إيران على خط المفاوضات الأميركية– الروسية
بقلم: طوني فرنسيس

النشرة الدولية –
المفاوضات أو الحرب، تلك هي حصيلة المواقف التي يكررها الرئيس الأميركي دونالد ترمب منذ مدة في شأن إيران والتي اختصرها عبر رسالته الشهيرة إلى المرشد علي خامنئي. ومع الإلحاح على المفاوضات تحركت القوات الأميركية في البحر والجو، فانتشرت حول إيران من قاعدة غوام إلى الخليج والبحرين الأحمر والمتوسط. وبحسب ما ينقل عن أوساط عدة فإن ما تريده الولايات المتحدة من القيادة الإيرانية يختصر بثلاثة أشياء، منع إمكان وصول إيران إلى امتلاك الأسلحة النووية وضبط أسلحتها الصاروخية ووقف دعمها لميليشياتها في الدول العربية.
وترمب في مطالبته إيران بالاستجابة لهذه المطالب، يضع مهلاً زمنية، فهو تحدث عن مهلة تنتهي في سبتمبر (أيلول) المقبل، فيما أشار متابعون إلى مهلة شهرين للتفاوض. وإزاء ذلك تشددت إيران ثم أبدت مرونة، وتحدثت عن قبولها بمفاوضات غير مباشرة، ونقل عن قادتها أنهم سحبوا عسكرييهم من اليمن، وفسر ذلك بأنه خطوة على طريق فك الالتزام تجاه “الأذرع” الإقليمية، لكن الأهم من ذلك كان لجوء إيران إلى ما بقي لها من علاقات دولية وإقليمية علها تجد فيها ما يساعد على فك طوق النار المحكم الذي يلتف حولها.
ونشطت طهران على خط موسكو التي بدأت للتو مفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية بهدف استعادة العلاقات الطبيعية بين البلدين ووقف الحرب في أوكرانيا، وتضامنت روسيا في المبدأ مع إيران من زاوية رفض اللجوء إلى القوة والتمسك بالدبلوماسية والتفاوض.
وحذرت موسكو على لسان نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف من أن توجيه ضربات للبنية التحتية النووية الإيرانية ستكون له عواقب “كارثية” على المنطقة بأسرها، وانتقد “إنذارات” ترمب لإيران واعتبرها “غير لائقة ونندد بها”.
في الأثناء رفض خامنئي القول بوجود “وكلاء” لطهران وقال إن “في هذه المنطقة قوة وكيلة واحدة وهي الكيان الصهيوني الغاصب والمجرم”. وبدلاً من تقديم أجوبة مباشرة عن رسائل ترمب، قال خامنئي “سوف تجتث جذور الصهاينة من فلسطين والمنطقة”، و”إذا قاموا بأي عمل شرير فسيتلقون ضربة شديدة ومماثلة. وإذا فكروا بإثارة فتنة في الداخل فإن الشعب الإيراني سيرد عليهم كما فعل في الماضي”.
وكشف خامنئي خلال خطابات عيد الفطر عن مخاوفه ليس فقط من هجوم خارجي، بل من “فتنة داخلية” بدت بالنسبة إليه أكثر إثارة للقلق، وترك للرئيس مسعود بزشكيان وحكومته التصرف لمعرفة إلى أين يمكن الوصول مع ترمب في المفاوضات، وعندها نشط بزشكيان لتلمس فرص تجنب الصدام عبر إرسال موفديه إلى موسكو وعبر سلسلة اتصالات مع مسؤولين خليجيين وعرب، أبرزها اتصاله مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
لا بد من أن إيران ترى في المفاوضات الروسية- الأميركية فرصة للدخول من الباب الروسي بمعية الأصدقاء الروس ومن ورائهم الصينيين، ولروسيا مصلحة هي الأخرى في خوض الحوار مع أميركا وهي مزودة بعلاقة خاصة مع طهران، مما يضيف أوراقاً تفاوضية في يدها.
وتعرف إيران أن “موضوع التفاعل بين روسيا وأميركا لا يقتصر على أوكرانيا أو حتى أوروبا، فموسكو وواشنطن لديهما مصالح واسعة في عدد من المناطق، بما في ذلك في الشرقين الأدنى والأوسط”، كما جاء ضمن تحليل لصحيفة “إزفيستيا” الروسية مطلع الأسبوع الماضي.
ولذلك تعمل طهران كي تحتل المسألة الإيرانية مكانتها في أي نقاش أميركي- روسي، وستحاول الاتكاء على “الشريك” الروسي لعل التفاهمات الأميركية- الروسية تخفف عنها بعض الضغط، لكن الأمور ليست بهذه السهولة. فعلى رغم تبادل الزيارات بين مبعوثي ترمب وبوتين إلى موسكو وواشنطن، لا تزال الشكوك تحيط بمستوى تقدم مشاورات الطرفين مع إبدائهما الحرص المشترك على تحقيق نتائج ملموسة. وبالنسبة إلى روسيا هناك تجاه الأميركيين “مشاعر متراكمة من عدم الثقة”، ولدى ترمب رغبة في تسجيل تقدم سريع، لكن اقتراح بوتين إزاحة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل الاتفاق في شأن أوكرانيا جعله يبدي انزعاجه.
ومع ذلك زار مبعوث بوتين كيريل ديمترييف واشنطن، واعتبرت موسكو مجرد حصول الزيارة “مؤشراً على أن الأميركيين يتعاملون مع المفاوضات بمسؤولية وحسن نية”. وما لم يتناوله الإعلام الرسمي عن جدول أعمال ديمترييف في واشنطن كشف عنه محللون روس، فعلى بساط البحث طرحت “آفاق العمل المشترك في مجال الفضاء والقطب الشمالي والتعاون في مجال المعادن النادرة والطاقة”.
والجانبان يبحثان شؤون العالم ويستعدان لقرارات وتفاهمات حولها ستطرح خلال القمة المرتقبة بين بوتين وترمب التي يرجح عدد كبير من المراقبين أن تُعقد في السعودية التي رعت منذ البداية انطلاقة مسار استعادة العلاقات الأميركية- الروسية.
من هنا يرتدي الاتصال الذي أجراه بزشكيان مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الأسبوع الماضي أهميته الخاصة، فالرئيس الإيراني يعرف تماماً أهمية دور الرياض في ترتيب أكبر تحول في السياسة العالمية منذ مطلع القرن، وبلاده تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى مساعدة دول الخليج وفي مقدمتها السعودية لتجنب العزلة والضربات المحتملة.
وكان البيان الإيراني عن الاتصال تفصيلياً ولافتاً للأنظار، فيما اقتصر البيان السعودي على القول إنه تناول التطورات ومسائل مشتركة.
وذكرت الرئاسة الإيرانية أن بزشكيان أبدى استعداد طهران “للتفاعل والتفاوض من أجل حل بعض التوترات على أساس المصالح والاحترام المتبادل” وأنها “لا تبحث عن الحرب”. وكان بارزاً في البيان الإيراني ما نقله عن الأمير محمد بن سلمان من أن “التعاون بين إيران والسعودية يمكن أن يسهم بصورة فاعلة في تعزيز الاستقرار وإرساء السلام، وأن الرياض مستعدة للقيام بدور يساعد على حل أي توتر وأي زعزعة للأمن في المنطقة”.
ولا شك في أن إيران ترى في السعودية الآن طرفاً يمكن الاعتماد عليه في التوصل إلى مخارج، خصوصاً مع تنامي الدور الكبير الذي تضطلع به الرياض في ترتيب الحوار الأميركي- الروسي وعشية استضافتها المرتقبة لترمب، وربما للقاء الأبرز بينه وبوتين، لكن الأمور في خواتيمها ومصير الاشتباك الأميركي- الإيراني لن يكون معزولاً عن حصيلة المفاوضات الأميركية – الروسية.