ناشطان من “الإشتراكي”… أول ضحايا التعميم الرئاسي اللبنانية* سوسن مهنا

النشرة الدولية –

أُوقف المناصران من الحزب “التقدمي الاشتراكي” سلطان منذر وكمال خداج، الجمعة الرابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2019، بعد منشورات لهما على صفحاتهما على مواقع التواصل الاجتماعي، تضمنت “انتقادات للأوضاع الاقتصاديَّة والمعيشيَّة بالبلاد”.

وكان مكتب البقاع الجنوبي في منظمة الشباب التقدمي نظّم وقفة تضامنيَّة مع الناشط الموقوف سلطان منذر، في بلدته ضهر الأحمر بقضاء راشيا الوادي، بحضور ممثلين عن الحزب “التقدمي الاشتراكي” والبلديات وممثلي المنظمات الشبابيَّة والنسائيَّة، وزوجة الموقوف منذر، وحشد من الأهالي والأصدقاء.

مماطلة بالإصلاحات الحقوقيَّة

لكنّها ليست المرة الأولى التي يَستدعي فيها القضاء ناشطين أو صحافيين بسبب مقالٍ أو رأي نُشر عبر وسائل الإعلام المختلفة، إذ سُجَّل أكثر من 35 انتهاكاً للحريات الإعلاميَّة في لبنان خلال فترة زمنيَّة قصيرة.

وخلال الأيام العشرة الماضيَّة اُستدعي أكثر من خمسة ناشطين إلى التحقيق، وتخوَّفت مراجع قانونيَّة وحقوقيَّة في لبنان ومنظمات دوليَّة مما وصفته بـ”تضييق مساحة التعبير” في البلاد، و”قمع الحريات”، منها منظمة “هيومن رايتس ووتش” التي ذكرت في تقريرها أن “القيود على حريَّة التعبير في لبنان اشتدت في ظل مماطلة بالإصلاحات الحقوقيَّة”.

حملة استدعاءات

كما وسبقت هذه الإجراءات استدعاءات عدة شملت صحيفة “نداء الوطن”، حين طلبت وزارة العدل من المباحث الجنائيَّة المركزيَّة استدعاء رئيس تحرير الصحيفة بشارة شربل والمدير المسؤول جورج برباري، واعتقال الناشط أحمد أمهز، الذي تحوَّلت قضيته إلى قضيَّة رأي عام بعدما طالبت جمعيات حقوقيَّة عدة، ومنها “هيومن رايتس ووتش” بالإفراج الفوري عنه.

كما طالت الملاحقة القانونيَّة بدعوى القدح والذم المحامي والناشط الحقوقي نبيل الحلبي والكاتب هاني النصولي، وأسماء كثيرة قد نغفل عن ذكرها كلها.

تعميم رئاسي

لكنْ الجديد هذه المرة، أن اعتقال الناشطين من التقدمي جاء بعد التعميم الذي صدر عن مكتب الإعلام في رئاسة الجمهوريَّة بتاريخ الـ30 من سبتمبر (أيلول) 2019، الذي نصّ على المادة 209 من قانون العقوبات التي تحدد ماهيَّة النشر، والمادتين 319 و320 من القانون نفسه، التي تحدد العقوبات التي تنزل بمرتكبي جرائم النيل من مكانة الدولة الماليَّة.

كما يشير التعميم إلى “ملاحقات قضائيَّة ستشمل كل من روّج لانهيار الليرة اللبنانيَّة وأوحى بوجود أزمة سيولة”.

وكان التعميم ذكّر بنصوص المواد القانونيَّة التي تحظر “تلفيق وقائع أو مزاعم كاذبة لإحداث التدني في أوراق النقد الوطنيَّة، أو لزعزعة الثقة في متانة نقد الدولة وسنداتها وجميع الأسناد ذات العلاقة بالثقة الماليَّة العامة”، وبأن عقوبة هذه الجرائم “تصل إلى السجن ثلاث سنوات وغرامات ماليَّة من 500 ألف ليرة إلى مليوني ليرة”.

ضوء أخضر

وفسّرت مصادر قانونيَّة لـ”إندبندنت عربيَّة” هذ التعميم بأنه “ضوءٌ أخضرٌ” للسماح بملاحقة وسائل إعلام وناشطين، عبروا أو قد يعبرون عن آرائهم في المستقبل عن الأزمات الاقتصاديَّة التي تواجه البلد.

وكانت مصادر مقرّبة من قصر بعبدا صرَّحت إلى وسائل إعلام عن وجود توجّه لـ”ملاحقة المتورطين في الإشاعات”.

وأكدت المصادر نفسها أن التعميم “موجّه إلى كل من أشاع أو روّج لانهيار الليرة عن قصد”، وإلى أن “رئاسة الجمهوريَّة أرادت التذكير بأن المساس بالعملة الوطنيَّة يُعاقب عليه القانون، وكي لا يتذرّع أحد عند ملاحقته بأنه غير مدرك أبعاد ما يقوم به”.

