جريمة نيوزيلاندا – ومسلسل المصالح والمذابح* د. سمير ايوب

النشرة الدولية –

بداية أسأل رب كل الناس، الرحمة لضحايا الإرهاب في نيوزيلاندا، والشفاء لجرحاه، وكذلك في فلسطين واليمن وسوريا والعراق وليبيا والصومال، وكل مكان، ومن كل الاعراق والديانات، والثقافات.

يتكرر إرهاب القتل والتدمير يوميا، في الكثير من الأمكنة. ومع التكرارسؤال في كل مرة: من الفاعل؟

تعدَّدَ القتلة المباشرون. وتعددت طرقهم وأدواتهم وأسبابهم المعلنة. ولكن ، قاتل المصلين في نيوزيلندا، هو ذاته مانع الصلاة في بيت المقدس، وقاتل المصلين في اكنافها. وهو الذي قبل أعوام، قتل المصلين في مذبحة الفجر، في الحرم الإبراهيمي. وهو ذاته الذي قتل في العام الماضي، عشرات المصلين في مسجد الروضة في سيناء. وهو من قتل اهلنا في تفجيرات الضاحية الجنوبية من بيروت. وهو من قتل المصلين في كنيسة العباسية، والدير البحري في الاقصر وكنيسة القديسين ونجع حمادي وشرم الشيخ، وغيرها في مصر. ومن قبل في الكثير من الكنائس العراقية. وهو من سبى حرائر العراق وباعهن في سوق النخاسة. وهو نفس الجهة التي إغتالت ببربرية الكاتب والمفكر الأردني ناهض حتر، على عتبات قصر العدل في عمان. ومن قبله شردت الأستاذ الجامعي سمعة الدكتور نصر حامد ابو زيد، وقتلت الكاتب فرج فوده واغتالت الوزير محمد الذهبي ورفعت المحجوب . وهو ذاته من قطع الرؤوس في سورية، وصفق له كثيرون بيننا. هو ذاته الذي هدم الموصل والمقامات في عراقنا العظيم. وعاث فسادا في المقابر المسيحية في الكرك وغير الكرك. هم ذاتهم الذين فجروا فنادق عمان وقلعة الكرك وأطاريف السلط. ومثلهم ومن قبلهم، قتلة الأرمن وقتلة الكاثوليك والبروتستانت في ايرلندا الشمالية، وقتلة الجزائريين وقاطعي رؤوسهم من المحتل الفرنسي، وقتلة شارل ابيدو في باريس، والهنود الحمر في امريكا، واليابانيين في هيروشيما وناجازاكي وفي فيتنام، وهو من قتل الخاشقجي في تركيا. وعنوان كل هؤلاء، هم قتلة مخميمات تل الزعتر وصبرا وشاتيلا في لبنان، وملجأ قانا وملجأ العامرية، دون أن ننسى ولو للحظة مجازر دير ياسين والدوايمة والطنطوره ونحالين وقبية وووووو في فلسطين المحتلة حتى الان.

من نفذوا هذه الجرائم ، هم تجار الكراهية والتعصب الاعمى المجرم. لا فروق كبيرة بينهم، الإرهاب واحد. فمن يفجر مسجدا او كنيسة او متجرا، هو نفسه الإرهاب الذي ليس له دين. المتكئ على خطاب الكراهية المتعصب والمتلفع بالعديد من العباءات العنصرية الفضفاضة.

 

ولكن، من نشر لعنة التعصب وعدم قبول الاخر، في الفكر البشري، وروج لها بين الناس في كل مكان، ومنع تعميم ثقافة الانسانية بين البشر؟

إذا كان ثمة من مسؤول عن كل هذه الكراهية والجرائم التي ترتكب باسمها، فهو الذي اطلق الفكر الظلامي الأسود، من عقاله في الشرق والغرب، ومن بات يبثه من الخلف المعاصرين، نقلا عن سلف مضوا. من الجلي أن كثيرا من يفط المعاصرين وشعاراتهم، تتكئ على ذاك الركام، الذي قاله وخلفه ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، وتلامذتهم الجدد من دواعش، وامثالهم كثير في كل الديانات السماوية والوضعية. عصابات الصهاينة والأغيار والغويم، عصابات الكوكس كلان، النازية، الفاشية ، الاستبداد السياسي، اصحاب من ليس معنا ليس منا، القائلون بأننا قوم لنا الصدر دون العالمين او القبر، وأتباع نشرب إن وردنا الماء صفوا، ويشرب غيرنا كدرا وطينا. وغيرهم من اصحاب الهويات المتشظية وضيقة الافق. وزارعي الفقر بين الناس، ونشر الحرمان والتخلف والتهميش بينهم.

يقول دهاقنة الصناعة الاستخبارية الأمريكية والصهيونية، ان الحرب الجديدة، هي حرب ثقافة واديان واثنيات ، وليست حرب اقتصاد وعسكر. مساهمات واستثمارات حلف الشر الصهيوامريكي في تجسيد هذه السياسات، تأصيلا وتحريضا وتمويلا وتنسيقا وتصفيقا، كبيرة ومتشعبة. لحلف الشر هذا، جماعات تعشعش بيننا وبين غيرنا. لبث الصمت المريب، وتتوية البوصلات عن الأعداء الحقيقيين، باتجاه أعداء وهميين او ثانويين. لمعسكر الشر هذا، يفط كثيرة تعج بالبدع والفتن الموروثة والمستحدثة، وايدي تنفيذية متشابكة المصالح. من ابرزها التدين السياسي المغشوش، والمتفنن في الاجرام.

الإرهاب جريمة، الشركاء فيها متعددون. أما قاتل نيوزيلاندا، ببساطة وبلا تعقيد كثير، فهو أدة عنصرية يكره المهاجرين. حذار من رؤية جريمته، عبر التخندق في سخافة: الطوائف والمذاهب والأعراق او التلهي بأكذوبة فوبيا العالم من الاسلام والمسلمين. هذا القاتل من صميم ثقافة الكراهية والحقد ورفض الاخر، ايا كانت عقيدته او منطلقه.

الإرهاب واحد ، وإن فجر مسجدا او كنيسة او متجرا. هو نفس الإرهاب، الذي لا دين ولا ملة ولا مذهب ولا وطن ولا حدود. الإرهاب بمصالحه ومذابحه عابر للإنسانية جمعاء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى