سوريا الانتقالية بين فكّى أمريكا.. والاحتلال الإسرائيلى
بقلم: حسين دعسة

النشرة الدولية –
الدستور المصرية –
فى الولايات المتحدة الأمريكية، ثلاثة قرارات غير معلنة، وفى نفس الوقت غير سرية، يتداول نتائجها الإدارة الأمريكية والبيت الأبيض، تركيا دبلوماسيتها المتسارعة فى المنطقة، ودولة الاحتلال الإسرائيلى الصهيونى، ويتوه مع هذه القوى دول جوار سوريا، عدا عن العلاقات المتباينة مع الخليج العربى.
أما القرارات الأمريكية، فهى تناور ضمن حراك الرئيس ترامب الذى يريد سوريا الانتقالية فى سكون، أمن وسلام ونزاعات داخلية، استقرار ولا يقين، وفق رؤية جيوسياسية، تضمن للولايات المتحدة، والكيان الإسرائيلى، وتركيا وجوار سوريا، ما قد يتبقى من الكعكة التى تنهشها ذئاب الطائفية والتطرف والإرهاب، وأسرار ما بعد نهاية نظام آل الأسد.
* المثلث القوى: أمريكا، تركيا، الاحتلال الإسرائيلى
قد نتفق، أو نختلف فى أحوال الشأن السورى، شأن سوريا الانتقالية، وبالذات ما يحدث فى الداخل السورى من تشوهات سياسية وأمنية وانفلات أمنى، وصل حد المجازر والاقتتال بين قوى أمنية مجهولة وحكومة فى ذات الوقت، عدا عن عدم الاستقرار، وتفشى الصراعات الطائفية والوصول إلى محاصصات سياسية مختلفة.
وفى هذا السياق، ما زلت، أرى أن سوريا الانتقالية فى هذه المرحلة، تغوص فى متاهات، لعدم فهم من الذى يحرك الحدث السوري، رغم أن الظاهر، هو الإعلام الرسمى للرئيس أحمد الشرع «أبو محمد الجولانى»، وفى هذا الإعلام، لهاث يلاحق الأحداث، محاولات وضع نصف الحقيقة ونصف النتائج ونصف أى محاولة للخلاص، رغم تسارع القرارات والاتفاقيات والمشاريع الدستورية ولجان التحقيق.
هناك من يرى أن جارة سوريا الانتقالية، تركيا قد دخلت حوار الطرشات، إذ هناك من كشف عن أنها «منزعجة» وتناور سياسيًا وأمنيًا وتهدد عسكريًا، بينما ذات الموقف يحدث عن دولة الاحتلال الإسرائيلى الصهيونى، التى تصول وتجول فوق المدن والأرياف والمعسكرات والقواعد الأمنية السورية، دون أى مواجهة أو اعتراض من الجيش السورى، أو ما تشكله وزارة الدفاع السورية اليوم.
وعن الكيان الإسرائيلى، هناك من يحسب أن إسرائيل «ضائعة»، بمعنى ركونها إلى مخاوف من كل الجبهات المفتوحة من حرب إسرائيل العدوانية على قطاع غزة ورفح والضفة الغربية والقدس، حربها على لبنان، حربها فى الداخل السورى، وضياعها فى وحل التهديدات الإيرانية، مع حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية.
وكل ذلك يصل، بالتحليل الذى كتبه رئيس تحرير موقع ومنصة الإعلام الإلكترونى المدن، اللبنانية منير الربيع، الذى يعتبر أن كل ذلك يصطدم، بالنتيجة باليد الأمريكية – التي-ترعى الشرع.
الربيع، كشف عن قراءاته الجريئة فى منصة اليوم الجمعة ٢٠٢٥/٣/١٤.
ذلك أنه يؤكد بالعنوان «تركيا منزعجة وإسرائيل ضائعة: اليد الأمريكية ترعى الشرع»، وهو يتفق، فى ذات الرؤية الجيوسياسية الأمنية التى أطلقها مبكرًا، عبر «الدستور» من أن «المستحيل السورى»، رهينة قدرة سوريا اليوم على الخروج من العباءات التى يريد المجتمع الدولى أن يلبسها للدولة السورية، دون حل مشاكل وأزماتها والسعى لوحدة سوريا بعد نزاع سنوات الثورة التى، كان من نتائجها المتشائمة، كيان الحكومة السورية الانتقالية، بما فى ذلك الرعاية الأمريكية للشرع/الجولانى، نموذج الرئيس السورى اليوم.. ولكن إلى متى، فالرئيس ترامب، قد يقطع اليد الراعية بسهولة وهذا مؤشر الخطورة ليس على سوريا فقط، بل على كل حوارها والمنطقة والمجتمع الدولى والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولى.
* إصرار الأمريكيين على دعم الشرع
ليس سرًا أن يكون العالم رقيبًا على ما يتبين من: إصرار الأمريكيين على دعم الشرع/الجولانى؛ ليتمكن من الحفاظ على السلطة فى سوريا الانتقالية، ويعلل ذلك المحلل الربيع بالقول:
* 1: خفايا كثيرة لم تتوضح حتّى الآن حول اشتباكات الساحل السورى وخلفياتها. فإلى جانب الروايات العديدة التى أصبحت معروفة، تبقى هناك روايات أخرى، من بينها ما يرد عن دخول إيران بشكل مباشر على خط هذا الصراع.
* 2: إيران علمت بمفاوضات جدية تقودها الولايات المتحدة الأمريكية لإرساء تفاهم بين دمشق والأكراد، فجاءت معركة الساحل لقطع الطريق على أى مصالحة بين أحمد الشرع/الجولانى والفصائل الكردية.
* 3: ما يتضح أكثر، وفق المصدر. الربيع؛ هو حجم الاهتمام الأمريكى بسوريا، والحفاظ على وضعية الشرع/الجولانى مع إعطائه فرصًا سياسية كثيرة.
* 4: إن الولايات المتحدة، هى التى وفرت كل مقومات الصمود للرئيس السوري، خصوصًا بعد معركة الساحل، وفى ظل المساعى المستمرة لإصلاح العلاقة مع الدروز.
* 5: بالتزامن مع المعارك التى كانت قائمة فى الساحل السوري، وجدت غرفة عمليات أمريكية مهمتها مواكبة الملف السورى، تضغط فى سبيل معالجة الكثير من الملفات العالقة.
* 6: معالجة العلاقة بين دمشق والأكراد، وبين دمشق والسويداء. وقد تركز العمل على خفض التصعيد بشكل نهائى بين دمشق وشمال شرق سوريا، بالإضافة إلى العمل على تهدئة الوضع فى الساحل مع إعطاء هامش للشرع كى يحسم.
* 7: شددت الولايات المتحدة، على ضرورة تجميد أى نشاط لبعض القوى العسكرية الموالية لتركيا، وخصوصًا «فرقة سليمان شاه» بقياد محمد الجاسم المعروف بلقب «أبوعمشة»؛ لا سيما أن الكثير من المجازر التى ارتكبت فى الساحل السورى تتحمل مسئوليتها هذه الفصائل، وخصوصًا «العمشات» و«الحمزات»،-الأمر-الذى اعتبره الأمريكان؛ سيؤدى إلى تفجير كل الواقع السوري، بالإضافة إلى إصرار الفرقتين على خوض المعارك ضد الفصائل الكردية ورفض الاتفاق، وقد نتج عن ذلك:
*أ: تواصل الضغط الأمريكى لإخراج هاتين الفرقتين «العمشات» و«الحمزات» من الساحل السورى بشكل كامل، وصولًا إلى العمل على حلّ الفصيلين.
*ب: فى المقابل، هناك إصرار لدى الحمزة وأبو عمشة على البقاء فى الساحل وعلى مواصلة القتال ضد الأكراد.
*ج: هذا مؤشر إلى إمكانية بروز توتر أمريكى – تركى بسبب الاختلاف فى المقربات، بمعنى حل الخلاف الأمنى بين الفرق الإرهابية والحكومة الانتقالية.
* صراع أوروبى أمريكى.. والخاسر سوريا.
قد يكون التحليل الجيوسياسى المنطقى، بحسب المصدر اللبنانى، القريب من صنع القرار السياسى والدبلوماسى، أن الحدث السورى الأمنى، كان فى موازاة صراع أوروبى أمريكى (..) إذ كانت هناك مفاوضات روسية سورية، أصبحت معروفة الآن بعد تصريح الشرع لوكالة رويترز حول التفاوض مع الروس على مسألة بقائهم فى القواعد العسكرية فى اللاذقية وطرطوس.
هنا تتداخل الحسابات الجيواستراتيجية للدول على الساحة السورية.. عمليًا، وهذا له خلفياته السياسية التى تتقاطع مع الدور الأوروبى فى وصول هيئة تحرير الشام نفسها إلى الحكم، ذلك أن الأوروبيين لا يعتبرون أن مصلحتهم تقتضى باستمرار السيطرة الروسية على الموانئ السورية. لذا، يتابع الربيع تأكيدها أنه كانت هناك مواقف أوروبية واضحة تدعو إلى الحفاظ على وحدة سوريا، ورفض حصول أى اهتزاز أمنى أو عسكرى. بدا ذلك وكأنه غطاء للشرع كى يحسم المعركة ويعيد السيطرة على الساحل… والنتيجة، على الرغم من المواقف الأوروبية الواضحة التى كانت تشير إلى ضرورة حماية الأقليات ووقف ممارسة العنف، لكن الهم الأكبر هو عدم ترك روسيا هى المتحكمة بمنطقة الساحل، وتوفير الدعم للشرع كى لا يكون مضطرًا للاستسلام إلى موسكو. هنا لا بد من التذكير بأن فرنسا تأخرت فى إعلان الاعتراف بأحمد الشرع/الجولانى والترحيب بوصوله، بانتظار أن تضمن تجديد عقد شركة cma cgm فى مرفأ طرطوس. وللمفارقة أنه فى اليوم الذى جرى تجديد العقد صدر الترحيب الفرنسى على لسان الرئيس إيمانويل ماكرون.
* سوريا الانتقالية وكماشة العلاقات الروسية الأمريكية
أوروبا اليوم، تدرك أن سوريا الانتقالية، نتاج جبهات مقاومة وإسناد، جعلت الاحتلال الإسرائيلى الصهيونى يدخل فى حرب جبهات عديدة، حركة حماس فى غزة ورفح، والمقاومة فى الضفة الغربية والقدس، والحوثيين فى اليمن، والحسد الشعبى فى العراق، والإسناد الأكبر كان من حزب الله فى لبنان.
وعلى الرغم من هذه المواقف الأوروبية، يؤكد الربيع، تبقى هناك نقطة غير محسومة بالنسبة إلى الأوروبيين، وهى تتصل بالعلاقة الروسية الأمريكية، ميولها كما ترى نحو حرب غزة ونتائجها إلى اليوم، إذ لم يتمكن الأوروبيون من تكوين تصور واضح حول حقيقة الموقف الأمريكى من الوجود الروسى فى سوريا، وفى المقابل، عمل الأمريكيون على ممارسة ضغوط على إسرائيل لتخفيف حدة الضغط العسكرى والسياسى على سوريا. فعلى الرغم من الالتقاء الأمريكى الإسرائيلى استراتيجيًا، هناك خلاف أساسى على طريقة إدارة الملف.
ويعتبر الأمريكيون أن ما يقوم به الإسرائيليون يهدد بتفجير المنطقة ككل على أساس طائفى أو عرقى أو قومى، وهو لا يصب فى المصلحة الأمريكية، وسط تركيز على حماية الاستقرار.
بين صراع وآخر، عملت واشنطن على تقديم مقترحين لمعالجة علاقة دمشق مع الأكراد ومع الدروز، وفق التحليل، مع توفير ضمانات أمريكية للأكراد والدروز بعدم التعرض لهم من قبل دمشق، وتوفير كل الضمانات الأمنية لهم.
وكان المؤشر الحاسم، إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على تحقيق مصالحة دمشق مع الأكراد، ما يُعد مشكلة بالنسبة إلى تركيا، أو يندرج فى سياق تضارب المصالح. أما إصرار الأمريكيين على دعم الشرع/الجولانى ليتمكن من الحفاظ على السلطة فى دمشق، مع ما يقتضيه ذلك من الوصول إلى اتفاق مع الأكراد، قد يُعد مشكلة بالنسبة إلى إسرائيل أيضًا، التى تقول منذ اليوم الأول إنها تسعى إلى تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ.
* قواعد عسكرية تركية فى البادية السورية
غالبًا، المكافآت، والمكاشفات الجيوسياسية، الأمنية بعد أحداث ومجازر الساحل السورى، تجعل المحلل، رئيس تحرير المدن، يستند إلى الواقع الناتج، من أن هناك، أيضًا استنفارًا تركيًا إسرائيليًا. ففى الوقت الذى تسربت فيه أخبار عن نية أنقرة بناء قواعد عسكرية فى البادية السورية، كانت إسرائيل تسرب مشروعها للدخول من الجنوب السورى باتجاه السويداء ومنها إلى البادية وصولًا إلى شمال شرق سوريا، أى فتح خط مباشر مع الأكراد.
وعلى ذلك تحركت غرف عمليات الضغوط الأمريكية، من أجل عدم انفجار الوضع السورى بشكل كامل، واجتراح حلول منها تشكيل لجنة تحقيق، تبدو محايدة، والاتفاقيات مع الدروز والأكراد.
يعيد التحليل، فهم كيف: يواصل الشرع/الجولانى، نشاطه السياسى المتصل بتكوين السلطة، من إطلاق الإعلان الدستورى، إلى البحث فى تشكيل حكومة على الأرجح ستكون من 22 وزيرًا. وهو سيضم إليها وزيرًا كرديًا، وآخر مسيحيًا، مع إمكانية انضمام وزير درزى. وذلك يتوقف على توقيع الاتفاق النهائى مع الدروز فى السويداء، وهم ينقسمون بين من يؤيد ويتحمس لتوقيع الاتفاق ومن لا يزال يتريث، فيما تتواصل المساعى الأمريكية لإنجاز هذا التفاهم، والذى سيكون عبارة عن اعتماد مبدأ اللامركزية الموسعة، بما تتضمنه من احتفاظ كل منطقة بفصائلها وبنوع من اللامركزية الضرائبية أو المالية، بما يرضى هذه المكونات.
* الربيع: ما الذى تريده إسرائيل؟!
طرح السؤال، تطرق فى مآلات ومصائر سوريا الانتقالية، وهى تتعرض يوميًا لعمليات معلنة متفرقة، تشمل كل سوريا، السؤال الذى يحرج:
– ما الذي تريده إسرائيل؟!
دولة الاحتلال الإسرائيلى الصهيونى المتطرفة، – حتى الآن – وفق الربيع؛ لا تبدو أنها تتمتع بقناعة واضحة أو برنامج لما تريده فى سوريا، هناك ما يشير إلى ضياع إسرائيلى فى كيفية التعاطى مع الملف السورى، وما إذا كانت تريد لسوريا أن تكون مستقرة على سلطة أساسية فى دمشق مع توسيع هامش اللامركزية بالنسبة إلى المناطق الأخرى، على أن يكون ذلك مقابل دخول الشرع فى مفاوضات سياسية أو دبلوماسية معها، قد يكون الهدف منها الوصول إلى اتفاق. أم أن مصلحتها تقتضى بقاء حالة انعدام الاستقرار والصراعات الداخلية فى سوريا، كى تشغلها عن التأثير فى الساحات الأخرى.. أم نسج تفاهمات مع دمشق مقابل ضمان عدم التسبب بأى اهتزاز للاستقرار على الحدود مع إسرائيل، وبضمان ضبط الحدود اللبنانية، ومنع أى شكل من أشكال تهريب الأسلحة أو الأموال لحزب الله. أم أن إسرائيل تريد تكريس أمر واقع سياسى بالاستناد إلى ما حققته عسكريًا، من خلال عملية القضم العسكرى والجغرافى، والاحتفاظ بما سيطرت عليه، أم أنها تريد الوصول إلى اتفاق سلام مع دمشق مع تخلى الأخيرة كليًا عن الجولان. بالنسبة إلى سوريا، فما تريده هو العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك فى العام 1974، ولا يريد الشرع الدخول فى اتفاق سلام، ولا يريد التنازل عن الجولان.
* حقائق تثير مخاوف الجوار السورى
هناك بعض الحوافز المشتركة بين تركيا وإسرائيل تتقاطع معها علاقة تركيا، مع إيران؛ فهى تعتبر نفسها متضررة من الاتفاق بين دمشق والأكراد، فهى لم تكن شريكة بما جرى، ولا تزال أنقرة تشدد على ضرورة حلّ الفصائل العسكرية الكردية، ولا توافق على اندماج هذه القوات ضمن التشكيلات السورية الجديدة. هذه التطورات، دفعت بوزير الخارجية التركى هاكان فيدان لإجراء زيارة إلى دمشق، لمناقشة كل الملفات. لكن بوادر عدم الاتفاق تظهر من خلال تراجع لدى «العمشات» و«الحمزات» عن الاستعداد لحل نفسيهما عسكريًا والانضواء ضمن التشكيلات السورية، علمًا بأن هذين الفصيلين يصران على مواصلة القتال ضد المجموعات الكردية.
هنا تتضح صورة ومكانة إيران فى هذه المعادلة، ليؤشر المحلل إلى أن إيران: تبدو الطرف الأضعف والأكثر غيابًا. فهى ربما أرادت استغلال أى فوضى فى سوريا، من أجل إعادة فرض نفوذها وفتح طرق الإمداد العائدة لها. وهو ما حاولت التقاطع عليه مع روسيا من خلال أحداث الساحل. تلك الأحداث التى تعتبر دمشق أنها أجهضتها وقد حصلت على دعم دولى وعربى لذلك. حسابات إيران، سوريًا، ولبنانيًا، لا بد لها أن تنعكس على حسابات دولة الاحتلال الإسرائيلى الصهيونى، فإن وغالبًا، وهذا تعلمه وتحرض عليه حكومة السفاح نتنياهو المتطرفة. تل أبيب تريد استمرار الفوضى فى سوريا الانتقالية، والسبب، بعد ما تكشف من ألاعيب السفاح نتنياهو وجيش الكابينت، أنه كيان يريد تمرير مشروع إسرائيل الكبرى، وتغيير الشرق الأوسط، ووجه المنطقة، وبالتالى، تحقيق أهداف كانت قبل سقوط النظام السورى مستحيلة، نظرًا للتواجد الإيرانى وقوة حزب الله، السفاح اليوم، يخاف الإدارة الأمريكية والرئيس ترامب، إذًا؛ لا بد لدولة الاحتلال الإسرائيلى أن تنظر بعين أخرى إلى أن إيران، وحدها الجاهزة للاستثمار فى هذه الفوضى وإعادة ترتيب مشروعها، قد يكون المناخ فى سوريا الانتقالية أكثر رحابة فى ظل عدم الاستقرار السياسى والأمنى والاجتماعى والاقتصادى.
