بايدن ونتنياهو: افتراق ومعركة إسقاط
بقلم: اكرم كمال سريوي

النشرة الدولية –

“الثائر”

يؤكد المسؤولون الاميركيون والاسرائيليون ،أن الخلاف ليس بين أمريكا وإسرائيل، وهو ليس على الأمور الجوهرية، لكنه خلاف على بعض التفاصيل، المتعلقة بإدارة نتنياهو والمتطرفين في حكومته، للحرب على غزة.

لا يعارض بايدن مشروع إسرائيل بالقضاء على حماس أو تهجير الفلسطينيين، لكنه يعارض الطريقة التي تتّبعها إسرائيل في تنفيذ ذلك.

فالقتل المتعمد لآلاف المدنيين في غزة، والموثّق بالصوت والصورة، أحرج الإدارة الأميركية، التي تظللت لعقود طويلة، شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

وبررت أمريكا تدخلها العسكري في أكثر من مكان في العالم، وفتت وخرّبت دول عديدة، من يوغسلافيا إلى العراق وسوريا وغيرها، بحجة الدفاع عن هذه القيم.

أما اليوم فهي محرجة أمام النخب الأمريكية، وشعوب العالم، وتنكشف حقيقة صمتها وتغطيتها لهذه الجرائم، التي ترتكبها إسرائيل.

أعلن بايدن “أن نتنياهو يضرُّ بإسرائيل” ولا شك أن كلامه هذا صحيح إلى أبعد الحدود. وهو لا يخفي رغبته باسقاط نتنياهو، ويدعم طلب المعارضة بإجراء انتخابات مبكرة في إسرائيل.

لكن نتنياهو المتمرّد، يراهن على استمرار الحرب حتى سقوط بايدن، ومجيء صديقه ترامب إلى الحكم في تشرين المقبل.
ويقوم نتنياهو الآن وعن قصد، بمحاولات إحراج بايدن، وإلحاق الضرر بحملته الانتخابية مستغلاً اللوبي اليهودي وأصدقاءه في أمريكا لاسقاطه، وللحصول على أقصى دعم لإسرائيل، في مشروع تهجير الفلسطينيين، وتصفية القضية الفلسطينية بالكامل.

لقد باتت غزة عاملًا مهمًا في الانتخابات الأميركية والإسرائيلية المقبلتين على السواء.
ويبدو أن نتنياهو الغارق في وحول غزة، سيُغرق معه الرئيس الأمريكي جو بايدن، وقد تُسقط غزة الأثنين معاً.

فمصير نتنياهو بات شبه محسوم بأنه سيخسر الانتخابات المقبلة، مهما كانت نتائج الحرب في غزة. أما بايدن فما زال يراهن على البراغماتية في سياسته، فهو يُظهر استمرار دعمه لإسرائيل، بالتوازي مع انتقاد نتنياهو، والمطالبة بزيادة تقديم المساعدات الانسانية، ورفع راية مشروع التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية، مقابل القبول بدولة فلسطينية على الورق.

لقد قامت حكومة نتنياهو، خلال ستة أشهر، بتدمير غزة، ظناً منها بأن ذلك سيرهب حماس، ويجعل الفلسطينيين يتخلون عن فكرة مقاومة إسرائيل، لعقود طويلة.

لكن ما يؤلم نتنياهو الآن، هو أن الفلسطينيين حتى في الضفة الغربية، باتوا أكثر قناعة وتأييداً للمقاومة، لإجبار إسرائيل على الاعتراف بحقوقهم، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية.

وأن كل ما فعله نتنياهو، أضر بإسرائيل فعلاً. فهو أخفق في تحقيق أي من الأهداف المعلنة لحربه، والأسوأ من ذلك أن إسرائيل فقدت ذاك التعاطف العالمي الكبير الذي كان معها في بداية الحرب، حتى في أمريكا.

والطامة الكبرى، أنه بدل أن يكسر الإسرائيلي روح المقاومة، ويحصر حربه ضد حماس وحدها، حصل العكس. بحيث وحد صفوف المقاومة، على مساحة واسعة، تمتد من فلسطين إلى لبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران.

وهذه مساحة شاسعة جداً، لا طاقة له على مواجهتها منفرداً.

فيما حليفه الأميركي لا يريد التورط في حرب شاملة، وعجز عن مواجهة الحوثيين في باب المندب، وراح يطلب المساعدة من الصين واوروبا، وحتى من إيران.

ليس بالضرورة أن من يدمّر أكثر هو الذي يربح الحرب، فالأمور باتت أكثر تشابكاً وتشعباً، وميادين المواجهة متعددة؛ من الدبابة والمدفع، إلى السياسة، إلى الاقتصاد، والإعلام، وصولاً إلى معركة الوعي، والايديولوجية، والديموغرافية، وانتهاءً بنزعة الحرية ورفض الذل والاحتلال.

ستنتهي الحرب في غزة مهما طال الوقت، وسيرحل نتنياهو وحكومته.

وصحيح أنه دمر وقتل عدداً كبيراً من الابرياء، لكن الصحيح ايضاً، أنه بات واضحاً، بأن إسرائيل أعجز من أن تقضي على أكثر من ستة ملايين فلسطيني، يعيشون في قلب فلسطين، وهؤلاء لن يرحلوا منها مهما قسى الاحتلال، وكثرت التضحيات.

حتى لو ربح نتنياهو معركة غزة، (رغم عجزه عن ذلك) لكن الحقيقة تبقى، أنه خسر معركة بقاء الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين، وخسر دعمه من دول الغرب.
وبات نتنياهو محاصراً بقرارات؛ مجلس الأمن، والأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية، والرأي العام العالمي.

لقد حوّل نتنياهو إسرائيل إلى رمز؛ للظلم، وانتهاك حقوق الانسان، والتمرد على الشرعية الدولية.

وباتت حكومة نتنياهو، تتصرف كجماعة إرهابية خارجة على القانون الدولي، وهذا في نظر معظم شعوب العالم.

هذه هي حقيقة إسرائيل، وهذا ما أنجزه لها نتنياهو، بحيث جعلها دولة يهودية عنصرية، ورمزاً للكراهية، ومصدراً للشر، لكل جيرانها وللعالم أجمع.
وحتى الولايات المتحدة الامريكية حليفة إسرائيل الأولى وحاميتها لسنوات، بدأت تهدد بوقف شحنات الاسلحة، واتخاذ إجراءات رادعة بحق حكومة نتنياهو.

انه افتراق بين بايدن ونتنياهو ومعركة إسقاط، لكنها ليست كذلك على مستوى الشراكة بين أمريكا وإسرائيل.
فهما يتفقان على قتل الفلسطينيين، وانتهاك القانون الدولي، وبقاء لمصالح الاستراتيجية المشتركة للطرفين، في المنطقة والعالم، حتى لو اختلفت المصالح الانتخابية مؤقتاً بينهما.

ما زالت إسرائيل تخدم مصالح أمريكا والغرب، في زعزعة استقرار الشرق الأوسط، ونهب ثرواته، وتهديد دوله وتفتيتها، ولم تفقد وظيفتها بعد. وستبقى كذلك لعدة سنوات، طالما بقي العرب منقسمين، ويخلطون بين الصديق والخصم والعدو

Back to top button