قراءة في أحدث كتب «برنارد لويس»
بقلم: حمزة عليان

النشرة الدولية –

الجريدة –

أحد أهم علماء الشرق الأوسط الغربيين، ذاع صيته منذ زمن كمؤرخ ومستشرق إنكليزي متخصص بالدولة العثمانية، اعتبره النقاد أحد كبار المستشارين المحافظين الجدد في عهد الرئيس جورج بوش، حظي بعلاقة خاصة مع ديك تشيني خاصة في حرب العراق وإسقاط صدام حسين عام 2003.

 

عندما بلغ سن التسعين تلقى العديد من الهدايا ورسائل التهنئة، إحداها من صديق إسرائيلي له، استخدم صيغة مختلفة عما درج عليه الإسرائيليون في مثل هذه المناسبات، كانت عبارة عن استخدام حرف الجر في العبارة المشهورة «me›a ke-esrim Ad» وتعني «عمر مديد حتى المئة وكأنك في العشرين»، وكتابه «هوامش على قرن مضى» أنجزه وهو في سن الخامسة والتسعين، وهو الكتاب الذي بين يدي أطالعه منذ أسبوع بعد أن وصلني من معرض الشارقة الدولي من طرف الدكتورة نور الحبشي كعادتها في شراء واختيار ما هو جدير بالقراءة.

 

لم يرثِ نفسه بالرغم من تدهور صحته الجسدية والعقلية، بل فاضت مشاعره بكلمات جميلة «أحببت الحياة التي عشتها» فقد نشر 32 كتاباً ترجمت إلى 29 لغة، تعرف على ثقافات شتى، «تسلى» بالتكلم بـ15 لغة، استفاد من آراء من بغضه أو اختلف معه، بل هؤلاء كانوا عنصر تحفيز وتشجيع.

 

طوال حياته التي عاشها كان ثمة جانب متعدد الأوجه وسريع التغير وهو ما بات يعرف بـ«مذهب برنارد لويس» الذي ظهر بأشكال مختلفة ومتناقضة، وكان من أماط اللثام عن ظاهرة التطرف الإسلامي كما يروج لذلك خصومه وكما يراها هو.

 

كان ثمة علاقة بينه وبين ديك تشيني، للحديث عن الشرق الأوسط والإسلام، يعزى له الدور في توفير معلومات أخذت بعين الاعتبار عند صنع السياسات والقرارات الكبرى، فقد وجد تشيني رجلاً يفكر بعمق وهو «استثناء بين السياسيين» كما يصفه، حريص على أن ينصت لما يقوله.

 

عبدالله الأسمري، مترجم الكتاب، يعتقد أن «برنارد لويس» ظاهرة تستحق الدراسة الفاحصة، إذ إن للرجل مكانة ملتبسة في الشرق والغرب على حد سواء، فهناك رأي في الشرق يقول إنه مؤرخ ضليع بالتاريخ وباحث جاد ومؤلف غزير التأليف، وهو رجل «حاقد على الإسلام» و«مبغض للعرب»، ورأي في الغرب معجب به وبعلمه الغزير ومفتون بالحضارة الإسلامية.

 

تمكن من دراسة مرحلة الإمبراطورية العثمانية جيداً بعد اطلاعه على الأرشيف والوثائق العثمانية عام 1950.

 

نظر إلى الإسلام بعين المؤرخ والمهتم بتاريخ الحضارات، هُوجم من طرفين على كفي نقيض، طرف يتهمه بالمتاجرة بالإسلام ومقدساته، وآخر بالدفاع عن عيوبه وإخفائها.

 

حاول أن يفهم الشرق الأوسط من الداخل، أي من خلال تعلم اللغات الدارجة، وقراءة الكتب وزيارة بلدان المنطقة، تجربته التي خاضها في الحرب العالمية أعطته معرفة وثيقة ببعض جوانب الحياة والسياسة في الشرق الأوسط، وأسفاره ومناقشاته مع القادة واجتماعاته مع زملائه في المنطقة ولقاءاته مع الطلاب، جعلته على اتصال وثيق بما يجري هنا.

 

قرأ القرآن الكريم أثناء الدراسة وسيرة النبي (صلى الله عليه وسلم)، والتراث الإسلامي، لكنه لم يشعر لوهلة، أنه متخصص بذلك، فهو ليس خبيراً في الإسلام كديانة أو في النصوص الدينية والإسلامية، بل امتهن الدراسة وتمرس فيها وغاص في أعماقها.

 

لديه نظرة في التاريخ بعد خبرات متراكمة يقول فيها «نعيش في عصر يجري فيه تسخير جهود هائلة في سبيل تزوير التاريخ، إما بسبب المداهنة أو الخداع أو خدمة لهدف فئوي ضيق»، ثم يكمل وجهة نظره، «التاريخ يعبّر عن الذاكرة الجماعية لأمة، وإن أمة بلا تاريخ تشبه رجلاً فقد الذاكرة أما الأمة التي يشوّه تاريخها فإنها كرجل معتل مجنون». ومن هنا تقع مسؤولية كبيرة جداً على عاتق المؤرخين، ترى من يتعظ ويسمع ويلتزم؟

زر الذهاب إلى الأعلى