الحسم فى ذلك، وفق التحليل، وهو ممكن إلى حد معين، فالواقع قد ينقلب، نتيجة تشتت القرار السورى، وبالتالى ربما سيكون بيد الأمريكيين وما يتوصلون إليه مع إيران، إما تصعيدًا أو تفاهمًا.
هناك شكوك من أن تبقى معالجة التحديات والمخاطر الداخلية، وفق تسويات ومحاصصة وربما عناد وتعنت سياسى، فلا ضمانات لأى موقف غربى أو أمريكى أو من دول المنطقة يعزز بقاء الحكومة السورية الانتقالية، كما هى عليه من صراعات، بينما يبقى الكادر الحكومى الوزارى، مستندًا لمعايير رد الفعل على الحدث وتذويبه مرحليًا، والرئيس السورى الآن يدرك حساسية الموقف الأمريكى، مثلما هو الموقف العربى ودول الجوار، وتركيا، وما قد لا يراهن عليه من دون الاحتلال الإسرائيلى.
* السفاح نتنياهو يدخل على خط الجيش السورى الجديد!
هى قراءات مبكرة، لها قيمتها السياسية والأمنية، توصل إليها المحلل السورى «عبدالله سليمان على»، الذى قال فى النهار البيروتية بالنص:
نتنياهو يدخل على خط الجيش السورى الجديد!
وفى المحصلة، تبدو الوقائع أن سوريا الانتقالية، تعيش تحديات، وإشارات لواقع، مخاض أمنى بالدرجة الأولى «حرج»: وسط انهماك الفصائل السورية المسلحة باجتماعات مع وزارة الدفاع للتباحث فى عمليتى الحلّ والدمج، جاء تصريح السفاح نتنياهو حول منع الجيش السورى من دخول مناطق الجنوب واعتبار الأخيرة منطقة منزوعة السلاح، ليخلط الأوراق، خصوصًا بشأن فصائل السويداء و«اللواء الثامن» فى درعا، ووفق الذى اتضح، بالذات بعد عمليات الساحل السورى:
* أولًا: ظلال ثقيلة على تشكيل الجيش السورى
كشفت فصائل فى ريف دمشق عن أنه جرى استبعادها من اجتماعات وزارة الدفاع، وهو ما من شأنه أن يضفى بظلال ثقيلة على تشكيل الجيش الجديد، هذا إذا لم يؤدّ إلى عرقلتها.
* ثانيًا: الدخول إلى دمشق يوم 8 كانون الأول/ ديسمبر
استبعاد «غرفة عمليات دمشق»
بعد صمت استمر أسابيع، كشف الدكتور بشار القادرى المنسق العام لـ«غرفة عمليات دمشق» التى سبقت «هيئة تحرير الشام» فى الدخول إلى العاصمة يوم 8 كانون الأول/ ديسمبر، عن استياء قيادة الغرفة من التهميش الذى تتعرض من وزارة الدفاع رغم مساهمتها الفعالة فى إسقاط النظام.
وقال القادرى: «لم تتم حتى الآن دعوتنا إلى الاجتماع مع القيادة السورية الجديدة لمناقشة تشكيل الجيش السورى وفرقة تضم كل فصائل «فتح دمشق»، مشيرًا إلى استبعاد الغرفة أيضًا من الاجتماعات الخاصة بتشكيل الفرقة الخاصة بالجنوب السورى.
* ثالثًا: حضور «مؤتمر النصر»
«غرفة فتح دمشق»، وفق النهار؛ استبعدت من حضور «مؤتمر النصر»، ولديها ملاحظات على طريقة الدعوة والحضور والقرارات التى صدرت عنه، لكنها رغم ذلك التزمت بما صدر عن هذا المؤتمر، كان اقتراح «غرفة فتح دمشق أن يفضى المؤتمر إلى تشكيل مجلس رئاسى يضم ممثلين سياسيين عن غرف العمليات التى شاركت فى معركة التحرير، ما يضمن تفادى أى تفرد فى صنع القرار».
* رابعًا: تشكيلات الغرفة
تتشكل «غرفة عمليات فتح دمشق» من فصائل ثورية سورية أهمها: «أبابيل حوران» و«لواء فلوجة حوران»، و«ألوية الفرقان»، و«جند الملاحم»، و«أسود السنة»، و«ثوار القنيطرة»، و«لواء الجبل»، و«العمرى»، و«لواء المعتز بالله»، بالإضافة إلى مجموعات من ثوار القلمون ودمشق وريفها.
* خامسًا: قصة «اللواء الثامن» فى الجنوب السورى
قبل صدور تصريحات السفاح نتنياهو بخصوص الجنوب السورى، تحدث المكتب الإعلامى لـ«اللواء الثامن» عن التقدم فى تشكيل الفرقة وانتشار الألوية فى الجنوب السورى، كما أشار إلى وجود تنسيق على أعلى المستويات، من خلال الاجتماعات التى تعقد مع وزير الدفاع والقائد المكلف بقيادة فرقة الجنوب (العميد بنيان الحريري)، وفى نص «النهار»، عن المصدر القادرى، على ضرورة أن يكون الهدف اندماجًا فعليًا وليس مجرد اندماج إعلامى، لافتًا إلى وجود تحديات تواجه تطبيق عمليتى الحل والاندماج بشكل كامل، من دون أن يذكر ما هى هذه التحديات.
فى هذا التحدى، قالت صحيفة «النهار»، إنها حاولت التواصل مع «اللواء الثامن» عقب صدور تصريحات نتنياهو، لكن المكتب الإعلامى طلب التريث فى الجواب ريثما يتم عقد جلسة جديدة مع وزير الدفاع للتباحث فى التصريحات الإسرائيلية وتأثيرها. وكان سؤال «النهار» الموجه إلى «اللواء الثامن» يتعلق بانعكاس ما قاله نتنياهو على عملية اندماج فصائل الجنوب ضمن وزارة الدفاع، لأن نتنياهو كان واضحًا فى حديثه عن منع الجيش السورى من التوجه إلى جنوب دمشق، كما فى حديثه عن منطقة منزوعة السلاح، وهذا يعنى أن فصائل الجنوب ستكون فى مواجهة إسرائيل إذا انضمت إلى الجيش السورى وظلت منتشرة فى المنطقة الجنوبية المشمولة بتصريحات نتنياهو.
وحول ما ذكرت لـ«النهار» مصادر خاصة عن رفض مئات الضباط المنشقين الانضواء تحت وزارة الدفاع، لم يستبعد المكتب الإعلامى وجود «حساسيات بين الضباط القدامى والقيادات الجديدة فى وزارة الدفاع، إذ يشعرون أنهم أكثر خبرة أو أقدمية»، مشيرًا إلى أن هذه الحساسيات موجودة فى العديد من الهياكل العسكرية، أى ليس فقط فى «الجيش الوطنى السورى». واعتبر المكتب الإعلامى أن حلّ هذه المشكلة ينبغى أن يكون بالحوار والتنسيق لضمان الوحدة العسكرية.
* سادسًا: الجيش الوطنى السورى.. الإشكالات
اعتراض،- كما عاينت ذلك مصادر الصحيفة اللبنانية،- مئات الضباط المنشقين العاملين فى صفوف «الجيش الوطنى السورى» وفى بعض فصائل الجنوب، وحتى فى «جيش سوريا الحرة» على الانضواء تحت قيادة وزارة الدفاع أو رئاسة الأركان بسبب موضوع الأقدمية فى الخدمة العسكرية، إذ إن بعض هؤلاء الضباط لا يستسيغ العمل تحت إمرة ضباط مدنيين أو أحدث منهم فى سلك الجيش.
وتحدثت مصادر أخرى عن شعور ضباط ذوى رتب رفيعة فى «الجيش الوطنى السورى» بالخوف على مصيرهم بسبب فقدانهم نفوذهم العسكرى وبسبب صراعهم السابق مع «هيئة تحرير الشام»، وأن هؤلاء الضباط بدأوا بالبحث فى تحصين أنفسهم عبر شراء كميات من الأسلحة، والمفارقة أن أحد هؤلاء القادة اشترى صفقة سلاح من «هيئة تحرير الشام» نفسها بمبلغ لا يقل عن مليون دولار، والكلام لـ«النهار البيروتية» وفق مصادر خاصة، ما جعل السفاح نتنياهو، ووزير الدفاع الإسرائيلى والكابينت، يتحركون وسط الأحداث، داخل سوريا فى امتداد وصل الجولان المحتل وهضبة جبل الشيخ ومشروع دمر والقرداحة وبانياس والهمزة ووسط دمشق.
* الغارة الإسرائيلية على «مشروع دمر»
قبل ساعات من إعداد هذا التقرير، وصل «الدستور»، معلومات عن سقوط صاروخين على منطقة مشروع دمر فى العاصمة السورية دمشق، ما نتج عنها هدم عدد من المبانى جراء القصف الذى ترافق مع دوى انفجارات قوية.
