتناع طوعي مخطط له عن شراء منتوجات معينة أو التعامل مع شخص أو أشخاص معينين منظمة أو مؤسسة معينة، وقد تصل المقاطعة الى مقاطعة دولة لدولة أخرى. تتميز المقاطعة بانها تصرف سلبي (امتناع عن عمل) يحمل في طياته بواعث ودوافع سياسية، اقتصادية ودينية، والهدف دائما هو أحداث تأثير على الجهة المعنية بالمقاطعة، والتأثير قد يكون عبارة عن عزلة، خسائر مالية، وقد يصل التأثير إلى إفلاس المستهدف من وراء عملية المقاطعة. غير أن هناك فرق بين المقاطعة والعصيان المدني هذا الأخير يكون موجها ضد الحكومة وليس ضد شركات خاصة أو جهات مستقلة عن الحكومة المركزية.
مع ازدياد أعمال العنف الإسرائيلي ضد الشعب في فلسطين وقطاع غزة تحديدا، ومع استمرار انتفاضة الأقصى التي باتت قريبة، والحصار الشامل على قطاع غزة، تتصاعد الدعوات لتفعيل المقاطعة الاقتصادية العربية للعدو الصهيوني وأي شركة تتعامل معه وتقدم الدعم له ولجنوده؛ بوصفها سلاحاً فعالاً ممكناً، كما أن ظاهرة المقاطعة الاقتصادية انتقلت من الحيز الرسمي إلى المجال الشعبي عن طريق ترك استهلاك البضائع الإسرائيلية والأميركية، وكل بضاعة أو منتجات تقدم خدمات للعدو الصهيوني وتقف الى جانبه وتدعم الجرائم التي يرتكبها بحق الإنسانية في قطاع غزة، بمعنى المقاطعة الاقتصادية لكل البضائع التي تمد العدو الإسرائيلي بالمال، وتلك التي تصل إلى مَن يساند هذا العدو؛ سواء في ذلك أمريكا أو غيرها من الدول الغربية والشرقية، هي أقل القليل الذي يمكن بذله والتضحية به في هذا الزمن الذي لم تعد فيه المواجهة العسكرية هي الحل الأمثل.
ويأمل العرب أن تعمل المقاطعة على حقن دماء أطفالنا في فلسطين وفي غيرها من المناطق التي يتعرض فيها المسلمون للاضطهاد والتنكيل. هذا، وإن سلاح المقاطعة الاقتصادية من الأسلحة الفاعلة والمستخدمة عبر العصور منذ عصر حصار الشِعْب في بدء الدعوة الإسلامية إلى العصر الحديث، حيث تتعاظم قيمة الاقتصاد.
المقاطعة أو كما يطلق عليها بالإنجليزية (boycott)، تعتبر من بين أهم الوسائل السلمية وأنجحها والتي من خلالها يمكن تحقيق تأثير حقيقي على الجهة المقصودة بالمقاطعة، خاصة إذا كانت هذه الاخيرة شركة أو مجموعة من الشركات، حيث أن المقاطعة تضرب في أهم الركائز التي تقوم عليها الشركات الخاصة: الربح! أن الربح هو أول الأهداف وآخرها لذلك فأي محاولة للنيل منه تشكل هاجسا وكابوسا لا يطاق لدى الشركات. المقاطعة من حيث المدة الزمنية هي نوعان، مقاطعة محدودة المدة -one time affair- والتي يكون الهدف منها تصحيح وضعية معينة عن طريق مقاطعتها مؤقتا بحيث تنتهي المقطعة عندما يتم تصحيح الوضعية والتجاوب مع المقاطعين. اما النوع الثاني فطويل المدة، حيث تصبح المقاطعة كنوع من الوعي الشعبي وكمخطط دائم، يشمل المقاطعة الدائمة والشاملة وكذا التأثير على القرار السياسي والحكومات ودفعها إلى تبني المقاطعة، خاصة عندما يتعلق الأمر بمقاطعة دولة ما أو منظمة ما.
قد يتفق الكل على أن الإنترنت عامة ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة خاصة تلعب دورا مهما في انتشار فكرة المقاطعة، كونها تتخطى الإعلام التقليدي الذي، غالبا، ما يخضع لضغوطات الحكومات واللوبيات وكذلك الأشخاص أصحاب النفوذ وأصحاب الشركات الكبرى، بحيث تبقى وسائل التواصل قادرة على تجاوز اي ضغط قد يمارس على مستعمليها مَانِحَة الحرية التامة للأفراد في أن يختاروا ما يرونه مناسبا لهم ولتوجهاتهم السياسية والدينية والثقافية. مما يزيد من حجم انتشار فكرة المقاطعة والهدف وراءها وطرق مساراتها وننتئيها العاجلة والآجلة.
إن ما يجعل المقاطعة وسيلة وطريقا شرعيا لإحداث تأثير وضغط حتمي على المستهدف هو كونها سلمية؛ أي إنها لا تحتاج إلى حمل سلاح ولا إلى الخروج في مظاهرات أو أي عملية أخرى غير سلمية، وإنما تكفي القطيعة وعدم التعامل أو عدم الشراء أو عدم المشاهدة -مشاهدة برامج تلفزيونية معينة-أو عدم اجتياز امتحانات. إن سلمية المقاطعة من جهة تحدث نتائج كبيرة في الجهة الأخرى، أن الخسارة التي قد تحققها المقاطعة لجهة ما -خاصة الشركات-غالبا ما تكون خسارة مادية ومالية باهظة ومؤثرة تأثير ملموسا، بحيث قد تدفع الشركة المستهدفة إلى التنازل والرضوخ لمطالب المقاطعين وذلك رغبة منها في استمرار وجودها، بحيث يكون تحقيق مطالب المقاطعين أخف الضررين.
لذلك أرى من المهم أن نتجه صوب مقاطعة كل المنتجات الصهيونية، ومقاطعة أي شركة مهما كانت تمد يد العون والمساعدة للعدو الغاصب، من خلال الامتناع عن شراء جميع ما تنتجه من خدمات وبضائع خصوصا ما يتعلق بالطعام. فالحرب الاقتصادية لا تقل أهمية عن الحرب العسكرية، فكلاهما وجهان لعملة واحدة. فالمقاطعة الاقتصادية أسلوب ضغط على كل من يقف الى جانب العدو الي يرتكب أعنف المجازر بحق إخواننا الفلسطينيين.
وأرى أن الحرب الإعلامية والاقتصادية إذا تم توجيه البوصلة بشكل جيد ستحدث فرقا كبيرا في المعركة العسكرية الدائرة بين طرفين في ساحة المعركة، فكما أن الحرب الاعلامية معروفة بقدرتها علة كشف الحقائق المزيفة، وقلب طاولة الحرب لصالح الطرف المستضعف من خلال نشر الهاشتاغات والصور والفيديوهات التي من الواجب أن يشاهدها العالم الغربي، ويشاهد المجازر الحقيقية التي ترتكب على التراب الفلسطيني. هي كذلك الحرب الاقتصادية من خلال اللجوء الى مقاطعة المنتجات اليهودية وكل منتج يدعم هذا الاحتلال الصهيوني الغاصب. وقد رأينا الكثير من الشواهد الحقيقية والتي أدت الى نتائج وخسارات فادحة ببعض الشركات أو الدول نتيجة اعتناقها سياسات ضد الشعب، او ضد سياسة دولة خرى.
ومن الأمثلة على المقاطعة التي أحدثت فرقا كبيرا وضغطا واضحا، قيام الملك فيصل بالمقاطعة الاقتصادية، في أعقاب حرب 1967 وحرب 1973 م، فبعد يومين من نشوب الحرب الأولى، أعلن حظر البترول السعودي عن بريطانيا والولايات المتحدة، وعلى إثر نشوب حرب 1973 م تزعم حركة الحظر البترولي الذي شمل دول الخليج، فكان لهذا الحظر أثره في توجيه المعركة.
منافحا عمّا سمّاه “الدفاع عن حرية التعبير”، خرج الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون ليقول إن بلاده لن تتخلّى عن “رسم الكاريكاتير” المسيء للرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-. تصريحات ماكرون تلك قوبلت بانتقادات شديدة في أجزاء كبيرة من العالم العربي والإسلامي، كما ظهرت احتجاجات عدة في دول، وانطلقت دعوات عديدة لمقاطعة البضائع الفرنسية. ومع اتّساع رقعة المطالبات بالمقاطعة، خرجت الحكومة الفرنسية لتُناشد حكومات الدول المعنية بـ “ضرورة وقف الدعوات لمقاطعة السلع الفرنسية والتظاهر”، واعتبرت أن هذه الدعوات “تُشوِّه المواقف التي دافعت عنها فرنسا من أجل حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الديانة ورفض أي دعوة للكراهية”، في حين لم يغب عن تصريحاتها أن تُشير صراحة إلى أن هذه الدعوات تأتي من “أقلية متطرفة” حدّ وصفها، ولتؤكد الخارجية الفرنسية أن تصريحات الرئيس الفرنسي إنما تهدف فقط إلى مكافحة ما وصفته بـ “الإسلام الراديكالي، والقيام بذلك مع مسلمي فرنسا الذين يُشكِّلون جزءا لا يتجزّأ من المجتمع والتاريخ والجمهورية الفرنسية”.