تراجع شعبية “ميتافيرس” وأصابع الاتهام توجه نحو الذكاء الاصطناعي
النشرة الدولية –
اندبندنت عربية – نيرمين علي
بدأت “ميتافيرس” كفكرة واعدة في مجال التقنيات التكنولوجية الحديثة، وسارعت أبرز الشركات التكنولوجية على مستوى العالم مثل “فيسبوك” و”إنفيديا” و”أوتوديسك” و”مايكروسوفت” إلى تبنيها، وسرعان ما انهالت المقالات والفيديوهات الداعية إلى استغلالها مع طرح أبرز الطرق الناجحة للاستثمار فيها، وتلك التي بإمكانها أن تغير بها المجتمع ومستقبل العمل، ولكن يبدو اليوم أن معظم الذين تبنوا فكرة “ميتافيرس” عادوا بعد وقت قصير وهجروها، في حين لا تزال بعض الشركات تراهن عليها في بناء عوالم ومنتجات مثل نظارات الواقع الافتراضي والواقع المعزز.
عوالم افتراضية
“ميتافيرس” عبارة عن فضاء رقمي ناشئ مدعم بتقنية ثلاثية الأبعاد يستخدم الواقع الافتراضي والواقع المعزز وتقنيات الإنترنت وأشباه الموصلات المتقدمة الأخرى للسماح للناس بالحصول على تجارب شخصية وواقعية عبر الإنترنت، إذ يشير إلى عوالم افتراضية، أي بيئات أنشئت بواسطة الكمبيوتر، يتفاعل فيها المستخدمون الذين يمثلهم بصور رمزية، ويركز على التواصل الاجتماعي والاقتصادي.
وتعود فكرة “ميتافيرس” إلى روايات وأفلام الخيال العلمي حيث تصور المؤلفون وصنّاع الأفلام عوالم افتراضية تسكنها تجسيدات رقمية وبيئات تفاعلية، ومع ذلك لم يبدأ المفهوم في التبلور في العالم الحقيقي إلا مع ظهور تقنيات الواقع الافتراضي والواقع المعزز.
والقصة بدأت عندما غيرت شركة “فيسبوك” اسمها إلى “ميتا” وصرحت على لسان رئيسها التنفيذي مارك زوكربيرغ أن تغيير الاسم يعكس تركيز الشركة على عالم “ميتافيرس” بهدف تعزيز الشعور بالحضور وجعل التفاعلات الرقمية تبدو أقرب لتجارب الحياة الواقعية، والمشاركة في أنشطة التعلم والتسوق والعمل واللعب.
وكان طرح تقنية “ميتافيرس” بمثابة ثورة في مجال تكنولوجيا المعلومات، إذ شاركت فيها شركات الحوسبة السحابية العملاقة الثلاث “مايكروسوفت” و”أمازون” و”غوغل” بطرق عدة، لكن ماذا حدث لكل تلك الضجة الإعلامية التي أحاطت بعالم “ميتافيرس”؟ وإلى أين وصل هذا المفهوم اليوم؟
منافس سرق الأضواء
يبدو أن ظهور منافس على الساحة سحب الأضواء كلها من “ميتافيرس”، فقبل أن يثير الذكاء الاصطناعي التوليدي كل تلك الضجة كانت الأنظار تتجه إليه وحده كتكنولوجيا مبتكرة واعدة، لكن تلك الطفرة أدت إلى ارتفاع شعبية الذكاء الاصطناعي التوليدي وتحويل الانتباه بعيداً من “ميتافيرس” نحو تقنيات أخرى، إضافة إلى مجموعة من الأسباب أسهمت في أن تفقد “ميتافيرس” شعبيتها وسحر الانطباع الأولي الذي حققته، فالحقيقة أن تقنية “ميتافيرس” أنتجت، كتقنية جديدة تماماً وغير مألوفة، حال تردد واضحة وربما صدمة وعدم ارتياح لتجربتها، بخاصة من قبل الكبار في السن، كما أن “ميتافيرس” لم يلب التوقعات الكبيرة التي أحاطت بانطلاقته قياساً بطريقة الترويج له كتقنية ثورية ستغير طريقة التفاعل البشر مع بعضهم ومع الأشياء من حولهم، مما ولد نوعاً من خيبة الأمل، ومع الوقت تقلص الاهتمام إلى أدنى مستوياته.
وكان وراء هذا مجموعة من النكسات التكنولوجية والمالية نظراً إلى ما تتطلبه “ميتافيرس” من البنية التحتية التكنولوجية الضخمة، فنجد كلفة الاستثمار فيها باهظة على رغم أن تقنياتها ليست متاحة على نطاق واسع بعد، مما دفع شركات مثل “ديزني” إلى التراجع عن مشاريع خاصة في فيها.
