للمرة الثانية يتنحّى عدد من القضاة في الهيئة الإتهاميّة المكلّفة البتّ بملف الطفلة لين طالب
هل يرضخ القضاء للضغوطات الكبيرة لتخفيف الحكم وتبرئة الجدّ والجدّة!
طبيبة نفسيّة: بقعة الضوء الإيجابيّة هي الزيادة في الإفصاح
عن هذه الإرتكابات وابتعادها شيئاً فشيئاً عن كونها “تابوهات”
النشرة الدولية –
الديار – ندى عبد الرزاق –
لم تكن الطفلة لين طالب تعرف سوى الفرح في حياتها البسيطة المفعمة بالطاقة والبراءة، حيث كانت تلعب مع اصدقائها في حي هادئ بالقرب من منزل والدها. بالمقابل لم تعِ ان خالها الودود يحمل في قلبه نوايا شريرة بعد ان اختلى بها في منزله، يوم كانت زوجته تضع مولودهما في المستشفى، وبعيدا عن اعين الجميع اغتصبها حتى الموت في ثاني أيام عيد الأضحى المبارك. فتلقى جسدها الطري صدمة كبيرة، في حين ان عقلها النقي لم يستطع فهم ما حدث لها ولماذا. لكنها لم تنجو من الهجوم البشري المتوحش الذي تعرضت له، ولم تسعفها امها او حتى الأطباء الذين أهملوها، حتى لفظت آخر أنفاسها وصعدت روحها الطاهرة الى الأعلى، تاركة وراءها والد مكلوم.
بالإضافة الى كل ذلك، صدم موت لين بهذه الطريقة الرأي العام اللبناني، اذ ان حالتها اثارت موجة واسعة من الحزن والغضب العارمين، فاكتسحت صورها مواقع التواصل الاجتماعي، الى جانب العبارات التي طالبت بتحقيق العدالة وانصاف الطفلة المغدور،ة وتشديد العقوبات على مرتكبي هذا النوع من الجرائم المنحطة.
وبعد مرور عام على وفاتها، لا يزال يتذكر الناس وجه لين التي سُرقت حياتها بوحشية، ويسأل اللبنانيون اين أصبح تنفيذ الحكم النهائي للقضية؟ وماذا عن الهيئة الاتهامية المكلفة البت في الملف؟
المرجع الاستئنافي يتلاشى!
يبدو ان لين ستقتل مرة ثانية، والسبب متصل بتنحّي عدد كبير من القضاة في الهيئة المكلّفة بإصدار الحكم برئاسة القاضية سنية السبع. إشارة الى ان فعل الاعتزال قد تكرر مرتين متتاليتين، وفي المرة الثانية انسحب الأعضاء الجدد في نفس يوم تعيينهم بحسب المعلومات التي حصلت عليها “الديار”.
وفي هذا المجال، قالت مصادر متابعة للقضية لـ “الديار” ان “أسباب ودوافع ابتعاد القضاة لا تزال غير معلومة، لكن ما جرى ينطوي على استنتاجات عديدة منها التخفيف من حكم الجرم الذي استند إلى المادة 549، التي تعاقب القتل المتعمد عن سابق تصوّر وتصميم، اما المماطلة فهي لتخفيض العقوبة”. وأضافت المصادر “الحكم الذي أصدرته القاضية سمرندا نصار شفى غليل عائلة والد لين، وبحسب المعلومات فان التسويف يرجع الى التضييقات الحاصلة.
وعما اذا كان تنحي القضاة مرتبط بتمسكهم بالحكم الذي أصدرته القاضية نصّار او يتعلق بدوافع أخرى؟ تجيب المصادر “لم نستطع معرفة الأسباب الحقيقية الناتجة من هذا التأخير حتى الساعة، لكن علمنا يوم الخميس الماضي ان الحكم سيصدر مباشرة بعد تعيين القضاة، وتفاجأنا بهذا الخبر لان الملف يحتاج الى إعادة دراسة من جديد، وذلك وفقا للتشريعات المنصوص عليها في القانون بهذا الخصوص، لكن القاضيين المُعَيَّنين عادا وابتعدا في نفس اليوم، وبالتالي لم تصدر الهيئة الاتهامية أي حكم”.
وأشارت المصادر الى “ان السيناريو الأقرب الى الواقع يتمثل بإصدار الحكم النهائي والمصادقة عليه مباشرة من الهيئة الاتهامية، وتبرئة الجد والجدة من جهة والدة لين، ما يعني اخراجهما من السجن”. وطالبت المصادر “بإنصاف لين التي لا تزال محرومة من قسط مرتقب وقرار اتّهامي لم ينبثق بعد”، وألمحت المصادر الى “أن سبب هذا التعويق والتأجيل يعود إلى الضغوط الحاصلة للتستّر على الجريمة”.
رفع الصوت ينقذ المجتمع!
من جهتها، اوضحت الطبيبة المتخصصة بالأمراض النفسية ماري شاهين لـ “الديار” ان “ظاهرة التحرش الجنسي ليست جديدة على المجتمع وموجودة منذ القدم، وهي شكل من أشكال الإساءة والاستغلال الذي يتعرض له الأفراد، بغض النظر عن جنسهم أو أعمارهم. ويتضمن تصرفات غير مرغوب فيها ذات طبيعة جنسية، سواء كانت كلمات أو أفعال، ويعد هذا العمل انتهاكاً لحقوق الشخص وكرامته. فالأطفال والمراهقون هم من الفئات الأكثر ضعفاً وعرضة للتحرش الجنسي والاغتصاب، حيث يمكن أن تتسبب هذه التجارب في تضييع طفولتهم وترك آثار نفسية وجسدية طويلة الأمد”.
ولفتت الى “ان سرقة الطفولة تحدث عندما يتعرض القصّار للتحرش الجنسي، مما يؤدي إلى تدمير براءتهم وثقتهم بالآخرين وأنفسهم. وتُولّد هذه التجارب الشعور بالخوف والعار والقلق، وتؤثر في تطورهم العاطفي والاجتماعي والأكاديمي. وفي بعض الحالات، يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة. فالمتحرش او المغتصب لا يكتفي عادة بضحية واحدة، بل يختار أكثر من فريسة ويصل إليهم بسهولة، متسلحا بطرق ملتوية مثل اغراء الطريدة بالهدايا او المكافآت المالية”.
وتؤكد الطبيبة “ان الضحية تسكت لأنها تشعر بالذنب، ويعود السبب في ذلك الى التربية والعادات، مثل الخوف من تأنيب المعتدى عليه/ا. إضافة إلى الوصمة التي يمكن أن يضعها المجتمع على المُغْتَصَب او المُتحرّش به/ا، لعدم معرفته/ا بوجود جهات ممكن أن تؤمن له/ا الحماية أو الدعم”.
تصاعد حوادث التحرش
وتطرقت شاهين الى عوامل انتشار هذه الأفعال، ومنها:
1- الخزي الاجتماعي والصمت: يفضل العديد من الضحايا عدم التحدث عن التحرش او الاغتصاب، لجزعهم من العيب والاقصاء ورفض المجتمع لهم أو الانتقام، وينتج من هذا الوجوم تفشّي هذه الظاهرة لا العكس.
2- نقص التثقيف: الكثير من المجتمعات لا تقدم التوعية الكافية حول هذه المسائل وحقوق الأطفال، مما يجعل هؤلاء غير مدركين لكيفية حماية أنفسهم أو طلب المساعدة.
3- ضعف الرقابة: في بعض البيئات، مثل المدارس أو المؤسسات الدينية أو المجتمعات المحلية، يمكن أن يكون هناك ضعف في الحراسة أو الفحص الخلفي للأشخاص الذين يتعاملون مع القصّر، مما يمهّد الطريق للمغتصب.
4- التكنولوجيا: يفاقم استخدام المنصات الاجتماعية من فرص الاغتصاب والتحرش الجنسي عبر “الإنترنت”، حيث يمكن للمتحرشين التواصل مع الصغار بسلاسة ودون رصد.
5- الهيكلية الاجتماعية: بعض الثقافات والمجتمعات قد تتسامح مع سلوكيات معينة أو تعاني من عدم المساواة بين الجنسين، مما يساهم في ذيوع هذه الكوارث اللاأخلاقية وغير الانسانية.
الحلول
وشددت شاهين على “ان مكافحة هذه الظاهرة تتطلب جهوداً متعددة الجوانب، تشمل التوعية والتعليم وتعزيز القوانين والتشريعات، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا، وتعزيز ثقافة التبليغ ، وتشجيعهم على التحدث وطلب المساعدة دون خوف من الذل أو القصاص”.
وختمت “نعيش في مجتمع لا يعرف كبح الرغبات العاطفية والشهوات الجنسية، بحيث نريد ان نحصل على كل شيء ونعلّم أولادنا ذلك أيضا، لكن بقعة الضوء الإيجابية في كل ما تقدم هي الزيادة في الإفصاح عن مثل هذه الارتكابات، وخروجها الى العلن وابتعادها شيئا فشيئا عن كونها “تابوهات” او من المحرمات ولا يمكن المجاهرة بها”.