دولة بوليسيَّة

وللاطلاع على قانونيَّة اعتقال الناشطين تحدثت “إندبندنت عربيَّة” مع عضو المجلس القيادي في الحزب التقدمي المحامي نشأت الحسنيَّة، وهو المحامي الذي كُلَّف من قبل التقدمي للدفاع عن منذر وخداج.

يقول الحسنيَّة، “في الشكل، تختلف طريقة توقيف الشابين، فبالنسبة إلى سلطان منذر أُوقف من قِبل القضاء المختص أي النيابة العامة التمييزيَّة، بعد التحقيق معه من قِبل المباحث الجنائيَّة، وسوف يحوّل إلى القاضي المنفرد الجزائي يوم الإثنين السابع من أكتوبر (تشرين الأول)”.

وأضاف، “أمَّا بالنسبة إلى خداج فقد أوقف من قبل استخبارات الجيش، وأُحيل ملفه إلى المفوّض الحكومي الذي اعتبر أن لا صلاحيَّة له للنظر في قضايا مماثلة، وأحال الملف مجدداً إلى النائب العام الاستئنافي. والشرطة العسكريَّة لا صلاحيَّة لها للتدخل بقضايا مماثلة، أي قضايا حريات عامة والتعبير عن الرأي، وما حدث جرى في إطار قمع حريات وتكميم أفواه، والأجدى بالجيش أن لا يتحرَّك في هكذا حالات وليبقى بعيداً عن الإيعازات السياسيَّة، ومع الأسف لبنان يتحوَّل شيئاً فشيئاً إلى دولة بوليسيَّة”.

التعويل على نزاهة القضاء

أمَّا بالنسبة إلى الدعوى المقامة والتعرُّض إلى مقام رئاسة الجمهوريَّة وإلى أين يتجه التحقيق؟ يقول الحسنيَّة إن “سلطان كان سحب المنشور قبل الادعاء عليه، لذا لا نرى مبرراً من الدعوى ضده. أمَّا بالنسبة إلى خداج فسوف نطالب بإحالته إلى القضاء المختص، لكن نتمنّى أن يُحاكم من قِبل قضاة غير منحازين، وكل ما فعله هؤلاء الناشطون أنهم أطلقوا صرخة غضب ضد الوضع القائم. أمَّا عن التعرض لمقام رئاسة الجمهوريَّة، فهناك مقامات عدة يتعرض لها الناشطون على وسائل التواصل، وهي أيضاً مقامات مهمة، ولها موقعها في البلد، كمقام رئاسة الحكومة ومجلس النواب. وهناك كثر يتعرضون إلى مقام رئيس الحزب وليد جنبلاط، لكنه يتعاطى مع الانتقادات بسعة صدر وتفهم”.

وعن التدخلات القضائيَّة في الأحكام والمحاكمات، أجاب الحسنيَّة “كنا وسنبقى مؤمنين بالقضاء ونزاهته في لبنان، لكن أصبح معلوماً في قصور العدل وضمن أجواء المحامين ولدى المواطنين أنفسهم، أن هناك قضاةً شرفاءً، وقضاةً تابعين ومنحازين إلى بعض السياسيين، لكن يبقى بالنسبة إلينا كحزب تقدمي أن نشدد على إعادة ترميم مؤسسات الدولة، لكي يبقى القانون والقضاء والدستور الملاذ الذي نلتجئ إليه”.

استهداف التقدمي

وفي سؤال عمَّا إذا كان “التقدمي” مستهدفاً سياسياً من وراء هذا التوقيف؟ يجيب الحسنيَّة “باتت لدينا معلومات شبه مؤكدة أن الدوائر المحيطة بالقصر الجمهوري تستهدف الحزب مباشرة في السياسة، وقد أوعزت إلى النيابات العامة على أراضي الجمهوريَّة كافة بملاحقة ناشطي التقدمي، وإلا لما هذه الصدفة أن يُعتقل ناشطون من الحزب الأول من بلدة ضهر الأحمر في البقاع والثاني من بلدة رويسة البلوط بالمتن؟”.

في بدايّة عهده أعلن رئيس الجمهوريَّة ميشال عون أن “القضاء لن يكون في عهده منظومات مرتهنة لأحد، بل سلطة تمارس رسالتها بوحي من ضمير القاضي الحر والنزيه والمحايد، فتتوافر معه ضمانات المتقاضين كاملة وغير منقوصة”.

حقٌ مقدسٌ

لكن ماذا عن كل هذه الاستدعاءات والمحاكمات؟ يقول أمين السر العام ظافر ناصر لـ”إندبندنت عربيَّة”، إن “حريَّة التعبير مصونة بموجب الدستور، وتحديداً مقدمته التي تشكّل القواعد العامة الأساسيَّة التي يقوم عليها نظامنا، وكنا في الحزب التقدمي من الأوائل المدافعين عن حريَّة التعبير والدفاع عن المظلومين حتى أولئك الذين نختلف معهم في السياسة، لأنه بالنسبة إلينا حق التعبير حق مقدس، والقيمة الأساسيَّة في هذا البلد هي حريَّة الرأي والتعبير. ونحن في الحزب حريصون دائماً على أدبيات معينة، منها عدم الإساءة أو التجريح، لذا نمارس الرقابة الذاتيَّة، ونعبر عن آرائنا ضمن الأدبيات المعروفة لدينا. لكن الاستدعاءات طالت فريقاً سياسياً معيناً، بينما يصرح الآخرون بآرائهم عبر وسائل الإعلام المختلفة. ونصيحتنا لأولئك الذين يلاحقون الناس بسبب تعبيرهم عن غضب مكبوت في ظل أزمة اقتصاديَّة خانقة، أن يعيدوا النظر في مواقفهم”.

زمن الوصايَّة السوريَّة

وماذا عن التعرض إلى سلطة رئاسة الجمهوريَّة؟ يقول ناصر “عدم قدرة الحاكم على تحمّل النقد وضيق صدره من الانتقاد يعنيان أن ثمة خللاً في القدرة على استيعاب الآخر، والقبول بالحوار مع الشريك بالوطن، الذي لا يجوز أن يعتبر عدواً، لأنه مواطنٌ يسعى إلى خدمة الوطن. وهذه الممارسات ذكَّرتنا بنظام الوصايَّة السوريَّة، وهو التصرُّف الذي لن نسكت عنه، إنما ضمن الأصول والأطر القانونيَّة. فقد كنّا أول من وقف مع صحيفة (نداء الوطن). لكن مع الأسف هذه السلطة بتصرفاتها تبتعد عن الأطر الديموقراطيَّة، وتتجه صوب انتهاج سياسة جديدة في التعاطي، هي سياسة كم الأفواه. ونحن في الحزب سنكون سداً منيعاً ضد هذه الممارسات”.

وكانت منظمة “الشباب التقدمي” دعت إلى وقفة رمزيَّة دفاعاً عن حريَّة الرأي والتعبير، ورفضاً للاستدعاءات المتكررة بحق الناشطين والصحافيين، وذلك في ساحة سمير قصير نهار السبت الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) الساعة السادسة مساءً، كما أطلقت على مواقع التواصل حملة بعنوان #لن_نسكت_اعتقلونا.

سياسة كم الأفواه

وعن هذا الموضوع تحدَّث وكيل داخليَّة “التقدمي” رباح القاضي لـ”إندبندنت عربيَّة”، قائلاً “التوقيف الذي حدث هو استهدافٌ للحريَّة، هذه الحريَّة التي دفع ثمنها المواطن اللبناني غالياً. فاللبناني نشأ وترعرع على حريَّة الرأي والتعبير، ولا يمكن لأحد أن يسلبه هذه الحق، حاول الكثيرون وفشلوا، وفي المستقبل لن ينجح أحد في سياسة كم الأفواه وقمع الحريات. أمَّا بالنسبة إلى السلطة السياسيَّة الحاليَّة، فإنها تنتهج سياسة ضيق الصدر والتخبط وكم الأفواه والتهرب من المشكلات الحقيقيَّة التي يعانيها البلد من أزمات معيشيَّة واقتصاديَّة. وبالنسبة إلى الناشطين الحزبيين الموقوفين، فجلَّ ما فعلاه أنهما أطلقا صرخة تعبّر عما يعانيه الشباب اللبناني من أزمات، وبدل أن تقوم السلطة الحاليَّة بمواجهة الأزمات التي يعانيها الشاب، فإنها لجأت إلى سياسات القمع والاعتقالات، ونحن في الحزب نلتزم بأدبيات كمال جنبلاط وبخطابنا وننتقد بالسياسة، ونبتعد عن أي تجريح شخصي”.

وعمَّا إذا كان هناك من تدخلات سياسيَّة لتهدئة الأمور؟ يجيب القاضي “منذ اللحظة الأولى يتابع رئيس الحزب وليد جنبلاط هذا الموضوع شخصياً، وقد كلَّف المحامي نشأت الحسنيَّة بالمتابعة القانونيَّة، والوزير وائل أبو فاعور بالمتابعة السياسيَّة، لذا يتابع الوزير هذا الأمر لحظةً بلحظة مع الجهات الأمنيَّة والرسميَّة”.

كَفِلَ الدستور اللبناني في مقدمته حريَّة الرأي والمعتقد، ونصّت المادة الثامنة منه على أن الحريَّة الشخصيَّة مصونة، وفي حمى القانون، كما نصّت المادة 13 على حريَّة إبداء الرأي قولاً وكتابة وحريَّة الطباعة وحريَّة الاجتماع وحريَّة تأليف الجمعيات، كلها مكفولة ضمن دائرة القانون. فهل ما زال هذا الدستور ساري المفعول؟

نقلاً عن إندبندنت عربيَّة

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى