بعض العائلات عـــن واجــب التــربيـــة
بقلم: رنا حداد

النشرة الدولية –
اليوم تتسلل من بين أيدينا أزمة لا تقل خطورة عن أي أزمة اقتصادية أو سياسية: أزمة التربية.
نعم، بكل وضوح، هناك جيل كامل يُربّى حاليًا على يد شاشات الهواتف، ويترعرع على مفاهيم «اللايكات»، ويتعلّم من تيك توك أكثر مما يتعلّم من أهله أو مدرسته أو بيئته.
جيل يعرف كيف يفتح حسابًا على «إنستغرام»، لكنه لا يعرف كيف يغلق فمه عن الإساءة.
جيل يعتقد أن حرية التعبير تعني الهجوم، وأن الجرأة تعني التمرد على كل قيمة.
ومؤخرًا، بدأنا نلحظ سلوكًا خطيرًا ومتكررًا على منصات التواصل: مراهقون ومراهقات، بعضهم بالكاد تجاوز الرابعة عشرة، يكتبون منشورات مفعمة بالكره تجاه بلدهم، وكأن الوطن هو العدو. منشورات لا تُعبّر عن وعي سياسي أو اقتصادي، بل عن خيبة مشوّهة، لا تُعرف أصولها، لكنها تلقى إعجابات بالمئات.
ولعل المفارقة الأكثر إيلامًا، أن كثيرًا من هؤلاء المراهقين نشأوا في بيوت لم تبخل عليهم بشيء: تعليم، أجهزة، رحلات، ملابس، وربما حتى حرية «أكبر من حجمهم»… لكن ما فُقد في الطريق كان الأهم: التوجيه، الرقابة، التربية على النعمة قبل الطموح.
السؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم بجرأة: من يربّي أبناءنا؟
هل هم الأهل؟ أم الحسابات الوهمية؟ هل هو البيت؟ أم «المحتوى» الذي لا يعرف أحد من يصنعه؟
لا يكفي أن تشتري لطفلك هاتفًا ذكيًا وتفتخر بأنه «يعرف أكثر منك بالتكنولوجيا».
المسؤولية لا تتوقف عند توفير الإنترنت، بل تبدأ من هناك.
نحن بحاجة أن نعيد لأولادنا مفاهيم بدائية لكنها أساسية:
الشكر. التقدير. الأدب. الأخلاق. الإحساس بالنعمة قبل التذمر من النقص.
نحن بحاجة أن نعلّم أبناءنا كيف يطالبون بحقوقهم بأدب، لا أن يصبّوا سمّهم على كل ما حولهم.
نحن بحاجة إلى أن نربيهم على الوعي لا على «الترند»، على الانتماء لا على التنمر، على النقد البناء لا على الشتائم الملفوفة بكلمات «منمقة».
ما يؤلم أكثر، أن البعض بات يربي أولاده على مبدأ «اغمزلي وطايبلي»، أي امدحني ولا تناقشني، صفّق لي ولا تعارضني، وافقني ولا توجّهني.
هكذا يتحول الطفل إلى مراهق هش، لا يحتمل رأيًا مخالفًا، ولا يتقبل توجيهًا، ولا يعترف بالخطأ.
جيل بلا توجيه سيصير جيلًا بلا بوصلة.
وجيل بلا بوصلة، قد يتحول إلى جيل بلا وطن.
التربية ليست ترفًا، ولا تُؤجَّل حتى يكبر الطفل «ويفهم لحاله».
التربية مسؤولية تبدأ من اللحظة الأولى، وتُمارَس كل يوم، ولا تنتهي عند بوابة المدرسة أو ضغطة زر على هاتف.
ربّوا أولادكم لا حساباتهم.
راقبوا محتواهم، ناقشوهم، صحّحوا مفاهيمهم قبل أن تجدوا أنفسكم غرباء في بيوتكم، ووطنكم متَّهَم من أقرب الناس إليه.