التبن والتبر في الصفقة* أحمد الصراف

النشرة الدولية –

بعد انتظار طال، كشف الرئيس الأميركي وصهره، وبحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي وزعيم المعارضة في اسرائيل، عن «صفقة القرن»، التي سارعت القيادات الفلسطينية لرفضها، حتى قبل معرفة تفاصيلها، وتعاملت أطراف أخرى، دولية وإقليمية ومحلية، معها بمواقف متباينة، واتخذت غالبية الدول العربية مواقف غامضة منها، وكأنها «مشتهية ومستحية».

وعارض صحافيون كبار ومدونون الاتفاقية وأيدها آخرون، كآخر فرصة لتأسيس دولة فلسطينية، ورد عليهم غيرهم بأن أطماع إسرائيل وخبث المتشددين فيها، لن يتركا للدولة الجديدة مستقبلا، والقضم سيستمر، خاصة بعد تخلي حماس عن سلاحها. قد يكون معارضو الاتفاقية على حق، ولكن ما هي الخطوة التالية غير الوقوف في البرد والحر والتشرد بانتظار معجزة لن تأتي قريبا؟ وحتى بقاء الوضع الحالي البائس، غير مؤكد، مع اصرار الإسرائيليين على تنفيذ ما يخصهم من بنود الصفقة، بصرف النظر عن قبول الفلسطينيين أو رفضهم لها، خاصة ان العالمين العربي والإسلامي والفلسطينيين أنفسهم لم يكونوا يوما بمثل هذا الاختلاف والتشرذم! ويقول البعض إن ما هو موجود على الطاولة اليوم لن يكون موجودا غدا، ورفض الصفقة اليوم يأتي ضمن سلسلة من حالات الرفض الفلسطيني التي سبقتها، فلجنة «بيل» البريطانية اقترحت عام 1936 حل الدولتين وأعطت الفلسطينيين ٩٠ في المئة من فلسطين، ولكن حلها رفض. وفي 1947 اقترحت الأمم المتحدة حلا، لقي المصير نفسه، وكان الرفض مصير مشروع آيزنهاور عام 1957 ومقترحات بورقيبة، 1965، على أساس «خذ وطالب»، ومشروع روجرز 1978 واتفاقيات كامب ديفيد عام 2000! موقفي الشخصي لا يختلف عن موقف الملايين الذين عاشوا القضية منذ يومها الأول، وبالتالي لا أجد نفسي مع المؤيدين ولا مع المعارضين، بل مع الشعب الفلسطيني الذي لم يطلب أحد رأيه منذ مئة عام تقريبا. مئة عام من الكفاح، الفردي والعشوائي، وسبعون عاما من التشرد والمعاناة والتعرض لكل أنواع التفرقة والحرمان والمذلة، والقتل من كل الأطراف، الشقيقة قبل الصديقة، دع عنك العدو، ولا أحد سأل الفلسطيني يوما عن حقيقة تطلعاته. سبعون عاما لم تعرف فيها القضية يوما انتخابات حرة شاملة لفلسطينيي الداخل وفلسطينيي الشتات. سبعون عاما لم نسمع فيها إلا أسماء زعماء تبرز وتشتهر وتحارب وتقتل، وتقبل وترفض مختلف الاتفاقيات، كل ذلك باسم الشعب الفلسطيني، دون ان يكون لهذا الأخير أي رأي أو دور! لا شك أن لكل طرف الحق في أن يبدي ما يشاء من آراء، يقبل الاتفاقية أو يركلها بقدميه، ولكن ماذا عن صاحب الحق الشرعي؟ لماذا يكون لحماس وعباس الحق في تقرير مصير أكثر من خمسة ملايين فلسطيني، ولا يكون لهؤلاء الذين عانوا من الظلم والعيش في أسوأ الظروف، سواء في الشتات أو السكن في عشرات مخيمات القماش وبيوت الصفيح، المحرومين من كل الحقوق الإنسانية، الحق نفسه؟ الحل ليس في ما يقوله ترامب ولا نتانياهو ولا عباس ولا حماس ولا ماكرون ولا أي قيادة أو شعب عربي، بل في ما يقوله الشعب الفلسطيني، فبغير سؤاله ومعرفة قراره فإن كل حديث عن مصيره يصبح غير عادل!

عن “القبس” الكويتية

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى