إيهود أولمرت.. شهادة جريئة للتاريخ!
بقلم: رجا طلب

النشرة الدولية –

الرأي –

احترت كثيراً قبل اختياري هذا العنوان لهذا المقال الذي هو سبر غور للمقال المثير للجدل والذي نشره رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أيهود أولمرت في صحيفة «هارتس» نهاية الأسبوع الماضي، المقال جاء مفاجئاً لكل من قرأه من حيث اللغة والمضمون وقد يظن من يقرأه ولا يعرف اسم كاتبه بأن الكاتب هو شخصية عربية تعيش داخل فلسطين المحتلة عام 1948 مثل أحمد الطيبي أو أيمن عودة أو هو كاتب عربي أو شخصية يسارية يهودية مثل جدعون ليفي، وإذا أردت تلخيص أهم ما ورد فيه فسوف أشير إلى الاقتباسات التالية:

 

  • إن غزة «مجرد خطوة» في مخطط حكومة بنيامين نتنياهو لـ«تطهير» الضفة الغربية المحتلة من الفلسطينيين وتفريغ المسجد الأقصى من المسلمين وضم الأراضي الفلسطينية إلى إسرائيل.

 

  • أن الطريق لتحقيق هذا الهدف مملوء بالدماء. الدم الإسرائيلي في الدولة وفي الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل منذ 57 عاماً، وكذلك الدم اليهودي في أماكن أخرى من العالم.

 

  • وصف حكومة نتنياهو الحالية بـ«المهلوسين» الذين استولوا على السلطة في إسرائيل ويقصد بصورة خاصة ايتمار بن غافير وزير الأمن القومي ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش.

 

  • يقول أولمرت: لقد سيطروا على حكومة إسرائيل وجعلوا من الرجل الذي يرأسها خادماً لهم، واحتمال قيامهم بتفكيك الحكومة وطرد رئيس الوزراء من إدارة شؤون الدولة ليس بالأمر الغريب، إنها عملية تجري في هذه اللحظة بالذات، خطوة بخطوة.. للتوضيح يقصد (أن نتنياهو تحول إلى خادم لبن غافير وسموتريتش).

 

  • أما أبرز نتيجة توصل إليها أولمرت في مقاله ما يتعلق بالحرب على غزة حيث خلص للنتيجة التالية: «من الواضح أننا بعيدون عن النصر الكامل، مثل هذا النصر غير ممكن وحتى لو استمر العمل العسكري لعدة أشهر أخرى، فإن الثمن الذي يدفعه لا يستحق رؤية النصر الذي لا توجد إمكانية لتحقيقه».

 

  • أن نتنياهو يُدرك أن استمرار هذه العملية المتهورة، يقصد «العدوان على غزة»، سيؤدي إلى عزلة إسرائيل في المجتمع الدولي بشكل لم تشهده من قبل.

 

لا أعتقد أن أولمرت خرج بمقاله هذا عن سياق تفكيره وسلوكه السياسي الذي اختطه لنفسه بعد تحالفه مع أرييل شارون وخروجهما معاً من «الليكود» عام 2006 لتأسيس حزب «كاديما»، حيث تولى بعد ذلك رئاسة الوزراء بالوكالة بعد دخول شارون في غيبوته، ورغم «صقوريته» كيميني متطرف قبل «كاديما» إلا أنه انقلب على تاريخه بعد ذلك وقدم مواقف سياسية أظهرته بصورة جديدة ومتناقضة مع تاريخه السياسي وتحديداً تجاه الحل النهائي للقضية الفلسطينية، وقد سبق لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس أن ذكرت في مذكراتها أن أولمرت قدم عام 20?8 عرضاً سرياً يتضمن إعادة 94% من أراضي الضفة الغربية للفلسطينيين مع وضع بعض الأماكن المقدسة تحت وصاية دولية وهو عرض لم يقدمه أي رئيس وزراء إسرائيلي من قبله، بما في ذلك إسحاق رابين الذي أنجز «أوسلو» واعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية، وما يؤيد هذا الكلام الذي أشارت إليه كونداليزا رايس ما ذهب إليه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في تصريح شهير له في 12 اكتوبر/تشرين الأول من عام 2012 حيث قال ما نصه (أن السلطة الوطنية الفلسطينية كادت أن تتوصل إلى اتفاق سلام عام 2008 مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، لول? أنه أجبر على الاستقالة من منصبه بعد مواجهته اتهامات بالفساد، وأن الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي كانا على بعد شهرين من التوصل لاتفاق سلام قبل أن يضطر أولمرت إلى الاستقالة من منصبه.

 

من الظواهر الملفتة في الحالة السياسية الإسرائيلية هي ظاهرة «التخلص أو الخلاص» من كل من يتقدم بصورة إيجابية تجاه الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، وهي ظاهرة تستحق الدراسة ولربما لمقالات قادمة تخصص لشرح وتمحيص هذه الظاهرة، لقد تم الخلاص واغتيال إسحاق رابين بعد اعترافه بمنظمة التحرير وتوقيع اتفاق «أوسلو»، ثم الخلاص من شارون في ظروف غامضة ومريبة (جلطة دماغية وغيبوبة طويلة ثم موت) وشارون هو الذي قرر الانسحاب من قطاع غزة ومستوطنات شمالي الضفة الغربية في اغسطس/آب من عام 2005، أما أولمرت فقط تكالب عليه القضاء مع الأمن ?سجن بتهمة الفساد، في الوقت الذي تطارد نتنياهو تهماً بالفساد منذ عام 2008، ومع ذلك ها هو وإلى اليوم ما زال رئيساً للحكومة الإسرائيلية ويتحكم بكل مفاصل اللعبة السياسية داخل هذا الكيان وعلى أرضية حرمان الفلسطيني من كل سبل العيش… هل هذه مصادفة أم هي لعنة الحقوق الفلسطينية أم ماذا؟.

زر الذهاب إلى الأعلى