تحديات وعقبات
وهناك مجموعة من الأسباب التي تجعل الشركات والأفراد يشعرون بالقلق ويبدون أكثر حذراً من الاستثمار في هذا العالم، وقد أسهمت عوامل عدة في تباطؤ تبني “ميتافيرس” أكثر من المتوقع وأهمها الأخطار المالية، فالاستثمار في ذلك المشروع مكلف وعائداته لا تزال غير مضمونة ومستقبله غير مؤكد، ومن غير الواضح ما إذا كان سيتم تبنيه على مستوى واسع، إضافة إلى احتمال حدوث تغيرات في المنصة ذاتها، وأيضاً قد تعدل “ميتا” والشركات الأخرى أولوياتها مما سيؤثر في مشاريع الجهات الخارجية وربما يبقيها من دون دعم.
كما أن “ميتافيرس” تواجه تحديات وعقبات تقنية كبيرة، بما في ذلك قابلية التوسع والأمان وتجربة المستخدم، فالمعايير التقنية الخاصة بالصور الرمزية والأصول والبيئات لا تزال قيد التطوير مما يعوق إنشاء عالم “ميتافيرس” موحد فعلياً، ولا يزال تحقيق التكامل السلس والتشغيل البيني عبر العوالم والمنصات الافتراضية المختلفة يشكل تحدياً كبيراً، إضافة إلى أن كثيراً من العوالم الافتراضية والمنصات الاجتماعية الحالية تفتقر إلى واجهات مستخدم بديهية وتجارب مقنعة تجذب المستخدمين العاديين.
ومع تزايد التجربة الغامرة والتفاعلية للعوالم الافتراضية تتزايد أهمية المخاوف في شأن الخصوصية والأمان والسلامة عبر الإنترنت.
“ميتا”
وفي حين أصبحت تقنية “ميتافيرس” أقل أهمية مع وصول الذكاء الاصطناعي التوليدي إلا أن “ميتا” لا تزال تدفع بهذه الفكرة وتبذل قصارى جهدها لاستثمار الذكاء الاصطناعي وربطها به كاتجاه جديد رائج، وفقاً للوصف التفصيلي للأداء المالي للشركة خلال الربع الأول من عام 2024.
وذكر زوكربيرغ “ميتافيرس” ثلاث مرات ولكن فقط في سياق الذكاء الاصطناعي، مؤكداً أن العمل في مجال الذكاء الاصطناعي يرافقه تركيز طويل الأمد على “ميتافيرس”، وأن الذكاء الاصطناعي و”ميتافيرس” يشهدان تحسينات جيدة في جميع تطبيقات الشركة.
والحقيقة أن “ميتافيرس” لا تزال حتى الربع الثالث من العام الحالي تستنزف مليارات الدولارات، وعلى رغم الخسائر التشغيلية إلا أنها لا تزال تمثل أولوية بالنسبة لـ “ميتا” لأسباب عدة تتعلق جميعها بمكانة عالم “ميتافيرس” في الاتجاه الإستراتيجي لـ “ميتا”، ومدى الرهان والاستثمار الضخم الذي وضع لها، إذ تنظر إليها “ميتا” باعتبارها استثماراً طويل الأجل، وتصدر منتجات وميزات جديدة باستمرار مثل تطوير سماعة الرأس جيلاً بعد جيل وتوسيع نظام التشغيل (Meta Horizon OS) لمطوري الطرف الثالث، والأهم تكامله مع الذكاء الاصطناعي، إذ أصبحت منتجات “ميتافيرس” أكثر ترابطية ودمجاً مع خدمات الذكاء الاصطناعي مثل (Meta AI) والنظارات وسماعات الرأس.
وعلى رغم أن “ميتافيرس” لم ترق بعد إلى مستوى الضجيج الذي حظيت به في بداياتها، وعلى رغم التحديات والعقبات الكثيرة إلا أن رؤية “ميتافيرس” لا تزال حية، تدفع تطورها استثمارات وابتكارات لم تتوقف حتى اليوم، إذ تستثمر شركات، مثل “فيسبوك” و”مايكروسوفت” وبعض شركات الألعاب بشكل كبير في التقنيات المتعلقة بـ “ميتافيرس”، بهدف خلق تجارب افتراضية أكثر واقعية، ويتوقع بعضهم أن يلعب استمرار التقدم التكنولوجي وظهور منصات وتجارب جديدة دوراً حاسماً في تشكيل مستقبل “ميتافيرس”، ومحو الحدود بين العالمين المادي والرقمي والانفتاح على احتمالات أعلى.