تحديات العامل الإيراني وردود الارتباك الأميركي
بقلم: رفيق خوري

النشرة الدولية –

عوامل التغيير في الشرق الأوسط متعددة خلافاً للثبات الذي له عامل واحد. وليس كل تغيير إيجابياً، وبعضه تغيير من السيئ إلى الأسوأ. ولا كل ثبات سلبياً، وبعضه حفاظ على الهوية من دون انغلاق على التطور. فالجدل مستمر حتى اليوم حول دور الغرب سلباً وإيجاباً في متغيرات الشرق الأوسط. من حملة نابليون بونابرت على مصر، إلى الاحتلال البريطاني للمحروسة، ثم الانتداب البريطاني والفرنسي على بلاد الشام بعد سقوط السلطنة العثمانية، وصولاً إلى وراثة أميركا للنفوذ الأوروبي، كما إلى دور الاتحاد السوفياتي في تثوير المنطقة، فضلاً عن التركيز على عاملين في التغيير الجيوسياسي والاستراتيجي في الشرق الأوسط هما العامل الإسرائيلي والعامل الإيراني.

ولا يبدل في الأمر كون إسرائيل كياناً عنصرياً فرضه الغرب ودعمه في اغتصاب فلسطين وأراض عربية أخرى، وكون الجمهورية الإسلامية ابنة ثورة خمينية على أرضها، وترفع شعار مقاومة الغرب. احتلال الأرض العربية مشكلة. و”احتلال” شعوب أو طوائف في العالم العربي مشكلة.

مشروع إسرائيل الكبرى قاد إلى صراعات وحروب لا تنتهي. ومشروع إيران الإقليمي تحت عنوان “نشر الثورة” يقود إلى صراعات وحروب، ذلك أنه لا دولة إقليمية أو عربية فعلت ما نجحت جمهورية الملالي في فعله وهو تأسيس فصائل أيديولوجية مذهبية مسلحة في العراق، وسوريا، ولبنان، وفصائل أفغانية وباكستانية، ودعم الحوثيين في اليمن. لا تركيا التي كانت إمبراطورية ولها من يحن إليها. لا إسرائيل التي قامت بتجربة وحيدة فاشلة بعد اجتياح لبنان هي تسليح ما سمي “جيش لبنان الجنوبي”. لا مصر الناصرية في عز قيادة الرئيس جمال عبدالناصر للمد القومي العربي. لا العراق البعثي الذي كان رئيسه صدام حسين يطمح لدور “بسمارك العرب”. ولا سوريا البعثية التي كان رئيسها حافظ الأسد يحكم لبنان ويعتبر فلسطين والأردن “جنوب سوريا”. واستثناء كان لكل من بغداد ودمشق فصيل فلسطيني مسلح، ولعدد من البلدان العربية الأخرى نفوذ على منظمة التحرير وفصائلها.

الفصائل المسلحة المرتبطة بفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني تقوم بعدة وظائف: مقاومة إسرائيل، مقاومة الوجود العسكري الأميركي، تشكيل خط دفاع أول عن الجمهورية الإسلامية، تمهيد الطريق لنجاح المشروع الإقليمي الإيراني، والتحكم بالأوضاع الداخلية لبلدانها. وكلها بالوكالة.

إيران هي “المايسترو” الذي يدير “وحدة الساحات” ضمن “محور المقاومة” في مساندة “حماس” في حرب غزة. من جبهة الجنوب التي فتحها “حزب الله”، إلى قصف القواعد الأميركية في العراق وسوريا، وأخيراً في الأردن بأيدي فصائل “المقاومة الإسلامية” التابعة لها، وصولاً إلى تعطيل حرية الملاحة البحرية بصواريخ إيرانية في باب المندب والبحر الأحمر على أيدي الحوثيين في اليمن، لكن طهران تنفي أي علاقة لها بالقصف، كمن يقول إن أذرعه متصلة به ومنفصلة عنه في آن، وإن ما تقوم به يده هو بقرار منها لا منه.

وهذا بعض ما يربك أميركا في الرد على قصف قواعدها. ترد على فصائل “المقاومة الإسلامية” في العراق فتحتج الحكومة العراقية التي لا تستطيع منع الحشد الشعبي من القصف. وترد على وكلاء إيران في سوريا يبقى الرد بلا أثر. ترد على الحوثيين من دون أن يرتدعوا. وتحاذر دائماً الرد على إيران داخلها مخافة الانخراط في حرب شاملة. ومشكلاتها متعددة الأبعاد.

البعد الأول هو مواجهة التحديات في سنة انتخابات رئاسية تكبل أيدي الإدارة. والثاني هو حرص إدارة الرئيس جو بايدن على اتفاق مع إيران حول الملف النووي والمنطقة. والثالث هو أن حماية إسرائيل المنخرطة في حرب غزة فرضت عليها زيادة الانخراط في الشرق الأوسط بعد أن تبنت استراتيجية التوجه إلى الشرق الأقصى لمواجهة الصين، كما أن دعم أوكرانيا ضد الغزو الروسي فرض عليها التركيز على أوروبا من دون أن تصوغ استراتيجية متكاملة في الشرق الأوسط وأوروبا.

ومهما يكن ردها العسكري على الضربات، فإنه لا يغير في اللعبة التي تديرها دولة لديها استراتيجية ومشروع وثبات على الهدف هي إيران. ومن هنا حاجة واشنطن إلى استراتيجية جديدة مبنية على الحقائق الواقعية في المنطقة، لا على التصورات البعيدة عن الواقع.

وليس قليلاً عدد القوى التي تشمت بأميركا، وترى أنها “تستأهل” ما يصيبها على أيدي الذين جاءت بهم إلى السلطة بعد غزو العراق من دون أن تفهم ما يعملون له، وسط الدهاء الإيراني وما يشبه الغباء السياسي الأميركي.

 

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى