يوميات مصاب بالسيدا وبكورونا: وصمةٌ وقلق وخوفان* أورنيلا عنتر

النشرة الدولية –

منذ بداية انتشار فيروس كورونا في الصين، وتوسّع تمدده في دول العالم، برهن الفيروس أنّ ما من أحد “فوق رأسه خيمة”، كما يقول المثل الشعبي.

عزلتان

في هذه الأثناء، وفيما الناس حول العالم منشغلين بوقاية أنفسهم وبتقوية مناعتهم وبحماية ضعفاء المناعة، خيّم القلق كغيمة كبيرة فوق رؤوس المصابين أساسًا بفيروس نقص المناعة البشري (HIV).

“فكرة بتاخدني، وفكرة بتجيبني”، بهذه الكلمات يختصر سامر (26 عاما) حالته في عزلته منذ 3 أسابيع. يقارن الرشح العادي الذي كان يصيبه مرّة كل سنتين ويشفى منه في يوم أو يومين، بالرشح الذي أصابه خمسة مرّات منذ سنة ونصف، أي منذ أصيب بفيروس نقص المناعة البشري: “إذا الرشح العاديّ كان صعبًا جدّا ومزعجًا، كيف تكون حالتي لو أصبت اليوم بفيروس كورونا؟”، يتابع سامر الذي يعيش قلقاً دائماً، معتبراً أن حالته مشابهة لحالة المسنّين. ويقول: “مناعتي أضعف من مناعة أشخاص آخرين في عمري، على الرغم من تناولي الدواء الخاص بفيروس HIV بانتظام وبلا انقطاع، كل يوم في الساعة الثالثة بعد الظهر”.

هناك أمور أخرى تقلق سامر: احتمال فقدان الدواء الذي تؤمنه وزارة الصحة للمتعايشين مع فيروس HIV، أو احتمال التقاطه لفيروس كورونا أثناء خروجه من المنزل للحصول على الدواء من الوزارة، أو مدى جهوزيّة الطاقم الطبي في المستشفيات للاهتمام بالأشخاص المتعايشين مع HIV، في حال إصابتهم بفيروس كورونا. ويتساءل سامر عمّا إذا كانت رعاية هؤلاء الأشخاص تتطلب إجراءات معيّنة إضافية.

وصمة اجتماعية

هذه الهواجس كلها يتشاركها سامر مع جاد (25 عامًا) الذي تقلقه أيضا الوصمة الاجتماعية لمرضه في حال أصيب بفيروس كورونا: “المتعايشون مع فيروس نقص المناعة البشري يعانون أصلا من التمييز، فكيف إذا أصيبوا بفيروس إضافي؟”.

يعيش جاد قلقاً دائماً، لأن الخطر الذي يحدّق به جرّاء انتشار فيروس كورونا أكبر من الذي يحدّق بالآخرين. يقول: “أتناول أدويتي بانتظام، لكن الخطر يحدّق بي على الدوام”. كيف يعبّر عن هذا القلق ومن يدعمه نفسيّا ومعنويّا؟ يقول جاد أنّه يبحث عن معالجة نفسية يحكي لها عمّا يخطر بباله، وعن فيروس كورونا وأشياء غير مرتبطة به.

ما يخشاه سامر وجاد، ومعظم الأشخاص المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشري، حصل لكريم الذي التقط فيروس كورونا منذ عشرة أيام.

معلومات خاطئة

وروى كريم (36 عاماً) تجربته لـ “المدن”: “قبل التقاطي عدوى فيروس كورونا، كنت قلقاً وألتزم إرشادات الوقاية”. لكن أطبّاء أكّدوا له أنّ المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشري لا يلتقطون عدوى فيروس كورونا، ليتبيّن لاحقاً أن هذه المعلومات عارية عن الصحة.

التقط كريم عدوى فيروس كورونا من صديقة أخيه التي زارت العائلة قبل أيام عشرة. وبعدما تبيّن أنها مصابة بالفيروس، أجرت العائلة كلها الفحوصات وجاءت النتيجة سلبية. بعد أيام قليلة، أعاد كريم الفحص فجاءت النتيجة إيجابية. منذ ذلك الحين، حجر أفراد البيت أنفسهم كلٌ في غرفته، خصوصاً كريم وأخاه الذي لم يخضع مرّة ثانية للفحص، لكنه متأكد من حمله للفيروس لأنه خالط صديقته المصابة به.

مسؤول في المستشفى أبلّغ كريم بأنّ دخوله المستشفى ليس إلزاميّاً، ونصحه بالبقاء في المنزل وتناول أدوية معيّنة لعلاج فيروس كورونا. وهو يقول: “لكن طبيبي، أبلغني أن هذه الأدوية ليست بالضرورة العلاج الأفضل والمؤكد لفيروس كورونا، فامتنعت عن تناولها وأكتفيت بالحجر المنزلي، وبمهدئ لآلام الرأس، وكثير من المشروبات الساخنة”.

