القائد والقضية
بقلم: اللواء محسن الفحام
النشرة الدولية –
ها نحن نمر بالأسبوع الرابع من الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطينى الأعزل، الذى راح ضحيته، حتى كتابة هذه السطور 7500 شهيد، من بينهم 3000 طفل، و1800 إمراة، و420 مسنًا، بالإضافة إلى إصابة 22 ألف مواطن بجروح مختلفة منذ السابع من أكتوبر.. وبينما يستمر القصف الإسرائيلى المكثف على قطاع غزة لم ينجح مجلس الأمن الدولى فى تبنى أى مشروع يهدف إلى إيقاف العمليات العسكرية فى المنطقة حتى ما طالب به الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، من أن يكون ذلك لفترة مؤقتة لأسباب إنسانية، لم يجد أى استجابة من الجانب الإسرائيلى، بل إنها اتهمته بالانحياز وعدم الحيادية.
يأتى هذا فى الوقت الذى أخذت فيه مصر على عاتقها مواجهة ما يحدث، منذ اللحظات الأولى لهذا العدوان، وتحركت على جميع المحاور، وتواصلت مع كل الأطراف الإقليمية والدولية لوقف العدوان، وإغاثة المدنيين فى غزة من حرب إبادة تتجاوز رد الفعل إلى الانتقام، والسعى لتصفية القضية الفلسطينية ونقلها إلى سياقات أخرى.
كان الرئيس عبد الفتاح السيسى هو القائد ومحور أنظار العالم، خلال الأيام الماضية، حيث وفد إلى مصر العديد من قادة العالم الغربى، الذين لهم انحيازات مسبقة تدعم العدوان، وتتبنى الرواية الإسرائيلية فقط، التى تعتمد على الغش والخداع وعلى الإعلام الموجه، الذى نجح فى أن يعطى صورًا مكذوبة للدول الأوروبية وللولايات المتحدة الأمريكية، جعلتهم يتعاطفون معها، بل ويمدونها بأحدث الأسلحة والمعدات العسكرية لمواجهة ما أسمته بالإرهاب الفلسطينى الذى تقوده حركة حماس.. ومع ذلك نجحت مصر وجهود الرئيس فى احتواء مواقف تلك الدول، من خلال شرح أبعاد القضية الفلسطينية، وتشابكاتها الإقليمية، وانعكاساتها على السلام الإقليمى والدولى، ومعاناة المدنيين فى غزة من استمرار الحصار والعدوان.. واجهت مصر الأمر بحسم وصبر دقيق، وقدرة على تفهم ومواجهة المخططات التى ترمى إسرائيل إلى تحقيقها منذ زمن بعيد، حيث تسعى إلى طمس القضية الفلسطينية وتهجير أهلها إلى دول الجوار.. وهنا جاءت تصريحات الرئيس واضحة ومحددة لا لبس فيها ولا اجتهاد، وذلك عندما جاء فى كلمته خلال قمة القاهرة للسلام “اليوم تقول لكم مصر بكلمات واضحة أمينة.. إن حل القضية الفلسطينية ليس التهجير.. وليس إزاحة شعب بأكمله إلى مناطق أخرى، بل إن حلها الوحيد هو العدل بحصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة فى تقرير المصير والعيش بكرامة وأمان فى دولة مستقلة على أرضهم، مثلهم مثل باقى شعوب العالم”، كما أكد أنه فى ذلك يعبر عن إرادة جميع أبناء الشعب المصرى الرافض لتصفية القضية الفلسطينية، وفى جميع الأحوال فإن حل تلك القضية لن يكون على حساب مصر، سواء بالتهجير القسرى للفلسطينيين أو نزوحهم إلى الأراضى المصرية فى سيناء.. وقد أكد الشعب المصرى على رؤية الرئيس عندما زلزل الأرض يوم الجمعة الماضى؛ ليعلن تأييده لموقف الدولة المصرية ودعمه رئيسها ومساندته له فى جميع قراراته، التى تحفظ وتحافظ على الأمن القومى المصرى، وفى ذات الوقت يعلن تضامنه التام مع أهل غزة فى مواجهة حرب الإبادة، التى يتعرضون لها ومحاولات التهجير، والدعوة إلى فتح قنوات أكثر للإغاثة والدعم الغذائى والطبى عبر الحدود المصرية، وضرورة العمل على دعم صمود الشعب معنويًا وماديًا، وهو ما نراه بالفعل يتم فى مصر من جميع الهيئات والأحزاب، ومنظمات المجتمع المدنى، ولا أغالى إذا قلت إن ما يحدث من الشعب المصرى من دعم وتأييد للشعب الفلسطينى لا نراه- للأسف- يحدث فى أى دولة عربية، حيث لم نر منهم سوى تصريحات وإدانات ومعونات ترسل على استحياء، فى حين أن تلك الدول، خاصة تلك التى لها قنوات اتصال حاليًا مع إسرائيل، تستطيع إذا اتخذت موقفًا موحدًا أن تجبر إسرائيل على وقف العدوان وإيقاف نزيف الدم الذى يتعرض له الشعب الفلسطينى.
ودائمًا ما تكون مصر هى مفتاح الإجابة فى كل مأساة يتعرض لها الشعب الفلسطينى وتجدها تسعى بكل إخلاص وجدية للعمل على مساندة الشعب الشقيق، الذى لم يجد من يحنو عليه حقًا.. فها هى الجهود المصرية تنجح فى فتح معبر رفح البرى، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وذلك بحكم ارتباطها بالحدود مع القطاع، وبحسبانها أبرز الدول التى قدمت تضحيات، وتحملت تبعات عديدة من أجل القضية الفلسطينية، فهى دائمًا الرقم الفاعل والأهم فى معادلة طرفى النزاع، خاصة وأن الشعب الفلسطيني الحقيقى، وأقول هنا الحقيقي وليس تلك التنظيمات التى لها أجندات وتوجهات ومصالح معروفة، يعتبر مصر وسيطًا نزيهًا وموثوقًا لدى الجانب الفلسطينى باعتباره صادقًا ولا يستخدم القضية لتحقيق أى حسابات أخرى، وإنما يكون التحرك الذى تقوده مصر من منطلق رئيسى، وهو التخفيف عن الفلسطينيين وتوفير الحماية للمدنيين، وتبنى قضية أن يكون لهم دولة مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ومن الواضح أن الموقف المصرى الثابت والواضح تجاه العدوان الإسرائيلى الغاشم على قطاع غزة، ولقاءات الرئيس عبدالفتاح السيسى مع زعماء أكبر الدول الأوروبية، قد آتت ثمارها فى تغيير خطاب الكراهية ضد الشعب الفلسطينى، من منطلق أن حركة حماس وغيرها من التنظيمات لا تمثل الشعب الفلسطينى، وبالتالى فإن العدوان على هذا الشعب يجب أن يتوقف، وألا يتسع الصراع وتزداد رقعته، كما نجح فى إيجاد موقف دولى جديد توافق عليه هؤلاء الزعماء، وهو أن السلام فى المنطقة لن يتحقق إلا بإقامة دولة مستقلة للفلسطينيين، وهو ما يستلزم ضرورة أن يعمل المجتمع والشركاء الدوليون وفق الرؤية المصرية فى هذا الاتجاه، وأن تقتنع إسرائيل بهذا الحل وأن تتوقف عن تبنى الأوهام السياسية بأن الوضع القائم قابل للاستمرار، وأن عليها منع قيامها بأى إجراءات إحادية أو محاولات استيطان جديدة أو العمل على إجبار الفلسطينيين على النزوح وترك أراضيهم.. وأعتقد أن الوقت قد حان بالفعل لسعى الدول العربية، إذا كانت جادة لحل القضية الفلسطينية أن تأخذ بالفعل موقفًا قويًا لدى القوى الدولية والمنظمات الأممية لتحقيق هذا الهدف، وأن تساند تلك الدول مصر فى هذا الاتجاه، خاصة وأن التاريخ أكد أنه لا سبيل لإنهاء الصراع الدائر إلا بحل الدولتين.
يتزامن كل ذلك مع تلك الجهود الحالية التى تقوم بها مصر من أجل الإفراج عن الأسرى والرهائن من جميع الجنسيات الذين تم احتجازهم بمعرفة حركة حماس، وهى فى ذلك تقود مفاوضات بالغة الحساسية والتعقيد، حيث يتمسك كل طرف بمطالبه حتى ولو كان ذلك على حساب الأبرياء من هنا وهناك.
وفى هذا الإطار فقد نجحت مصر مؤخرًا فى إطلاق سراح محتجزتين إسرائيليتين بقطاع غزة؛ نتيجة الجهود المصرية المكثفة بشأنهما، ومازالت تبذل جهودها للإفراج عن الأسرى من باقى الجنسيات طالما سوف يترتب على ذلك استمرار إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، بالإضافة إلى توجيه الرأى العام العالمى للضغط على إسرائيل؛ لإيقاف عدوانها على الشعب الفلسطينى الأعزل، الذى يتعرض، حاليًا، لما يمكن أن نسميه حرب إبادة جماعية.. ولا شك أن الموقف الحاسم الذى اتخذه الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ بدء العدوان دفع المجتمع الدولى بالفعل إلى مناشدة إسرائيل للحد من عدوانها على الفلسطينيين وفى ذات الوقت إلى دراسة العمل على تنسيق الجهود مع الأطراف الفاعلة فى المشهد الإقليمى والدولى؛ من أجل بحث كل السبل الممكنة لإنهاء التصعيد الحالى واستعادة آفاق العملية السياسية بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى؛ للوصول إلى حل دائم وشامل للقضية الفلسطينية، وفقًا لمقررات الشرعية الدولية يحفظ حقوق الفلسطينيين لإقامة دولتهم المستقلة.
يبقى لنا أن نعيد التذكير بأن أى نجاح تحققه الدولة المصرية دائمًا ما تحاول بعض القوى إلى التشكيك فيه، أو النيل منه، وهو ما نحذر منه دائمًا، حيث يحاول البعض من خلال صفحات التواصل الاجتماعى إثارة أفكار أو مقترحات مشكوك فى القائلين بها، وجميعها يأتى من باب اللغو غير المدروس، الذى قد يؤثر فى وحدة الصف المصرى، وفى وضوح الرؤية، التى أعلن عنها الرئيس مرارًا وتكرارًا، أنه لا قبول لتهجير الشعب الفلسطينى، ولا قبول لتصفية قضيته، ولا قبول للتوطين فى سيناء، وعلى الجميع الالتزام بهذا الموقف وتجنب الإساءة إليه بمجرد التفكير فى أى مقايضة أو استغلال للموقف والصراع، لأن هذا لا يمثل الأمانة والشرف الذى تتحلى به الدولة المصرية.. والمصداقية والاحترام العالمى الذى يحظى به الرئيس عبد الفتاح السيسى.
وتحيا مصر.