أول رواية عراقية منصفة بحق الكويت
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
بخلاف المذكرات الشخصية التي تكتب عادة، فإن كتاب نزار حمدون «رحلة حياة دبلوماسية» الصادر عام 2024 عن دار الحكمة في لندن عبارة عن خليط من سيرة حياته ومذكراته ورؤاه، متضمناً وثائق ذات أهمية بلغت 67 وثيقة، قرر بعد كتابتها ألا تنشر المذكرات إلا بعد وفاته، فقد كتبها عام 2000 ونشرت عام 2024 بعد أن توفاه الله عام 2023.
السفير نزار حمدون ترك مذكرات في غاية الأهمية يؤرخ فيها للفترة التي قضاها في السياسة العراقية بعهد صدام حسين، وكانت له البصيرة لرؤية أن الغزو الأميركي عام 2003 سيؤدي إلى تفتيت العراق وتغذية الطائفية، وأن إيران ستكون المستفيد الأول الذي سيشعل العنف في المجتمع العراقي.
الدبلوماسية مهنة حياته، حيث عاصر أسوأ الظروف التي واجهت بلده، وبقيت تجربته من 1983 حتى منتصف 1990 ملهمته في البقاء في العمل، وأهم الوثائق التي وضعها في الكتاب محاضر جلساته مع القائم بالأعمال الأميركي في بغداد جوزيف ولسون خلال الفترة منذ 2 أغسطس 1990 إلى منتصف يناير 1991 و«هي فترة سوداء داكنة وقاتمة من حياة العراق والدبلوماسية العراقية» على حد وصفه.
كان يرى أن العراق مقبل على كارثة كبرى ستحل به وبالمنطقة «وبأننا سائرون نحو الدمار» وإن كان هذا لا يعفي ولا ينزّه أميركا عن المواقف المتحيزة أو غير الصحيحة.
خصص 110 صفحات للحديث عن «حماقة احتلال الكويت»، أورد فيها وقائع لم تنشر من قبل، وقدمها من واقع تجربته في أميركا وكونه رئيس الوفد العراقي الدائم في الأمم المتحدة، توصل إلى الاستنتاجات التالية:
1- لا يمكن أن نطبق الوحدة العربية باستخدام القوة والإلحاق القسري بالغزو العسكري.
2- لا يمكن أن يتم التعامل مع الكويت بالطريقة الوحشية التي تعاملنا بها بعد 2/ 8/ 1990، حيث أُعدم الكثيرون ومنهم فيصل الصانع، كان حسين كامل وسبعاوي إبراهيم وعلي حسن المجيد هم الذين أشرفوا على تلك العمليات، وبتوجيه مباشر من الرئيس، كل المخازن والمتاجر والمستودعات الحكومية والشعبية تم تفكيكها ونقلها للعراق.
3- نهب منظم لممتلكات الكويت والكويتيين لا ينسجم وفكرة التوحيد، وأن تصبح الكويت هي المحافظة التاسعة عشرة، حتى إشارات المرور تم تفكيكها ونقلها إلى بغداد.
4- «يوم النداء الأغر» كان يوم عار، والمسؤولون في القيادة العراقية لا يستحون من ذلك، وأكبر كذبة ابتداع قيام ثورة في الكويت وبدعوة وجهتها الحكومة الثورية لدخول القوات العراقية وإصدار قرار الضم على أساس ذلك، وهي كذبة مضحكة.
5- الحل العربي كان غطاء مكشوفاً لكسب الوقت من أجل تكريس الغزو وبقاء السلطة العراقية في الكويت للأبد.
6- حسابات القيادة (الفرد القائد) مبنية على دواعي الشعور بالتوسع في الأرض والموارد والتحول إلى دولة عظمى تطل بساحل كبير على الخليج.
7- اعتقد «القائد الفرد» أن أميركا تكتفي بالتهدد فقط ولن تضرب العراق.
8- عن الـ 600 شخص الذين أسروا أو استشهدوا يقول إن عبدالجبار الدوري الذي تم تكليفه ليكون وكيل وزير الخارجية لشؤون الكويت التحق بتاريخ 13 أغسطس 1990 أكد له أن سبعاوي إبراهيم كان ينصح عصام خضر بإطلاق الرصاصة على الرقبة وليس على الرأس لأن هذا أضمن للموت، ثم يقول «إن هؤلاء المفقودين الكويتيين هم ناس قتلوا بسبب عدم تعاونهم مع الغزو العراقي أو مقاومتهم له»، وينهي كلامه بأنه «لا أحد يجرؤ على ذكر الحقيقة المرة ومسؤولية النظام وأشخاصه المعروفين عن مصيرهم».
9- لم يكن لصدام أن ينسحب من الكويت لولا الحملة الأميركية العسكرية لإخراجه منها؟
بالنسبة إلى نزار حمدون فإن صدام حسين وجد في الحرب وسيلة لبناء مجده الشخصي وعظمته الفائقة وبقاء النظام وهيمنته. لقد خرّب المجتمع العراقي ولأكثر من جيل ومن غير المعروف متى ستعود الروح إلى الجسد.
تلك كانت شهادة موثقة من شخصية عراقية شغل منصب سفير بلاده في واشطن (1984-1988) وبعدها نائب وزير الخارجية وممثل العراق الدائم في الأمم المتحدة (1992-1999).