لماذا تعمدت الصين تخفيض قيمة عملتها؟
انخفضت قيمة عملة الصين إلى أدنى مستوياتها في أكثر من عشر سنوات، مما دفع الولايات المتحدة إلى تصنيف بكين بأنها “تتلاعب بالعملة”.
وجاءت الخطوة الأمريكية يوم الاثنين، بعد أن هبطت العملة الصينية دون مستوى سبعة يوانات لكل دولار أمريكي للمرة الأولى منذ عام 2008.
وكانت بكين تحرص في السابق على الحيلولة دون انخفاض قيمة عملتها عن المستوى الرمزي.
وعزا مراقبون تغيير الصين سياستها إلى تصاعد وتيرة الحرب التجارية، وتهديدات الولايات المتحدة التي تتعلق برفع التعريفة الجمركية مرة أخرى على الواردات الصينية.
وقال بنك الصين الشعبي، يوم الاثنين، إن اليوان تراجع مدفوعا بـ “تدابير حمائية تجارية أحادية الجانب وفرْض زيادات في التعريفات الجمركية على الصين”.
ويأتي ذلك بعد أيام من إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن اعتزامه فرض تعريفات بنسبة 10 في المئة على ما قيمته 300 مليار دولار أمريكي من البضائع الصينية، مما سيلقي بتبعاته على كافة الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة.
كيف تقيّم الصين عملتها؟
لا يجري تداول اليوان بحريّة؛ فالحكومة الصينية تقيّد حركته ضد الدولار الأمريكي في الأسواق.
وبخلاف البنوك المركزية الأخرى، لا يُعدّ بنك الصين الشعبي مستقلا؛ ويشهد تدخلات عند حدوث تغيرات كبرى في قيمة الفائدة.
وقال جوليان إيفانز-بريشتارد، وهو من كبار خبراء الاقتصاد الصيني في شركة كابيتال إيكونميكس، إن بنك الصين الشعبي إذْ يقرن خفض قيمة اليوان بآخر التهديدات الخاصة بالتعريفات، فإنه يُحصّن سعر الصرف بشكل فعال، حتى وإن لم يستبق بخفض قيمة العملة عبر تدخل مباشر”.
ما تداعيات خفض قيمة اليوان؟
يعمل انخفاض قيمة اليوان على زيادة تنافسية الصادرات الصينية، بما يخفض قيمة شرائها بالعملات الأجنبية.
ومن المنظور الأمريكي، تُرى هذه الخطوة على أنها محاولة لتعويض أثر رفع التعريفات على الصادرات الصينية إلى أمريكا.
وبينما يبدو الأمر في صالح المستهلكين حول العالم – ممن بات في متناولهم شراء المزيد من المنتجات الصينية بسعر رخيص – فإنه يحمل في طياته مخاطر أخرى.
في المقابل، يؤدي انخفاض قيمة اليوان إلى رفع سعر الصادرات إلى الصين، مما يهدد بزيادة معدلات التضخم وإجهاد اقتصادها المتباطئ أصلا، فضلا عن دفع المستثمرين في العملة إلى البحث عن وجهة أخرى للاستثمار.
هل أقدموا على ذلك من قبل؟
نعم. في عام 2015، خفض البنك المركزي الصيني قيمة عملته إلى أدنى مستوياتها في ثلاث سنوات مقابل الدولار الأمريكي. وقال البنك إن الخطوة صُممت لتعزيز إصلاحات في السوق.
المرة الأخيرة التي تداول فيها اليوان عند هذا المستوى (سبعة مقابل الدولار الواحد) كانت إبان الأزمة الاقتصادية العالمية.
وقال إيفانز-بريشتارد، من كابيتال إيكونميكس، إن الصين طالما قالت إن هذا المستوى هو حدّ أدنى تعسفي، “وقد تدخلتْ في السابق لمنع العملة دون التراجع عن هذا الحد”.
ماذا يغضب الولايات المتحدة في ذلك؟
إن زيادة قدرة البضائع الصينية على التنافس تضرب في القلب من الحرب التجارية التي يشنها ترامب ضد بكين.
وطالما اتهم الرئيس الأمريكي الصين بخفض قيمة عملتها لدعم صادراتها، وهو ما تنكره بكين.
وعلى الرغم من ربط الخفض الأخير في قيمة اليوان بالحرب التجارية، فإن الصين استمرت في نفي الدخول في “تنافس على خفض قيمة العملة”.
وقال محافظ البنك الصيني الشعبي، يي غانغ، يوم الاثنين، إن “الصين لن تدخل في تنافس على خفض قيمة العملة، ولن تستهدف سعر الصرف لأغراض تنافسية”.
ما وجه الإثارة في التلاعب بالعملات؟
يرى البعض في التلاعب بالعملة -من الصين أو أي دولة أخرى- انتهاكا لقواعد التجارة العالمية عبر منح امتيازات تنافسية غير عادلة.
وتتمكن الدولة من فِعل ذلك عبر عمل تضخّم مصطَنع أو خفْض سعر الصرف. وقد يسهم ذلك في زيادة تنافسية الصادرات لتفادي التضخم أو تقليص تدفقات رؤوس الأموال.
ويقول لورنس هوارد، في دراسة نشرتها مجلة كلية الحقوق في جامعة إيموري الأمريكية إن للتلاعب بالعملة “تبعات خطيرة على السوق العالمية”.
ويضيف هوارود: “يمكن اعتبار التلاعب بالعملة مسؤولا عن ضياع ملايين الوظائف في الولايات المتحدة وعن ضياع عدد أصغر، ولكنه لا يزال كبيرا من الوظائف في أوروبا”.
ما مستقبل اليوان؟
يتوقع محللون أن يشهد اليوان مزيدا من التراجع.
وقال إدوارد مويا، وهو خبير استراتيجي في تحليل الأسواق، إنه ينبغي توقع استمرار تدني قيمة اليوان، ونتوقع “خمسة في المئة أخرى بنهاية العام الجاري”.
وتتوقع شركة كابيتال إيكونميكس أن ينهي اليوان تعاملات السنة الجارية عن 7.30 مقابل الدولار الأمريكي، مقارنة بتوقعات سابقة عند 6.90.