وكانت وكالة «رويترز» عن مصدر أمنى سورى أشارت إلى أن الغارة الإسرائيلية على «مشروع دمر» استهدفت شخصية فلسطينية.
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن سلاح الجو الإسرائيلى، هاجم أهدافًا فى العاصمة السورية دمشق، لافتة إلى أن الأهداف التى تعرضت للهجوم هى «أهداف إرهابية» تابعة لحركة «الجهاد الإسلامى» الفلسطينية.
منطقة «مشروع دمر» فى نواحى دمشق أصبحت تحمل تسمية «ضاحية الشام الجديدة» أو «ضاحية دمر».
ولم ترد حتى اللحظة أى أنباء عن سقوط قتلى أو إصابات فى مكان الاستهداف الذى يظهر وجوده فى منطقة سكنية فى «تراسات دمر» الراقية.
وأظهرت لقطات الفيديو والصور الواردة من مكان الاستهداف الإسرائيلى وصول سيارات الإسعاف مع سماع دوى صافراتها مع تصاعد الدخان الأسود وتضرر واجهة المبنى المستهدف بشكل كبير.
ليست حماية ولا تداخل مصالح، إنما حالة سياسية، أنبت عنها، حكومة انتقالية، فى محاولة لاستعادة الدولة السورية الجديدة، والناتج، فى الولايات المتحدة الأمريكية-تحديدًا كدولة قطبية تراقب وتصنع الحدث-، ثلاثة قرارات غير معلنة، وفى نفس الوقت غير سرية، وهذا ما يجعل مسارات الأحداث تتضارب، مع تضارب أزمات المنطقة والمجتمع الدولى، والمتغيرات بين مثلث صعب قد يثير الصراعات فى سوريا الانتقالية، بالذات الصمت المريب حول الدور الإسرائيلى الصهيونى فى التحول داخل الدولة السورية.
* السويداء… وقلق من «تماهٍ مشبوه» مع إسرائيل
الذى جاء به جاد فياض، حواره مع شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز فى سوريا الشيخ حكمت الهجرى ووصفه بأنه يعاكس رغبة وجهاء السويداء مع قلق من «تماهٍ مشبوه» مع إسرائيل، مقال مختلف، خطير، نشر يوم 13-٣-2025، للكاتب السورى جاد فياض، وقال:
تضاربت مواقف شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز فى سوريا الشيخ حكمت الهجرى، وبعدما اتفق على وثيقة تفاهم مع الإدارة الجديدة ممثلة بمحافظ السويداء مصطفى البكور، عاد وتراجع عنها معتبرًا إياها ورقة مطالب، لينقلب على الجو العام السائد والداعم لفكرة الاندماج بالدولة السورية والذى كان جزءًا منه، ويقول «لا وفاق ولا توافق مع السلطات الجديدة فى سوريا».
* مواقف الشيخ الهجرى لاقت استغرابًا واسعًا كون اتجاه المراجع السياسية والروحية والاجتماعية فى السويداء، المتمثلة بشيخى العقل حمود الحناوى ويوسف الجربوع والأمير حسن الأطرش والفصائل العسكرية الكبيرة، على رأسها «رجال الكرامة»، مؤيد لفكرة الاندماج بالدولة السورية والتعاون مع السلطات الجديدة وإن بشكل تدريجى، وكان الاتفاق على تطويع عناصر بالأجهزة الأمنية جزءًا من هذا الاتجاه.
* مصادر متابعة للشأن عن كثب تقول كما نقلت عنها «النهار» إن «مواقف حكمت الهجرى تتماهى بشكل مشبوه ومريب – نصًا كما فى الصحيفة – مع مواقف الشيخ موفق الطريف فى إسرائيل التى تريد انفصال السويداء عن سوريا والانضمام إلى الفلك الإسرائيلى بشكل أو بآخر، ومن منظار أوسع، تقسيم المنطقة إلى دويلات مذهبية تخدم إسرائيل لجهة حمايتها وتبرير وجودها كدولة قومية».
* المصادر تذهب فى تحليل خطاب الهجرى إلى ما هو أبعد من ذلك، وتقول إن تصريحاته التصعيدية التى قال فيها «لا وفاق ولا اتفاق»، ووصف فيها الإدارة الجديدة بـ«المتطرفة والمطلوبة للعدالة الدولية»، وأسف خلالها على أبناء السويداء «الذين يبيعون دماء وكرامة أهلهم فى الساحل»، وهى مواقف «عدائية» هدفها إحداث انقسام بين السوريين و«اشتباك ودماء».
* رفض شيخ العقل حمود الحناوى «استفراد الهجرى باتخاذ القرارات»، فى حين شدّد الأمير حسن الأطرش ومصدر بحركة «رجال الكرامة» لـ«النهار» فى وقت سابق على أن «وجهة السويداء دمشق»، رافضين النزعات الانفصالية.
* انتشرت أخبار لافتة مفادها أن وفدًا من الدروز فى القرى الجنوبية السورية المحتلة حديثًا توجّه إلى لقاء مع طريف فى إسرائيل، وهى دعاية حاولت تل أبيب استغلالها فى إطار سياسى للحديث عن تواصل ومشاريع مشتركة بين الدروز، لكن المصادر تؤكد لـ«النهار» أن اللقاء «دينى تقليدى سنوى وليس سياسيًا»، وهذا كان إعلان طريف أيضًا.
* تذكر المصادر أن إسرائيل «دولة عدوّة لسوريا، وزيارتها تعد جريمة يعاقب عليها القانون، والدروز لطالما كانوا تحت القانون وليس فوقه»، وتشير إلى بيان مشيخة العقل فى لبنان، الذى حذّر اللبنانيين ورجال الدين الدروز من زيارة الأماكن المقدسة فى إسرائيل لما لذلك من تبعات قانونية، مؤكدة رفع الغطاء عن كل مخالف لهذه التعليمات.
* فى المحصلة، بحسب مصادر الصحيفة فإن الحركة السياسية المشبوهة فى السويداء، تشير بأن إسرائيل مصممة على تنفيذ مشاريعها فى الجنوب السورى، وانطلاقًا من خطورة هذا الواقع، يحاول المشايخ فى السويداء ووجهاء المنطقة توحيد الاتجاه واستكمال التواصل مع الإدارة السورية الجديدة من أجل تحقيق الاندماج بالحد الأقصى.
* الجانب الآخر من الأزمة.
تعمدت تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلى ساعر، أن تطلق موقفها، فقال: لدينا تحالف شجاع مع إخواننا الدروز.
وفى محور الخبر، أنه بتوجيه من وزير الخارجية الإسرائيلى جدعون ساعر، تم تسليم 10 آلاف طرد مساعدات إنسانية للدروز فى سوريا، وهى، حزمة مساعدات إنسانية لسكان الدروز فى سوريا المتواجدين فى مناطق القتال، وهنا تعتبر إسرائيل أن سوريا فى معركة وصراع مفتوح، وأن دولة الاحتلال تقدمت وأنجزت مهمة؛ وتم تنفيذ العملية بالتنسيق والتعاون مع رئيس الطائفة الدرزية الشيخ موفق طريف، وبالتعاون مع المجلس الدينى الدرزى، والجيش الإسرائيلى، وجهات أخرى فى المنطقة (دون تحديد من هى) وأنه تم تسليم معظم الطرود إلى «جبل الدروز» فى محافظة السويداء، فيما نقل بعضهم إلى مجتمعات درزية بالقرب من الحدود.
وقال ساعر: «لدينا تحالف شجاع مع إخواننا الدروز». ومن حقهم أن نساعدهم. «فى منطقة سنكون فيها دائمًا أقلية – من الضرورى والحق أن نساعد الأقليات الأخرى.
ما يحدث، يتم بتوافق أمريكى، ودعم من الإدارة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية، وهى التى تشن عليها دولة الاحتلال الإسرائيلى الصهيونى، حربًا إعلامية شعواء، مسارها وغايتها أنه على أوروبا الكف عن منح الشرعية للرئيس السورى أحمد الشرع/الجولانى وسلطته، وتتحجج إسرائيل، بالقول إنه ما زالت حكومات عدّة بينها الولايات المتحدة تصنّف هيئة تحرير الشام منظّمة إرهابية، وهو ما ركزت عليه تقارير إعلامية من وكالة أ. ف. ب، أشارت إلى تحريض وزير الخارجية الإسرائيلى جدعون ساعر، أوروبا على «الكف عن منح الشرعية» للسلطات الانتقالية فى سوريا بعد مقتل مئات المدنيين فى اشتباكات.
ونقلت الوكالة الفرنسية عن ساعر فى مقابلة مع صحيفة بيلد الألمانية نُشرت الأحد «يجب ألا تفشل أوروبا فى قراءة الواقع. يجب أن تستيقظ. يجب أن تتوقّف عن منح الشرعية لنظام كانت أفعاله الأولى – وهو أمر غير مفاجئ بالنظر إلى خلفيته الإرهابية المعروفة – هذه الفظائع».
التوتّر الأمنى والسياسى فى سوريا الانتقالية، دخل أسبوعه الثانى، وكانت البدايات المشبوهة فى قرية ذات غالبية علويّة فى ريف محافظة اللاذقية الساحلية على خلفية توقيف قوات الأمن لمطلوب، وما لبث أن تطوّر الأمر إلى اشتباكات بعد إطلاق مسلّحين علويين النار، وفق معلومات المرصد السورى لحقوق الإنسان الذى تحدّث منذ ذلك الحين عن حصول عمليات «إعدام» طالت مدنيين علويين.
وأُحيلت إلى لجنة تحقيق شكلت من الرئيس والحكومة الانتقالية، قيل إن تعزيزات وصلت إلى محافظتى اللاذقية وطرطوس المجاورة فى الساحل الغربى، حيث أطلقت قوات الأمن عمليات واسعة النطاق لتعقّب فلول الأسد.
ما زالت الأحداث توصف بأنها الأشد قسوة وعنفًا ودمارًا وأثرًا فى الشارع السورى، وكانت الأعنف من حيث ما فيها من مجازر وإبادة ومقابر جماعية، التى شهدتها سوريا الانتقالية، الوكالة الفرنسية أشارت بالقول: منذ الإطاحة بالأسد المنتمى إلى الأقلية العلوية، فى الثامن من كانون الأول/ديسمبر.
وأورد المرصد السورى لحقوق الإنسان أن «745 مدنيًا علويًا قُتلوا فى مناطق الساحل السورى وجبال اللاذقية من جانب قوّات الأمن ومجموعات رديفة» منذ الخميس.
وبلغت الحصيلة الإجمالية 1018 قتيلًا على الأقل، بينهم 125 عنصرًا من قوات الأمن و148 من المسلّحين الموالين للأسد.
وقال ساعر لصحيفة بيلد إن «المجتمع الدولى بشكل عام، وأوروبا بشكل خاص، توافدا إلى دمشق فى الأشهر الأخيرة لمصافحة» الرئيس السورى الانتقالى أحمد الشرع.
وتدارك «مع ذلك، كان (الشرع) ورجاله جهاديين وما زالوا جهاديين، حتى لو ارتدوا بدلات الآن».
وأضاف «فى نهاية هذا الأسبوع، سقطت الأقنعة، إذ قتل رجال (الشرع) شعبهم بلا رحمة».
وتولّت الإدارة الجديدة بقيادة هيئة تحرير الشام السلطة فى سوريا فى الثامن من كانون الأول/ديسمبر عقب هجوم مباغت أدّى إلى انهيار حكم الأسد. ويقود أحمد الشرع الذى كان يلقّب بأبومحمد الجولانى هيئة تحرير الشام التى كانت تعرف بجبهة النصرة قبل فكّ ارتباطها بتنظيم القاعدة الجهادى.
وما زالت حكومات عدّة بينها الولايات المتحدة تصنّف هيئة تحرير الشام منظّمة إرهابية.
لكن، تقول أ. ف. ب، قادة سوريا الجدد يطالبون الغرب بتخفيف العقوبات التى فُرضت على نظام الأسد خلال الحرب الأهلية فى البلاد.
والشهر الماضى، خفّف الاتحاد الأوروبى العقوبات المفروضة على قطاعات الطاقة والنقل والمصارف فى سوريا فى محاولة للمساعدة فى إعادة الإعمار.
ومنذ سقوط الأسد، نشرت إسرائيل قوّات فى المنطقة العازلة المنزوعة السلاح فى الجولان الواقعة على أطراف الجزء الذى احتلته إسرائيل من الهضبة السورية عام 1967، وأعلنت عن ضمّه فى 1981 فى خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولى باستثناء الولايات المتحدة.
وتنتشر هناك قوة الأمم المتحدة منذ العام 1974 بموجب اتّفاق فضّ الاشتباك بين الطرفين إثر حرب 1973.
ونفّذت القوّات الإسرائيلية غارات جوية متكرّرة على مواقع عسكرية سورية فى الآونة الأخيرة.
ويمكن، من تحليل الحدث، ونتائج ما قد يحدث بعد الكشف عن ملابسات العلاقة المشبوهة بين تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة، أن نعى إلى أين سيكون الطريق الأسوأ، أو الأفضل، أو الغياب، المؤسف أنه كانت إسرائيل، قبل أيام، رسمت بالنار حدود المنطقة منزوعة السلاح التى تريد إنشاءها فى جنوب سوريا الانتقالية على مساحة أربع محافظات، ومدن وأرياف هى: القنيطرة.
-درعا.
-السويداء.
-أجزاء من ريف دمشق.
– مدينة جرمانا فى ريف دمشق.
– طرطوس ومشارف القرداحة فى ريف اللاذقية.
– منطقة تل المال الاستراتيجية الواقعة بين محافظتى درعا والقنيطرة.
-بلدة مسحرة/ الطريق الواصل إلى بلدة الطيحة فى ريف القنيطرة.
* الأمم المتحدة: نقف إلى جانب الشعب السورى لتحقيق الوعد
تتباين المواقف الدولية والإقليمية والأممية، مما يحدث فى سوريا الانتقالية، وآخر ما وصلنى، ويثير الدهشة، ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة إن الأمل تجدد منذ الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024 فى إمكانية قيام السوريين برسم مسار مختلف، وحصولهم على فرصة لإعادة البناء والتصالح وتأسيس وطن يعيش فيه الجميع بسلام وكرامة.
والحدث بالنسبة للأمم المتحدة، بيان صحفى بمناسبة الذكرى الرابعة عشرة «لنهوض الشعب السورى ومطالبته بالحقوق والحريات»، أعرب أنطونيو جوتيريش عن القلق، لأن هذا المستقبل المشرق الذى يستحقه السوريون وبشدة الآن أصبح على المحك.
وقال: «لا شىء يُبرر قتل المدنيين كما أفادت التقارير الواردة خلال الأيام الماضية. يجب أن تتوقف جميع أعمال العنف، ولا بد من إجراء تحقيقات مستقلة ونزيهة وذات مصداقية فى الانتهاكات، ولا بد من محاسبة المسئولين عنها».
وأشار جوتيريش إلى أن سلطات تصريف الأعمال أعربت بشكل متكرر عن التزامها ببناء سوريا جديدة لجميع السوريين تستند إلى أسس جامعة وذات مصداقية. وقال إن الأوان قد آن للتحرك. وأكد الحاجة الملحة لاتخاذ تدابير جريئة وحاسمة لضمان أن يتمكن السوريون – بصرف النظر عن العرق أو الدين أو الانتماء السياسى أو النوع الاجتماعى – من العيش بأمان وكرامة وبلا خوف، وإن هذا الشهر يصادف الذكرى الرابعة عشرة لنهوض الشعب السورى وخروجه فى مظاهراتٍ سلمية للمطالبة بحقوقه وحرياته العالمية، ليقابل بالقمع الوحشى. وأضاف: «ما بدأ كنداء للتغيير السلمى تحول إلى أحد أكثر النزاعات تدميرًا فى العالم، بكلفة بشرية لا يُمكن حصرها».
وأشار جوتيريش إلى أن الحرب فى سوريا شهدت استخدام الأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة التى قتلت الرجال والنساء والأطفال دون تمييز. كما أدت حالات الحصار المطولة إلى تجويع سكان مناطق بأكملها وحولت الغذاء والدواء إلى أسلحة حرب. وقال إن الشعب السورى لم يتراجع قط عن نداءاته الثابتة والشجاعة من أجل الحرية والكرامة والمستقبل العادل.
وأكد أن الأمم المتحدة مستعدة للعمل جنبًا إلى جنب مع الشعب السورى لدعم عملية انتقال سياسى تشمل الجميع وتضمن المحاسبة وتعزز التعافى على المستوى الوطنى وتضع الأساس لتعافى سوريا على المدى الطويل وإعادة إدماجها فى المجتمع الدولى.
وقال: «نقف إلى جانب الشعب السورى لتحقيق الوعد بمستقبل أفضل – لجميع السوريين. معًا، لا بد أن نضمن أن تخرج سوريا من ظلال الحرب نحو مستقبل يقوم على الكرامة وسيادة القانون – يُصغى فيه إلى جميع الأصوات ولا يستثنى منه أحد».
بعد الإعلان الدستورى الذى أصدرته الحكومة السورية الانتقالية، أو ما تطلق عليها الأمم المتحدة «سلطات تصريف الأعمال» فى سوريا، رحب جير بيدرسون المبعوث الأممى لسوريا بالخطوات المتخذة لاستعادة سيادة القانون، وقال إن هذا التطور قد يسد فراغًا قانونيًا مهمًا.
وأعرب مبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا الانتقالية عن الأمل فى أن يشكل الإعلان إطار عملًا قانونيًا متينًا للانتقال السلمى الجامع وذى المصداقية بشكل جاد.
وأكد ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمم المتحدة – فى مؤتمره الصحفى اليومى – أن التطبيق الملائم سيكون أمرًا رئيسيًا إلى جانب الجهود المستمرة لضمان الحوكمة الانتقالية المنظمة.
* وثيقة1:
«النص الكامل للإعلان الدستورى السورى خلال المرحلة الانتقالية».
بعد تثبيت العنوان لهذه الوثيقة: «النص الكامل للإعلان الدستورى السورى خلال المرحلة الانتقالية»؛ تم تذييل البداية بالقول:
«الثورة السورية تكللت بالنصر فى 8 كانون الأول 2024»
* ديباجة:
وقّع الرئيس السورى الانتقالى أحمد الشرع، اليوم الخميس، مسودة الإعلان الدستورى، لتصبح إعلانًا دستوريًا للبلاد خلال المرحلة الانتقالية. وفيما يلى النص الكامل للمذكرة الإيضاحية للإعلان الدستورى:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السيد رئيس الجمهورية العربية السورية أضع أمام مقامكم إحاطةً لمسودة الإعلان الدستورى
* مشروعية الإعلان الدستورى:
تكللت الثورةُ السوريةُ المباركة بانتصارٍ عظيمٍ فى 8 كانون الأول 2024، أفضى إلى عهدٍ وتاريخٍ جديدين فى سوريا، فكان «مؤتمرُ إعلان انتصار الثورة السورية» يوم 29 كانون الثانى 2025، إذْ أَعلنَ فَناءَ النظامِ السياسى البائد وما حوى من نُظُمٍ تكبّلُ إرادةَ الإنسان وتقيدُ حريتَه، ملغيًا دستورَ 2012 والسلطاتِ والأحزابَ المنبثقةَ عنه، مؤسِّسًا لواقعٍ سياسيٍ واجتماعيٍ جديدٍ، مُنتخِبًا رئيسًا للجمهورية، وقد أَوكَلَ إليه إدارةَ البلاد، وكان التأسيسُ للشرعيةِ الشعبيةِ الهاجسَ الأول لدى القيادة الجديدةِ رغمَ الظروفِ الصعبةِ، فتمت الدعوةُ إلى مؤتمرِ حوارٍ وطنيٍ بين السوريين والذى ركّزَ فى بيانِه الختامى الصادرِ فى 25 من شهر شباط عام 2025 على التغييرِ والانتقال مما هو كائنٌ إلى ما يجبُ أن يكون، على أن يتألفَ هذا التغييرُ من عمليتين متكاملتين مِن الهدمِ والبناء، هدمِ النظامِ القانونيِّ السابق – والدستورُ الرسمى فى مقدّمة ذلك – وبناءِ نظامٍ قانونيٍ جديدٍ يستمدُّ قيمتَه من قيم السوريين، يتمثّلُ بإيجادِ قواعدَ دستوريةٍ لتسييرِ المرحلةِ الانتقالية.
وصدرَ قرارُ السيدِ رئيسِ الجمهوريةِ فى الثانى من آذار عام 2025 بتشكيلِ لجنةٍ من أجلِ صياغةِ مُسوَّدةِ الإعلانِ الدستورى الذى ينظّمُ المرحلةَ الانتقاليةَ فى سوريا.
إنَّ الإعلانَ الدستوريَّ يستمدُّ مشروعيّتَه من الضرورة الواقعية التى ينبغى أن تضمن تسييرَ عملِ السلطاتِ فى الدولة، ومِن إعلانِ النصر الذى يُعدَّ مؤسِّسًا لأوّلِ قواعدِ الدستور، مرتكزةً على مخرجاتِ مؤتمرِ الحوارِ الوطنى المؤسِّسِ فى قادمِ الأيام لشرعيةٍ شعبيةٍ حقيقيةٍ تُمهّدُ لبناءِ سوريا الجديدة.
* من حيث الشكل:
دأبت اللجنةُ منذ اللحظة الأولى لصدورِ قرارِها، على إنجازِ المُهمّةِ الموكلةِ إليها، فى جوٍ يسودُه النقاشُ البنّاءُ وتبادُلُ الأفكار والخبرات، يحدوها الإخلاصُ لسوريا وشعبها، وتحركت اللجنةُ فى عملِها ضمن فضاءٍ من الحريةِ ومساحةٍ واسعةٍ غيرِ مقيّدةٍ أو محدّدة.
عَمَدت اللجنةُ إلى تقسيمِ الإعلانِ الدستورى إلى مقدّمةٍ وأربعةِ أبواب، كان البابُ الأولُ عن الأحكامِ العامة وتضمّنَ إحدى عشْرةَ مادة، والبابُ الثانى عن الحقوقِ والحريات متضمنًا اثنتَى عشْرةَ مادة.
وخُصِّصَ البابُ الثالث لمعالجةِ شكل نظامِ الحكم والسلطاتِ فى المرحلةِ الانتقالية فى أربعٍ وعشرين مادة، أما البابُ الرابع فقد جاءَ للأحكام الختامية فى ستِّ مواد.
* من حيث الموضوع:
1- فى الأحكام العامة
تُجمِعُ الدساتيرُ على تحديدِ اسمِ الدولة وهُويّتِها، ضمن الأحكام العامة، ولأنَّ اسمَ الدولة وهُويتَها محدّدانِ منذ دستورِ سوريا لعامِ 1920، وقد استمرَّ الأمرُ على ذلك فى مجملِ الدساتير حتى غدا اسمُها عُرْفًا دستوريًا، لذا لم تعمَد اللجنة إلى تغيير ما تعارفَ عليه السوريون منذ تأسيس الدولة، لقناعةِ اللجنة أنَّ شرعيّتَها ومشروعيةَ ما تنتجُ لا تحتملُ التغييرَ فى الأحكامِ العامة، ومنها اسمُ الدولة الذى بقى الجمهوريةَ العربيةَ السورية.
وأبقينا على دينِ رئيسِ الدولة وهو الإسلام، فتاريخُ هذه المادة يحدّثُنا أنّها جاءَتْ حلًّا وسطًا بين من يريدُ تحديدَ دينِ الدولة، وبين من يرفضُ ذلك، فكانَ الحلُّ الدستورى بأنْ يكونَ الدينُ للرئيسِ محددًا، وإننا على يقين أنّه كما وصلَ أجدادُنا إلى صيغٍ توافقيةٍ لحلِّ خلافاتِهم الدستورية، فإن الأبناءَ قادرونَ على ذلك فى دستورٍ دائم، ثم أبقينا الفقهَ الإسلامى مصدرًا أساسيًا من مصادرِ التشريع، هذا الفقهُ الذى يُعَدُّ ثروةً حقيقيةً، لا ينبغى التفريطُ بها.
ومن منطلقٍ وطنيٍ خالص تم التأكيدُ على التزامِ الدولة بالحفاظِ على وحدةِ الأرض والشعب من خلالِ إدارةِ التنوعِ وحفظِ الحقوقِ الثقافية واللغويةِ لكل السوريين. بما يتلاءَمُ مع دولةِ المواطنةِ.
وكانت هناك موادُّ لإعادةِ الإعمارِ وحوكمةِ مؤسسةِ الجيشِ والأمن بما يتوافقُ مع مَهامِّهم فى حفظِ الأمنِ الداخلى والخارجيِ وينسجمُ مع حقوقِ الإنسانِ وحُرياتِه
2- فى الحقوق والحريات
القانونُ اﻟدﺳﺗورىُ ﻫو ﻗﺎﻧونُ ﻓنٍّ وﺻﻧﺎﻋﺔِ اﻟﺣرﯾﺔ، ﻓﻐﺎﯾﺗُﻪ ﺗﻧظﯾمُ اﻟﺣرﯾﺔ، ووﺿﻊُ اﻹطﺎرِ اﻟﻔﻌلى اﻟذى ﻣن ﺧﻼﻟﻪِ ﯾﺳﺗردُّ اﻟﺷﻌبُ ﺣﻘوﻗَﻪ وﺣرﯾﺎﺗِﻪ، وبعضُ الفقهِ الدستورى يرى أن الدولةَ التى دستورُها لا يحمى حريةَ شعبِها هى دولةٌ بلا دستور.
من هذا المنطلق كان حرصُنا على بابٍ خاصٍ للحقوق والحريات رغم ما يعترى المراحلَ الانتقاليةَ من عدمِ استقرارٍ أمنيٍ وسياسى، لذلك عمَدنا إلى خلقِ حالةٍ من التوازن بين الأمنِ المجتمعى والحرية، فجاءَت النصوصُ تعالجُ الواقعَ الحالى مستفيدةً من تغوّلِ الأمسِ على الحقوقِ والحريات.
* جاءَ النصُ الأول يعلنُ عن التزام الجمهوريةِ العربية السورية باتفاقياتِ حقوقِ الإنسان المُصدَّقِ عليها من قبل الدولةِ السورية، وهذا النصُّ يشكّلُ سابقةً فى التاريخِ الدستورى السورى، إذْ عمَدَ النظامُ البائدُ سابقًا إلى توقيعِ الاتفاقياتِ الدَولية الناظمةِ لحقوقِ الإنسان من دونِ أيّ التزام، من هنا جاءَت ضرورةُ النصِّ على الالتزامِ بها.
كما نصَّ الإعلانُ الدستورى على مجموعةٍ كبيرةٍ من الحقوق، منها حريةُ الرأيِ والتعبيرِ والإعلامِ والنشرِ والصحافة، وصانَ حرمةَ الحياةِ الخاصة، معلنًا بذلك عن توازن بين الحريات.
أما لجهةِ المشاركةِ السياسيةِ التى كان النظامُ السابقُ يعتبرُها امتيازًا، وليس حقًا، وقد أعطى هذا الامتيازَ لمجموعةٍ من الأحزابِ المواليةِ له بشكلٍ مباشِرٍ أو غيرِ مباشر، ومن أجلِ استئنافِ مشاركةٍ سياسيةٍ حقيقيةٍ قائمةٍ على المساواةِ بين الجميع، فقد كانَ لا بدَّ من النصِّ على صدورِ قانونٍ جديدٍ ينظّمُ المشاركةَ السياسيةَ على قدْرٍ من المساواةِ والأسسِ الوطنية.
كما تمَّ ضمانُ حقِّ الملكيةِ الذى تعرّضَ فى المرحلةِ السابقةِ لانتهاكاتٍ خطيرة.
وانطلاقًا من مكانةِ المرأةِ فى المجتمع السورى فقد تمَّ النصُ على حقِّها فى المشاركةِ بالعملِ والعلمِ وكفالةِ الحقوقِ الاجتماعيةِ والاقتصاديةِ والسياسيةِ لها.
وحتى لا تتساوى الحريةُ مع القيدِ تمَّ النصُّ على مجموعةٍ من الضوابطِ التى يحتاجُ إليها كلُّ مجتمعٍ لضبطِ الحرياتِ كى لا تتحوّلَ إلى فوضى.
3- نظام الحكم خلال المرحلة الانتقالية
لقد عانى السوريونَ سابقًا من تغوّلِ رئيسِ الجمهوريةِ على باقى السلطات، معتمدًا بتغولِهِ على النصِّ الدستوريّ، مما ولّدَ أنظمةً سياسيةً مشوهة، لم تلتزم السلطاتُ السوريةُ السابقة منذ عام 1958 بخصائصِ النظامِ السياسى الذى تختارُه، فإنْ اختارت نظامًا شبهَ رئاسيٍّ أعطت لموقعِ الرئاسةِ أكثرَ مما يمنحُهُ إياهُ النظامُ نفسُه، فتلوى عنقَ خصائصِ ذلك النظام ما يشكّلُ اعتداءً صارخًا وواضحًا على مبدأِ فصلِ السلطات.
لذلك كانت المُهمةُ الأولى لنا وضعَ النظامِ السياسى على سكتِهِ الدستورية من خلال الالتزامِ بخصائصِ النظام السياسي. ولأنَّ مبدأَ فصلِ السلطات كان غائبًا عن النُظُم السياسيةِ السورية تعمّدْنا اللجوءَ إلى الفصلِ المطلقِ بين السلطات.
* السلطة التشريعية:
يمارس مجلسُ الشعب السلطةَ التشريعية.
وعلى الرغم من تفويضِ السيدِ رئيس الجمهورية باختيارِ أعضاءِ مجلسِ الشعب من قبل مؤتمرِ النصر، فإنّه آثرَ الانتخابَ لأعضاءِ الهيئةِ التشريعية بما يتناسبُ مع طبيعةِ المرحلةِ الانتقالية وعدمِ توفّرِ البيئة الآمنةِ والمحايدة لإجراءِ انتخاباتٍ على كاملِ الدولة السورية، واحتفظَ بتعيين الثلثِ حرصًا على مشاركةِ الجميع فى المجلس، حتى يتسنى له سدُّ النقصِ الحاصلِ فى تمثيلِ المرأة أو الكفاءات. هذا من جهةٍ يعطيه بعضَ الاستقلالية، ومن جهةٍ أخرى فبعد تعيينِ عضوِ المجلسِ من الرئيس فإنه تُركَ أمرُ عزلِه أو فصلِه أو قَبولِ استقالتِه للمجلسِ ذاتِه.
ويتولى مجلسُ الشعب العمليةَ التشريعيةَ كاملةً وبشكلٍ منفرد والعفوَ العام، وله الحقُّ فى عقد جلساتِ استماعٍ للوزراء، يأتى كلُّ ذلك تأكيدًا على الفصلِ بين السلطات.
* فى السلطة التنفيذية:
السلطةُ التنفيذيةُ يتولاها رئيسُ الجمهورية يساعدُه فى مهامِّه وزراء، وقد رأينا أنَّ حصرَ السلطةِ التنفيذية بيد الرئيس فى المرحلةِ الانتقالية يشكلُ خِيارًا مناسبًا مبنيًا على ضرورةِ سرعةِ التحركِ لمواجهة أي صِعابٍ أو أحداثٍ فى المرحلة الانتقالية، كما أن علاقةَ الوزير المباشرة برئيس الدولة تتيحُ له الحلولَ وتمنعُ الآخرين من التدخلِ بعملِه.
وفى صددِ السلطات الاستثنائية فإنه لم يتمَّ منحُ الرئيس إلا سلطةً استثنائيةً واحدةً وهى إعلانُ حالةِ الطوارئ، فى حين كانت الأنظمةُ السوريةُ السابقةُ تمنحُ الرئيسَ سلطاتٍ استثنائيةً أكثرَ من العادية، وقد تمَّ ضبطُ سلطةِ الطوارئ بالوقتِ والموافقةِ من مجلس الشعبِ فى حال أرادَ التمديد.
* فى السلطة القضائية:
إلى ساحة القضاء يُهرَعُ الناسُ يلتمسون فيها العدلَ والإنصاف، فالناس أمام القضاء سواء، لا يُرهَبُ أحدٌ لقوّتِه، ولا يُستخَفُّ بحقِّ أحدٍ لهوانِه وضعفِ حيلتِه.
والقضاةُ هم ضميرُ الأمة، ورمزُ إرادتِها، وأصلُها فى إعلاءِ كلمةِ الحق والعدل التى أودعها اللهُ أمانةً بين أيديهم، وأحكامُ القضاءِ فى هذا السبيل مصابيحُ يأتمُّ بها الهداة.
لذلك أكدَ الإعلانُ الدستورى على استقلاليةِ السلطة القضائيةِ وحياديّتِها ومنعِ إنشاءِ المحاكمِ الاستثنائية التى عانى منها السوريون كثيرًا فى المرحلةِ الماضية، ولا سلطانَ على القُضاةِ إلا للقانون.
ولقد أخذت الدولةُ السورية القضاءَ المزدوج «القضاءَ الإدارى والعادى» منذ زمن بعيد، لذلك حافظَ الإعلانُ الدستورىُ على هذا التاريخ القضائى، لأنَّ الانتقالَ إلى قضاءٍ منفردٍ فى المرحلة الانتقاليةِ سيجدُ أمامَه من العقبات التى يصعبُ تجاوزُها.
وعمَدْنا إلى حلِّ المحكمةِ الدستورية القائمةِ لأنها من بقايا النظام البائد، وإعطاءِ الحقِّ لرئيس الجمهورية بتعيين محكمةٍ دستوريةٍ جديدةٍ تمارسُ مَهامَّها وَفقَ القانون السابق، ريثما يَصدرُ قانونٌ جديدٌ ينظّمُ عملَها واختصاصاتِها.
4- الأحكام الختامية:
فى المجتمعاتِ التى تحاولُ إعادةَ بناءِ نفسِها من جديد والانتقالَ من تاريخٍ عنيفٍ يتّسمُ بانتهاكاتٍ جسيمةٍ لحقوق الإنسان ارتُكِبَت فى سياقِ ممارسةِ القمعِ أو فى سياقِ نزاعٍ مسلّح أو غيرِ ذلك من السياقاتِ الأخرى، تبرزُ تساؤلاتٌ بالغةُ الأهمية تتناولُ كيفيةَ الاعترافِ بالانتهاكاتِ ومنعِ تكرارِها، وتلبيةِ مطالبِ العدالة واستعادةِ نسيجِ المجتمعاتِ المحليةِ الاجتماعى، وبناءِ سلامٍ مستدام.
والعدالةُ الانتقاليةُ هى النظامُ الذى يسعى إلى بذلِ كلِّ ما يلزمُ كى تنجحَ المجتمعاتُ فى التعاملِ مع مثل هذا الإرث الصعب، وتُطوّرُ أدواتٍ مختلفةً من أجل تحقيقِ هذه الغاية.
ولأنَّ الشعبَ السورى وقعَ ضحيةَ أكبرِ انتهاكاتٍ موثقةٍ فى التاريخ المعاصر كان لا بد من النصِّ على العدالةِ الانتقالية التى هى مطلبُ كلِّ السوريين بشكلٍ عامٍ ومطلبُ السوريين فى مؤتمرِ الحوار الوطنيِّ بشكل خاص.
وقد جاءت دسترةُ العدالة الانتقالية فى مادتين الأولى مَهّدت الأرضيةَ المناسبةَ لتحقيق العدالةِ الانتقالية من خلال مجموعةٍ من الإجراءات، منها إلغاءُ القوانينِ الاستثنائية، وإلغاءُ مفاعيل الأحكام الجائرة الصادرةِ عن محكمةِ الإرهاب وإلغاءُ الإجراءاتِ الأمنية الاستثنائيةِ المتعلقة بالوثائق المدنيةِ والعقارية.
وقد انفردتْ مادةٌ بإحداثِ هيئةٍ لتحقيقِ العدالةِ الانتقالية تعتمدُ آلياتٍ فاعلةً تشاوريةً مرتكزةً على الضحايا، لتحديدِ سبلِ المُساءَلة، ومعرفةِ الحقائق، وإنصافِ الضحايا والناجين، بالإضافةِ إلى تكريم الشهداء.
وتم تحديدُ المرحلةِ الانتقالية بخمسِ سنواتٍ أسوةً بكثيرٍ من الدول التى خرجت من صراعٍ داخليٍ أو خارجي، وإنَّ ما مرت به الدولةُ السورية من خرابٍ ودمارٍ يفوقُ بكثيرٍ ما كان عند الدول الأخرى لذلك لا بدَّ من إعطاءِ الوقتِ الكافى لإنشاءِ بيئةٍ آمنةٍ ومحايدة.
كما نصَّ الإعلان الدستورى على ضرورةِ تشكيلِ لجنةٍ لكتابة دستورٍ دائمٍ، وإننا نختم فى هذا المجال بالقول:
إنَّ الثورةَ تتخلدُ بمقدارِ ما تَصنعُ من مبادِئَ قانونية، تتركُ أثرَها للأجيالِ القادمة، هذا الأثرُ القانونى يبقى وفعلُ التمرّدِ يزول، فإذا ما أخذنا أى حركةٍ ثوريةٍ فإننا سنجدُها تخلّدت بآثارِها القانونية، لتبقى الأجيالُ تذكرُها وتعملُ بمبادئِها، ومهما كان حجمُ التمرد وما رافقَه من عنفٍ فهو يُدرسُ كحالةٍ تاريخيةٍ سابقة، أما الأثرُ الدستورى فهو يُدرَسُ كحالةٍ سابقةٍ وحاضرةٍ ومستقبليةٍ يمكنُ البناءُ عليها.
وعلى كلِّ ما ورد فى هذه الإحاطة، من تبيانٍ أو تفصيلٍ أو تكثيف، فإننا نرجو أن تكونَ مُسوّدةُ الإعلان الدستورى، رافعًا ناهضًا ومعينًا، للدولة السورية أرضًا وقيادةً وشعبًا، فى هذه المرحلة الانتقاليةِ المُمهِّدةِ لمزيدٍ من الاستقرارِ وإعادةِ بناءِ الوطن والحياة إن شاء الله.
* مجلس الأمن القومى
وربما يتاح لسوريا الانتقالية، أن تنجح فى مهام تشكيلات ولجان، قد تصل، فى بعض الجزئيات إلى سلطة ما، تحكمها مسارات، يبدو أنها كانت معدة سابقًا، كل ذلك لا يمنع الخوف من انفكاك قسرى، عن الدعم الأمريكى، وليس شرطًا أن يكون هناك أى تماس مباشر بين الرئيس الأمريكى ترامب، والشرع/الجولانى، وأعتقد، أن لا فكاك من ديمومة العقوبات على سوريا الأسد، ووريثتها سوريا الانتقالية، هنا المسار فيه حذر، والحذر يفتح أعمال الشيطان.
* وثيقة ٢:
* مهام المجلس وآلية عمله «تُحدد بتوجيهات» من قبل الشرع/الجولانى.
أصدر الرئيس السورى الانتقالى أحمد الشرع/أبو محمد الجولانى قرارًا رئاسيًا بتشكيل مجلس الأمن القومى السورى، بهدف تنسيق وإدارة السياسات الأمنية والسياسة.. وبالتالى، تعزيز الأمن القومى.
وقالت «الرئاسة السورية» فى بيان، إن الشرع أصدر قرارًا بتشكيل مجلس الأمن القومى، بناء على الصلاحيات الممنوحة له كرئيس للجمهورية، وانطلاقًا من المصلحة الوطنية العليا، وحرصًا على تعزيز الأمن القومى والاستجابة للتحديات الأمنية والسياسية فى المرحلة المقبلة.
ويضم المجلس كلًا من وزير الدفاع مرهف أبوقصرة، ووزير الخارجية أسعد الشيبانى، ووزير الداخلية على كدّة، ومدير جهاز الاستخبارات السورية أنس خطاب.
المجلس يضم كذلك «مقعدين استشاريين»، يتم تعيينهما بناء على الكفاءة والخبرة، من قِبل رئيس الجمهورية.
كما سيضم «مقعدًا تقنيًا متخصصًا» لمتابعة الشئون التقنية والعلمية ذات الصلة بمحضر الجلسة، ويُعيّن كذلك من قِبل الشرع.
المجلس يعقد اجتماعاته بشكل دورى، أو بناء على دعوة من قِبل الشرع، فيما يتخذ القرارات المتعلقة بالأمن القومى والتحديات التى تواجه الدولة «بالتشاور بين الأعضاء».
وأضاف أن مهام المجلس وآلية عمله «تُحدد بتوجيهات» من قِبل الشرع، بما يتماشى مع المصلحة الوطنية العليا، وبما يضمن التنسيق الفعال بين الأجهزة والمؤسسات، مشيرًا إلى أن العمل بالقرار يبدأ من تاريخ صدوره.
* خلفية تشكيل المجلس
يأتى قرار تشكيل المجلس على خلفية أحداث الساحل السورى، والتى أدت إلى مقتل ما لا يقل عن 803 أشخاص، معظمهم مدنيون، بينهم أكثر من 400 شخص مدنى من الطائفة العلوية، قُتلوا على يد فصائل محسوبة على وزارة الدفاع السورية، وذلك بعد الهجوم المضاد الذى شنته الوزارة وفصائل معارضة ومجموعات شعبية، على فلول نظام الأسد، إثر هجمات الفلول على عناصر الأمن العام، والذى أدى لمقتل العشرات من العناصر.
كما يأتى القرار بالتزامن مع تهديدات إسرائيلية صريحة وُجّهت للشرع من قِبل إسرائيل، وتحديدها منطقة أمنية بعمق 65 كيلو مترًا عن الحدود مع الجولان المحتل، يمنع فيها أى تواجد للقوات السورية، بحسب الإعلام الإسرائيلى.
يُضاف ذلك إلى عمليات القصف التى تستهدف مواقع وزارة الدفاع السورية فى محافظات الجنوب السورى، إضافة إلى التوغلات الإسرائيلية المستمرة فى قرى الجنوب السورى، عند المنطقة العازلة التى تحتلها إسرائيل فى جنوب غرب البلاد.
* البوصلة خارج الخارطة
اختلطت بعد معركة طوفان الأقصى فى السابع من تشرين الأول، أكتوبر ٢٠٢٣، خرائط المنطقة والشرق الأوسط، وما حدث فى فلسطين المحتلة ولبنان وسوريا، يحيل الأزمة إلى أسئلة الخرائط الموعودة، والتى محورها بات يقترب من فلسطين، وصولًا إلى سوريا فالعراق، وبالتأكيد الوضع اللبنانى، الذى يصارع الخروج بجدية من عنق الزجاجة.
وفى حالة سوريا الانتقالية، ها هى تتناوب، بين شر تزايد، وعلينا وعى ما اتضحت عليه كواليس ونتائج وأسباب توقيع الاتفاق بين الحكومة السورية الانتقالية وقوات سوريا الديمقراطية «قسد»، حيث أوضح مسئولون فى وزارة الدفاع الأمريكية أن قائد القيادة الوسطى فى الجيش الأمريكى، ساهم بدفع «قسد» لتوقيع الاتفاقية، بالمقابل تدرّج الموقف التركى المعلن بين التفاؤل الحذر، وتأييد تطبيق الاتفاق واعتبار تنفيذه يصب فى مصلحة السوريين.
وفى الخلاصة: الجهد الذى بُذل من أجل التوصل إلى الاتفاق بين دمشق وقسد، كان أمريكيًا بالدرجة الأولى، ومرتبط بحسابات واشنطن ورغبتها فى تعزيز الاستقرار من أجل خلق أرضية مناسبة لإعادة انتشارها فى سوريا.
ترحيب تركيا، رغم الحذر والتخويف من الآتى، بالاتفاقية نابع من شعورها بتوفير بعض متطلبات الأمن القومى التركى، حيث نصّ على وحدة الأراضى السورية، بالإضافة إلى الإشارة لاندماج «قسد» ضمن مؤسسات الدولة، وهى مطالب نادت بها أنقرة ودعمتها طيلة الفترة السابقة.
أيضًا، الإدارة الأمريكية، دعمت قائد «قسد» مظلوم عبدى للتوقيع مع أحمد الشرع/الجولانى بصفته رئيسًا لسوريا الانتقالية، يعنى بطبيعة الحال إقرارًا أمريكيًا بالوضع الراهن فى سوريا، وعملًا مؤقتًا مع عدم رفع العقوبات.
نحن أمام سيناريوهات تكتب وتعد، سوريا الانتقالية لن تتمكن من نفى احتياجها لجوارها العربى، والدعم الذى يمكن أن يعيد إعمار سوريا اليوم، من واقع، أن السلطة التى تقود سوريا الانتقالية ما زالت مرعوبة، خائفة من مواجهة حقوق المد الطائفى المكون لسوريا التى تبحث عن الاستقرار والوحدة، والاحتياج للخبرة الدبلوماسية والسياسية والتنسيق مع الدول العربية الفاعلة المؤثرة؛ الأردن من دول الجوار وأيضًا مصر كقوة إقليمية عربية إفريقية، لها دورها فى تعزيز التنسيق والتشاور المشترك، وأبرز مثال على ذلك نجاح التنسيق والتشاور ووحدة الحال بين الأردن ومصر، فى معالجة ومقاومة محاولات تهجير الشعب الفلسطينى من غزة ورفح والضفة الغربية، وهذا التنسيق، بات نموذجًا على قوة القيادات والزعماء والملوك والرؤساء العرب الذين أكدوا أن فى القوة وحدة، ما جعل الرئيس الأمريكى ترامب، والإدارة الأمريكية ترحب بما فى الخطة المصرية العربية لإعادة إعمار وتمكين قطار غزة، حالة استثنائية فى العمل العربى المشترك.
لهذا: سوريا الانتقالية، حالة سياسية وأمنية تجعلنى انتظر، أتوجس من طلقة طائشة.. لأشهر أو أكثر من سنة.