يلازم كريم غرفة نومه منذ ذلك الحين. كل يوم يتعرف على عارض جديد من عوارض فيروس كورونا: ألم في الرأس، ضيق في التنفس، إسهال، نزلات برد. لكن العوارض التي تصيبه تباعا ليست حادّة ولا خطيرة. حرارته لم ترتفع بعد ولم ينخفض مستوى الأوكسيجين لديه. في حال تفاقم حالته، يدخل المستشفى ويتلقّي العلاج.

قلق ليلي

عارضه الثابت هو نوبات القلق الليلي: “لم أنعم بنوم متواصل ليلة واحدة منذ إصابتي. أستيقظ أحيانا لأصاب بقلق حادّ”. يهدئ نفسه بممارسة اليوغا حفاظاً على تنفس سليم. عندما يمتلك القدرة على التركيز ينصرف في أغلب الأوقات إلى الكتابة والقراءة. اتصاله بالأصدقاء يمدّه بالدعم النفسي والمعنوي. يحاول الابتعاد عن تدفق الأخبار والمعلومات التي تغزو العالم الافتراضي حول فيروس كورونا.

متى يفترض أن يشفى بالكامل من فيروس كورونا؟ يجيب: “لا أعلم ولم أسأل الطبيب عن ذلك”. لم يسأل الأطباء أسئلة كثيرة لأنه لا يريد التفكير كثيراً بالموضوع. وربما لأنه يشعر أنّ الأطباء لا يملكون الأجوبة على الأسئلة. يقول: “أشعر أحياناً أن الأطباء صاروا يكتفون بتوزيع التطمينات”. أما نديم – وهو ناشط حقوقي يتابع قضايا الأشخاص المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشري – فيشير إلى أنّ حالاً من الإرباك تتربّص بهؤلاء الأشخاص. فهم لا يعلمون ما إذا كان كورونا يهدّدهم أكثر من غيرهم أم لا. نديم تشغله تساؤلات كثيرة: “ماذا لو ظلّت الحدود مغلقة بين الدول؟ كيف يستورد لبنان دواء الـHIV؟ ماذا يحصل لنا؟”.

الدعم النفسي مهمّ جداً، حسب كريم. جمعيات معنية بهذه القضية تتحضّر لإطلاق مبادرة دعم معنوي لهؤلاء الأشخاص. والتعاطف الذي يناله المصابون بفيروس كورونا في أنحاء العالم، يدفع كريم إلى التساؤل: “لما لا يعامل المتعايشون مع فيروس نقص المناعة البشري بهذه الطريقة؟ لو حصلوا على هذا الدعم لما كنّا نجري هذه المقابلة الآن”.

لن يُفقد دواء HIV

الدكتور مصطفى النقيب، مدير برنامج مكافحة السيدا في لبنان في وزارة الصحة، قال لـ”المدن”: “لا خوف من فقدان الدواء أبداً. لدى الوزارة ما يكفي حاجات كل المسجلّين لديها لفترة تتراوح بين 3- 6 أشهر. لم ينقطع الدواء في لبنان حتى في أحلك الظروف. المنظمات العالمية تعمل جاهدة لمعالجة هذا الموضوع”. يؤكد د. النقيب أنّ الوزارة تؤمن الدواء لكل المعنيّين وتفتح أبوابها في الدوام الرسمي، ولم تغلق أبوابها يوماً واحداً.

الدكتور ناجي عون، أخصائي الأمراض المعدية والالتهابات، أكد أنّ الأشخاص المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشري ليسوا مستثنيين من الإصابة بفيروس كورونا. “والدليل الأكبر – بحسبه – هو إصابة كريم به”. ويعتبر د. عون أنّ كورونا ليس أكثر فتكاً بالأشخاص المتعايشين مع فيروس HIV مقارنة مع غيرهم، في حال كانوا يتناولون أدويتهم بانتظام. أمّا الأشخاص الذين لا يتناولون الأدوية أو هم في حالة متقدمة من الإصابة بالـHIV، فهم بالطبع أكثر عرضة لمواجهة عوارض حادّة وخطرة. وعن جهوزية الطاقم الطبي لمعالجة هؤلاء الأشخاص في حال إصابتهم بفيروس كورونا، يقول: “هناك مستوى عال من الجهوزية، فحالتهم تتطلب، إضافة إلى علاج كورونا، مراقبة المناعة وإعطائهم الدواء الخاص بالـHIV”. ويشدد عون على ضرورة تبليغ المتعايشين أطبّائهم في حال أصابتهم بكورونا ليتكفّل الأطباء بتزويد الطاقم الطبي بالإرشادات حول حالة كل متعايش مع الـHIV.

في الختام، يعتقد د. عون أنّ الخوف والقلق الزائد لدى المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشري غير مبرّر. فلا خوف عليهم طالما يتخّذون الاحتياطات اللازمة للوقاية من الفيروس وطالما يواظبون على تناول أدويتهم بانتظام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى