تحدي الخيارات عنوان المرحلة
بقلم: رفيق خوري

اغتيال نصرالله نقلة نوعية في السيناريو الإسرائيلي لمرحلة "الحساب المفتوح"

النشرة الدولية –

ليس اغتيال شخصية محورية في لبنان والمنطقة مثل حسن نصرالله مجرد حلقة غير عادية في مسلسل الاغتيالات الإسرائيلية. ولا ما وصفه بنيامين نتنياهو بأنه “إغلاق حساب مفتوح” مع الأمين العام لـ”حزب الله” سوى نقلة نوعية في السيناريو الإسرائيلي لمرحلة ما سماها الشيخ نعيم قاسم في تأبين القائد إبراهيم عقيل “الحساب المفتوح”.

نقلة عنوانها تغيير اللعبة، لا مجرد تغيير قواعدها، في المواجهة بين إسرائيل و”محور المقاومة” بقيادة إيران. نتنياهو ينتقل من المطالبة بوقف “حرب الإسناد” لحركة “حماس” عبر جبهة الجنوب اللبناني إلى ضرب قوة “حزب الله” وتهجير بيئته الحاضنة.

وطهران تواجه دعوات في الداخل كما لدى الفصائل المرتبطة بها إلى المواجهة العسكرية المباشرة مع إسرائيل بدل الاتكال على أذرعها في اليمن والعراق ولبنان. ولا مشكلة، كما يقول المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي في إيجاد بدائل من القادة الذين يقتلون.

لكن ملء المنصب شيء وملء الدور شيء آخر. فالدور الذي لعبه الجنرال قاسم سليماني في قيادة “فيلق القدس” وتنظيم “محور المقاومة” كان أكبر من أن يلعبه خليفته الجنرال إسماعيل قاآني. وما راكمه حسن نصرالله من خبرة وسمعة وكاريزما وقدرة على التنظيم والقيادة خلال 32 عاماً من قيادة “حزب الله” وتقويته وترتيب دوره الإقليمي ليس في يد خليفته ولو كان ظلاً له.

والتحدي الكبير هو في الخيارات. خيار إسرائيل. وخيار إيران من ثَم خيار “حزب الله” وبقية الفصائل في “محور المقاومة”.

هل تغامر إسرائيل التي تقودها حكومة نتنياهو المتطرفة جداً بالاندفاع في الحرب المفتوحة إلى حرب شاملة، بصرف النظر عن نسبة النجاح أو الفشل في التخلص من قوة المقاومة في لبنان والمنطقة؟ أم توافق على مشروع أميركي-فرنسي مدعوم أوروبياً وعربياً لوقف النار وترتيب تسوية بما يسمح لها بالنزول عن الشجرة العالية؟

هل تنخرط إيران في الحرب مباشرة بما يفتح المنطقة كلها على تغيير جيوسياسي واستراتيجي يشمل غزة ولبنان بالطبع، أم تستمر في حساباتها الاستراتيجية التي تجعل من الفصائل المرتبطة بها نوعاً من “غلاف الجمهورية الإسلامية”؟

المؤكد أن نتنياهو يدفع الأمور في اتجاه حرب شاملة للخروج من مأزقه. لكن ذلك يحتاج إلى أميركا الرافضة لأي تصعيد يقود إلى حرب شاملة. وهناك من يرى أن نتنياهو يراهن على توريط أميركا، على رغم إرادتها لا سيما عشية الانتخابات الرئاسية، لأنها ملتزمة الدفاع عن إسرائيل إذا هاجمتها إيران، ولو كانت على خلاف مع رئيس حكومتها.

والظاهر أن الجمهورية الإسلامية محرجة. فلا هي تستطيع ترك الكيان الصهيوني يضرب الفصائل التابعة لها من دون أن تفعل سوى الاستعداد لتقديم أسلحة وأموال وأقوال. ولا هي تريد المغامرة بالنظام ومشروعه الإقليمي وبرنامجها النووي في مواجهة مع أميركا.

وقد عبر قادتها مراراً عن رفضهم للوقوع في “فخ نتنياهو”. وإذا كانت التسوية المتعلقة بوقف النار في غزة ولبنان لا تزال على الطاولة من دون ضمان لنجاحها، فإن من الصعب تصور الذهاب إلى صفقة إقليمية دولية كبيرة في هذا الجو المشحون وقبل أن يهدأ الغبار من فوق المعارك.

وليس إعلان الحوثيين في اليمن والفصائل العراقية المرتبطة بـ”الحرس الثوري” وبعض الأوساط في طهران عن الاستعداد لإرسال عشرات الآلاف من المقاتلين إلى لبنان لدعم “حزب الله” في مواجهة إسرائيل سوى رمز للتصرف كأن لبنان ليس بلداً له دولة وشعب بل “ساحة” مفتوحة لمن يريد القتال.

وهذا ما يعيد الجميع إلى التحدي الكبير الآخر. تحدي النظر إلى “حزب الله” من زاوية لبنان، وليس إلى لبنان من زاوية “الحزب”. تحدي القراءة العميقة في قرار “الإسناد” والإصرار عليه مهما تكن المصاعب والتضحيات على أرض بلد في أزمة سياسية ومالية واقتصادية واجتماعية خطرة يضم مليوني نازح سوري أضيف إليهم بسبب العدوان الإسرائيلي مليون لبناني.

تحدي مراجعة الموقف الذي انطلقت منه المقاومة بالقول إن حرب “الإسناد” هي للحيلولة دون حرب تخطط إسرائيل للقيام بها ضد لبنان، لأن الإصرار على حرب “الإسناد” هو ما قاد إلى ما تسميها إسرائيل “حرب لبنان الثالثة”. وتحدي ملء الفراغ القاتل في قيادة لبنان.

ذلك أن إبقاء لبنان بلا رئيس جمهورية منذ نحو عامين ليس مسألة تعثر في التفاهم بل مسألة قرار. والساعة دقت للتخلي عن هذا القرار. وإذا كانت إدارة الحرب بالنسبة إلى “حزب الله” أسهل وأريح من دون رئيس للجمهورية، فإن إدارة الخروج من الحرب والجلوس إلى طاولة المفاوضات تحتاج إلى رئيس لا أحد سواه يملك شرعية التفاوض والتفاهم على تسويات، حسب الدستور. لا رئيس حكومة تصريف أعمال. ولا رئيس المجلس النيابي. ولا بالطبع “حزب الله” أيام “فائض القوة” أو أيام الضعف والتعرض لحرب مدمرة. وأي تسوية لن تكون معه، وإن كان هو المقرر وراء رئيس المجلس والحكومة، بل مع الدولة رسمياً.

وليس من المفاجآت أن ترتفع أصوات نازحين متروكين لقدرهم متسائلة: أين الدولة؟ لكن الواقع أن الدولة مغيبة قبل أن تصبح غائبة. مغيبة بالقوة التي أدت بالتصعيد إلى كارثة. ومغيبة بحقارة المصالح الشخصية والفئوية لقوى سياسية. ومن حق أي لبناني أن يسأل: أين الدولة؟ لكن من واجبه أن يرفض الذهاب إلى حرب مدمرة من دون حساب لما ينقص المجتمع على الجبهة الداخلية وما تتطلبه معالجة ضحايا الحرب. والفارق كبير بين حرب بالاضطرار وحرب بالخيار.

 

زر الذهاب إلى الأعلى