أرقام صادمة ومكتبات مهجورة
بقلم: حمزة عليان
النشرة الدولية –
«العرب أمة لا تقرأ»، مقولة تلازمنا دون أن نعرف متى نلتحق بالأمم الحية في العالم، فبعض المكتبات العامة تحولت إلى بيوت مهجورة، بالكاد تجد من يتردد عليها، وأحدث الأرقام الصادمة بل الكارثية تقول إنه خلال عام 2023 بلغ عدد المترددين على 33 مكتبة عامة في عموم أنحاء الكويت فقط 6951 مواطناً ووافداً من إجمالي عدد السكان البالغ تقريباً 4.850 ملايين، فإذا قارنا تلك الأرقام بالسنوات السابقة وجدنا مزيداً من التراجع، ففي عام 2016 مثلاً كان عدد المترددين 11844 فرداً والفرق هنا واضح، الكويت التي كانت من الرواد الأوائل في مجال الثقافة والقراءة والمكتبات اليوم هي في أدنى الدرجات مقارنة بجيرانها دول الخليج العربي! وبحسبة مالية قد تكون كلفة المباني والتشغيل والموظفين وخدمات الصيانة لـ33 مكتبة عامة أكثر من فائدتها.
الحالة مخيفة والكلام ليس كمن يختبر الواقع، فعندما ذهبت لتقديم نسخ من «موسوعة كورونا» إهداء إلى المكتبة العامة في المنطقة التي أسكن فيها، لم أجد غير الحارس جالساً في غرفة جانبية، وبعدما سألني عن طلبي بادرني بالقول، ضع الكتب هنا ومع السلامة! نحن لا نتحدث عن المكتبات الجامعية والخاصة والوطنية فهذا أمر آخر له اعتباراته وعليه ما عليه.
وعلى مدى سنوات قدمت اقتراحات وأنجزت دراسات وخرجت توصيات لكن دوام الحال من المحال، فلا شيء تغير، وموضوع قياس عدد المترددين على المكتبات العامة يتطلب وجود معايير واضحة ومنهجية تستخدم عالمياً لقياس عدد الزوار، ولا أدري ما أدوات القياس التي تم استخدامها للوصول إلى رقم 6951 زائراً في الكويت؟ هل عن طريق أجهزة إلكترونية توضع لهذا الغرض أم سجلات يدوية؟ أم أنظمة تسجيل رقمية للدخول والخروج أم القيام بعمل استبيانات؟ وهل نسبة الزوار مقارنة بعدد السكان في المنطقة أم العدد الإجمالي للسكان في الكويت؟ وما مدة الزيارة؟
أيا كانت تلك الأدوات ما زلنا بعيدين جداً عن اعتماد معايير دولية كالتي تضعها منظمات دولية على غرار الاتحاد الدولي لجمعيات ومؤسسات المكتبات (IFLA) أو «الأيزو» أو برامج التحليل الرقمي، فهل نحتاج إلى تغيير مفهوم المكتبات العامة إلى بيوت ومراكز ثقافية شاملة ومتنوعة، وعلى مستوى كل محافظة بحيث تتحول إلى «مركز ثقافي» يحاكي ويوازي دار الأوبرا.
مغريات الحياة الاجتماعية ووفرة وسائل التواصل الاجتماعي سرقت الناس من المكتبات، واليوم لست بحاجة إلى الذهاب لأي مكتبة عامة وأحيانا خاصة لشراء كتب والحصول عليها بسبب توافرها وطلبها إلكترونيا ليصلك أي كتاب إلى البيت، وقد تكون خصخصة هذا القطاع أحد الحلول الناجحة وتحفيز رجال الاستثمار لتوظيف الأموال في هذا الحقل لجعله مركزاً فاعلاً وجاذباً لكل الأعمار والأنشطة، من إقامة ندوات ومراكز ترفيه للأطفال، وإصدار كتب وعمل حلقات نقاشية وإقامة معارض فنية وغيرها.
جوانب التقصير متعددة والظاهرة لا تخص الكويت فقط، لذلك نحتاج إلى رؤية وقرار للخروج من حالة القنوط والسبات التي تخيم على سمائنا، وتعود الكويت كواجهة حضارية ورائدة في عالم المكتبات والقراءة والثقافة!