قراءة في غلاف رواية “أعشقني” للشعلان* عبدالإله بنهدار

النشرة الدولية –

إذا كان الشعر هو ديوان العرب قديما فإن الرواية اليوم تبوأت مكانته وأصبحت هي ديوان العرب في الوقت الراهن، شاهدة على حياتهم وتجاربهم الفكرية والاجتماعية الحديثة والتحديثية أيضا، وإذا كانت الرواية في القرنين 18 و 19 وفي الغرب تحديدا قد استطاعت أن تعثر لها على أبوتها ومشروعيتها في مدارس فلسفية معينة أمدتها وأطرتها بنظريات اضاءت لها الطريق ومدتها بتأويلات مختلفة ، نجد الرواية العربية على عكس ذلك نشأت في شرط تاريخي مختلف، بعيدة عن العلوم الحديثة وتكاملها، مما جعلها تنمو وتترعرع خارج النظرية، وتعبر عن مسارها الذاتي/ الخاص وعن أسئلتها الخاصة والمحرقة وعن تطورها المتلاحق بعيدا عن فلسفات جمالية تؤطرها. [1].

من جهة أخرى إذا اعتبرنا قصيدة نازك الملائكة “غسلا للعار” قد حققت في المجال الشعري ثورة على هذا الفكر العروبي الذكوري فإنه يحق لنا القول أن نعتبر رواية “أعشقني” ثورة ناعمة على هذا الفكر الذكوري العروبي أيضا، هذا الفكر المتغطرس الذي يسمح لنفسه بأن يجهر ويبوح بما يشعر به اتجاه الجنس الآخر، هذا الجنس أو النوع (الجندر) النسائي أو النسوي يحرمُ عليه ما يحلُّ لنقيضه.

حين نغوص في متن هذه الرواية نلاحظ بأن كاتبتها ومبدعتها تغوص في أعماق المرأة الشرقية (العاشقة) لتعبر بشكل رومانسي فاضح عن كل ما يجيش في صدرها اتجاه الرجل (المعشوق) في زمن أضحى فيه العشق آليا وليس إنسانيا، لتبقى تيمة العشق هي المهيمنة على رواية “أعشقني” في كل فصولها الخمس أو أبعادها الخمس.

1 ـــ عنوان رئيس ” أعشقني” .

يتكون العنوان من فعل (أعشقُ) الذي يدل على المضارعة وهي تحيل بدورها على الزمن الحاضر والمستقبل وفاعل هذا الفعل ضمير المتكلم “أنا العاشقُ” الذي هو الكاتبة أو الذات المبدعة، وهذا لا يعني أننا أمام سيرة ذاتية، فبالرغم من ورود صورة الكاتبة والتي سنفرد لها قراءة خاصة في هذا التحليل ترد أيضا ياء المتكلم كاسم يعود على صاحبه أي على فاعل فعل (أعشقُ) وتفصل بينهما نونٌ تُسمى في النحو العربي بنون الوقاية، وهذه النون بمثابة جسر بين الفعل المضارع الدال على المتكلم وياء المتكلم التي هي ضمير/ مفعول به . والعشق في اللغة هو : الاغرام بالنساء ، وهو العَشَقُ أيضا[2]

فالعاشقُ والمعشوقُ واحد، وفِعل العشق هو مرتبة من مراتب الحبّ الذي نجد له في اللغة العربية ما يزيد عن ستين اسما، ويُعتبر العشق في قواميس اللغة العربية سيد كل أسماء الحبّ ومعناه : الفرط والإفراط في الحب، وإعجاب المحب بالمحبوب سواء في حالة العفة أم في حالة الفجور. كما أن العشق يتولدُ وينمو في القلب، وكلما قويَ ازداد صاحبه تماديا فيه.

في ثقافتنا العربية وفي الشعر العربي بصفة أخص والذي هو ديوان العرب، نجد أن فعل العشق والتصريح به علانية يكون من الرجل اتجاه المرأة، وناذرا ما قرأنا لعاشقات عربيات تتغزلن في الرجال، إلا أن رواية أعشقني[3]

قلبتْ الموازين ومنحتنا ثورة فكرية وإبداعية تسير في الاتجاه المعاكس ضدا على ثقافتنا التي علَّمتنا وتعلمنا في مدارسها أنَّ البوحَ بالعشق والافتخارَ به لا يكون إلا من الرجل الذي يبقى فعل الحبِّ والعشق والهوى محصورا فيه وعليه . لأن ذلك مرتبط بالشرف، شرف القبيلة طبعا.

 

2 ـــ صورة الغلاف كدليل أيقوني/Signe iconique

عملنا في السطور السابقة على إلقاء الضوء على بنية العنوان تركيبيا، ونجد أنه من اللازبِ التنبيه على أن هذه البنية تلتقي وتتكافل مع صورة الغلاف التي تشكل نصا مختصرا إن لم نقل شاملا لعموم الرواية، ذلك أن صورة الغلاف مركبة من لقطة أو مشهد واحد تم اختياره وتوليفه بلمسة فنية وبعين احترافية عملت بكل بارعة تقنية ومهْنية على الصورة وهي في غرفة المونتاج كي يتم إخراجها بطريقة مهنية واحترافية أيضا. [4]

إن الصورة المبثوثة على الغلاف تحتل الحيز الأكبر على مساحة الغلاف برمته وهي صورة الكاتبة نفسها (د سناء الالشعلان) والتي تقول : ” دائما أضع صورتي، ليس لأنها جميلة وليس لأنها قبيحة، وليس لهدف استعراضي بأي شكل، أريد منها أن يعرفني القارئ “.[5]

صراحةً، لا سؤال الصحفي أشفى غليلنا كقراء لهذه الرواية ولا جواب كاتبتها كذلك، لكننا نُسَطَرُ على قول الكاتبة وليس لهدف استعراضي، هذا الجواب وحده كاف على أن الصورة تعتبر عتبة من عتبات الولوج إلى المتن المحكي بين دفتي رواية أعشقني.

ومعلوم أن الصورة في عالمنا العربي لازالت في حاجة إلى الدّرس والتحليل سواء في المدارس والمعاهد أم في الجامعات العربية، فلا يزال الذوق العربي العام قاصرا ــ إن لم يكن متخلفاــ في تعامله مع الصورة كنص وكخطاب فني وثقافي وفكري، لنتأمل الصُّور التي درسناها ونُدرسها لتلاميذنا وتلميذاتنا في المدارس وفي المقررات الدراسية من الروض مرورا بالابتدائي إلى الإعدادي إلى الثانوي التأهيلي، نجدها صورا وُضعتْ في الغالب لتزيين النص الملفوظ المرافق لما هو محكي ومكتوب، في حين أن الصورة يجب أن يُنظرَ إليها كنص قائم الذات وهي في حاجة إلى تحليل وتفكيك، وهذا ما نصبو إليه في هذه الدراسة من خلال غلاف رواية ” أعشقني” .

1 ـ على يسار الغلاف وضمن مربع صغير كتب نوع هذا العمل الأدبي ” رواية/ NOVEL ” مما يجعل رواية “أعشقني” تعلن من البداية عن انتمائها لجنس أدبي عنوانه : الرواية. وكما سبقت الاشارة نما هذا النوع الادبي مع صعود الطبقة البورجوازية واعتلائها المسرح الاقتصادي والسياسي بدءا من القرن السادس عشر، فما الرواية ؟ تعرفها جوليا كريستيفا التعريف التالي وهي تقول : ” يطلق اسم الرواية في الغالب على بنيات حكائية شديدة التنوع، هناك روايات إغريقية وروايات عاطفية وروايات شطارية وروايات نفسية، كي لا نذكر إلاّ بعض المغايرات التي يشملها المصطلح. وكل محكي ينبثق من إطار الملحمة أو الحكاية الشعبية يمكن تسميته رواية شريطة أن يكون كافي الطول من دون أن يُعطى لخصوصياته تعريفٌ دقيقٌ”.[6]

وعند الهنغاري جورج لوكاتش في كتابه: نظرية الرواية الصادر عام (1920)وتلميذه لوسيان غولدمان في كتابه ” دفاعا عن علم اجتماع الرواية (1964) أن الرواية قصة بحث متدهور بوسائل منحطة في مجتمع متدهور عن قيم أصيلة في منظور البطل الإشكالي . [7]

2 ـ وفي أسفل الغلاف نلحظ اسم الناشر (أمواج للطباعة والنشر والتوزيع) ومقرها عمان ـ الأردن لتحديد الواجبات والحقوق بين الكاتبة والناشر محليا وقطريا ودوليا.

3 ــ اسم الكاتبة : يرد اسم د سناء الالشعلان تحت عنوان الرواية بخط اصغر حجما من الخط الذي كتب به العنوان الرئيس، مما يدل على أن للعنوان أهمية كبرى على حساب اسم كاتبة العمل الروائي.

إن من يتابع إبداع النساء العربيات في يومنا هذا، لا يشك لحظة بأن الكاتبة المبدعة سناء الشعلان التي تكاد تكون مؤسسة إعلامية قائمة الذات، فنشاطها كتابة وإبداعا يوازي نشاطها وألقَها الدائم على وسائل التواصل الاجتماعية من جهة، وعلى القنوات التلفزية والإذاعية في بلدها وفي بلدان الخليج على السواء من جهة ثانية. والاعتراف بها ككاتبة ومبدعة وناقدة عربية ارتقى إلى حدود منحها ما يزيد على الستين جائزة تزين بها مكتبها العامرة تقديرا لها ولمواقفها ورِؤْيتِها للعالم العربي في راهنه إبداعا ونقدا.

4 ــ صورة الغلاف كدليل أيقوني Signe iconique

مادامت الصورة كعتبة من عتبات هذا العمل الأدبي، وجب علينا كقراء وكذلك كدارسين نسيان صاحبة الرواية، وألاَّ ننظر إلى صورتها على أنها مجرد صورة فوتوغرافية وُضعت لغرض جمالي يزين غلاف الرواية ، إذْ وجب على القارئ النبيه أن لا يكتفي بفعل النظر إلى الصورة، بل يعمد ويعتمد على الإبصار فيها، وعملية الابصار كما هو معلوم تختلف عن عملية النظر.

إنَّ الصورة الفوتوغرافية كما لا يخفى تنقل عددا من المعطيات الثقافية والاجتماعية والفكرية بل وحتى الدينية، دون أن نغفل أو ننسى ما تمارسه الصورة من تأثير على المشاهد / المتلقي وما يسقطه هذا الأخير من تفسير على الصورة في حد ذاتها. [8]

تتميز الصورة بتصورات خاصة تميزها عن اللغة وعن سائر الرموز التي تتيح التعبير وهنا نتكلم بالضرورة عن المجال الجمالي. وملتقط هذه الصورة كوسيط ــ وهو بدون شك مصور محترف ــ ينقل إلينا معلومات ومشاعر يريد العمل الروائي الملفوظ أن يجعلها في خضمه وإذا كان جاك أومون يقول بأن الصورة صِنْوُ العالم ولكنها صِنْو مشوهٌ إذْ على الرغم من واقعيتها تجذبنا وتسحرنا في ازدواجية ما تنقله كما تأسرنا في شيء نراه بأم العين. [9]

لذا يحق لنا القول: إن الصورة لغة بصرية يتمُّ عبرها توليد العديد من الدلالات ومن داخلها، وهذه اللغة بالغة التركيب والتنوع، إذ سنستند من أجل بنائها إلى مكونين:

الأول: يعتمد على العلامة الأيقونية، لأن الصورة وهي علامة أيقونية كي تُنتجَ معانيها تستند إلى المعطيات التي يوفرها التمثيل الأيقوني كإنتاج بصري لموجودات طبيعية تامة كالوجه ذي المواصفات الخاصة مثلا على غلاف رواية أعشقني، وتستند من جهة ثانية إلى معطيات من طبيعة أخرى تتعلق بما يمكن تسميته بالتمثيل التشكيلي للحالات الإنسانية أي: العلامة التشكيلية ونقصد بها الأشكال والخطوط والألوان والتركيب، لأن المضمون أو المضامين الدلالية للصورة هي نتاج تركيب يجمع من حيث الانتماء ما بين البعد الأيقوني (التمثيل البصري) وبين البعد التشكيلي مجسدا في كل ما تحويه الصورة وما هو مُودعٌ فيها من أشكالٍ هي من صُنع وإبداع الانسان (الثياب، الماكياج، الألوان، الخطوط إلخ….) وتعد الصورة من هذه الناحية ملفوظا بصريا مركبا ينتج دلالات استنادا إلى التفاعل القائم بين مستويين أو علامتين مختلفتين هما العلامة الأيقونية والعلامة التشكيلية،[10]

فكيف نقرأ هاتين العلامتين في صورة صاحبة الغلاف، والتي هي كاتبة الرواية في الآن نفسه؟

أ‌) العلامة الأيقونية: يمكننا القول إن هذه الصورة الفوتوغرافية المبثوثة على الغلاف لا تكشف عن طبيعتها للناظر إليها أو لقارئها ولا عن هوية صاحبتها بالسهولة المتوقعة. فهناك فاصل قوي وجوهري بن الظاهر والباطن في هذه الصورة وهو ما يدفعنا للتساؤل : ما الرابط بين المعطى والمرئي والمُوحى به في هذه الصور؟ ومن أين تستمد هذه اللقطة قدرتها على استكناه موضوعها وهي تسعى من كل ذلك إلى خلق مجموعة من الحالات الثقافية الخاصة بفئة اجتماعيةـ ثقافية تنتمي إلى نسق ثقافي معين؟

إن القراءة المتأنية لعناصر الصورة هي وحدها الكفيلة لإيجاد الوحدات الدلالية التي بإمكانها أن تقودنا إلى بناء عالم دلالي منسجم بين معطيات ومفردات هذه الصورة الفوتوغرافية. [11]

4 ــ 1 : المفردة الأولى : (الجبين)

بدون شك، يشكل جبين المرأة إحدى مفردات جمالها، سُمكهُ وطولُه عرضه ولونُه.. كلُّ ذلك يعد مفردة من مفردات جمال جبين المرأة إلا أنه في هذه الصورة نراه مُغطى بقماش أو لنقل : بخمارٍ يَحجُبُ عن الرائي رؤية جمال هذا الجبين الأنثوي. وبدون شك يعتبر الخِمار ـ بعيدا عن دلالته الدينية ـ مانعا وحاجبا لدى المرأة أغلى وأجمل ما تغنَّى به الشعراء على مر العصور ألا وهو ” شَعْرُ رأسها ” كما سنرى في المفردة الأخيرة من تحليل هذه الصورة. [12]

4 ــ 2 : المفردة الثانية : (الحاجبانِ)

الحاجبان في اللغة هما العظمان فوق العينين بالشحم واللحم. [13]

وفي هذه الصورة يميل الحاجبان إلى الاستقامة، و الدراسة النفسية لحاجبيْ المرأة من هذا النوع تقول : إِنَّهما تتصفان بأمرين : الصلابة والواقعية، كما أنهما موضع ثقة الأشخاص المحيطين بها، ويدلان أيضا على أنها امرأة عقلانية لا انفعالية دون أن ننسى تغنّي الشعراء ووصف الأدباء لحاجبِيْ المرأة بــ (الهلال) كما شبهاهما بـ (حرف النون) إلى غيرها من التشبيهات التي تزخر بها دواوينُ الشعر العربي.

الحاجبان هما إحدى مفردات الجمال عند المرأة ولذلك جاء النهي عن نَمصِ شعر الحاجبين، وفعل النَّمصِ جائز للمرأة في جميع جسدها إلا على حَاجبيْها ويستند الفقهاء بالآية القرآنية ( ولأمرنهم فليغيرن خلق الله) السؤال هنا : أليس نتف ونمص الشعر من جميع الجسد تغيير لخلق الله؟ إذن المسألة تتجاوز تغيير الخلق الذي جهر به الفقهاء أو الفقه أم الذي سكتوا عنه، فهو فهم حسب رؤيتهم وأذواقهم وتذوقهم لجمال حاجبيْ المرأة فحرموا ما أرادوا وأجازوا ما أرادوا. الشاهد عندنا في كل ما قيل هو أن حاجبيْ المرأة يعتبران أحد مفردات الجمال في وجهها وهذا الجمال واضح في الصورة من خلل العناية بجمال وتجميل الحاجبين.

4 ــ 3 : المفردة الثالثة : (العينان)

طالما تغنى الشعراء بعيون النساء واعتبروا أن سر جمالهن يكمن في أعينهن، سواء تعلق الأمر بالشعر القديم الذي شبه عينا المرأة بعيون المها والظباء والقطا والبقر الوحشي أمْ في الشعر الحديث الذي نستشهد في هذا المضمار بقصيدة شهيرة للشاعر العراقي بدر شاكر السياب ” أنشودة المطر” والتي تعتبر من عيون الشعر العربي ومن أجمل القصائد التي تغنت بعين المرأة في العصر الحديث.

عيناك غابتا نَخيل ساعة السحرْ

أو شرفتان راح ينأى عنهما القمرْ

عيناك حين تبسمانِ تورقُ الكرومْ

وترقصُ كالأضواء ِفي نهرْ

يَرجُّهُ المجذافُ وهنًا ساعةَ السَّحرْ

فالعين عند بدر شاكر السياب عين تحرسها غابة من النخيل في وقت السحر وما هذه الغابة من النخيل إلا الرموش التي تحرس العين التي هي نهر يرجه مجداف ليلا. تصبح العين في شكلها الهندسي مثل القارب والإثمد والكحل كَالسَّحَر. والبؤبؤان المتراقصان كالأضواء. فقط انظر أيها القارئ إلى العنين في الصورة واستحضر هذا المقطع من أنشودة المطر وسترى الإحساس الذي سينتابك حينئذ.

لكن دلالة العين في هذه الصورة بالذات لا تكتمل إلا بتفسير وتحليل تلك لك النظرة المبهمة التي تحمل أكثر من دلالة وأكثر من معنى؟ فبالتأطير المقطعي تصبح العين الرائية وهي عين المشاهد / المتلقي غير متوقفة عند جمال العينين فحسب، بل هي تمسحُ فضاء الصورة كلِّها باحثة عن هدفها بعيدا عن كل نظرة آسرة ومُجحفة، فنظرة هاتين العينين تظل بعيدة عن النظرة العادية المبصرة، بل ترمز إلى ما هو إنساني ثقافي يقول فرانسكو كازيت عن النظرة :” هي التي تؤسس وتنظم ما هو موضوع للرُّؤية، إنّ الأمر متعلق بمنظور يحدد الحقل البصري ويبسطُه أمامنا، إنه الموقع الذي ننطلق منه لتحديد ما يقع تحت طائلة الأعين”[14]

إنَّ فهمَ النظرة في هذه الصورة وقراءتَها مرتبط بقدرة المتلقي على القيام بعملية تنسيق بين مجمل العناصر المشكلة لنص الصورة، وهو تنسيق يعتمد على ما تعطيه له الصورة. [15] ويستند هذا التنسيق إلى معاني هذه العناصر التي توجد خارج الصورة وضمن سياقات الفعل الانساني وأيضا داخل النسق الثقافي لهذا العقل الانساني والنظرة فعل من أفعال الانسان. وكأننا في هذه الصورة أمام نظرة ترسلُ خطابا لشخص خارج إطارها، تنظر إليه هي ولا نراه نحن، تخاطبه النظرة بقولها :

ــ أنتَ ترى جمالي ولا تراني، أما أنا فأرى جمالي وأراني. أو قد تقول له أيضا:

ــ أنت أيُّها الرجل تَعشقني، وأنا أيضا أعشقني، لكن عشقك لي أيها الرجل ناقصٌ وعشقي لذاتي تامٌّ وكاملٌ.

تفرض علينا هذه النظرة المبهمة ألا نكون متسرعين في أحكامنا، فنحن أمام نظرة إنسانية صوفية عميقة الدلالات. ألم يقل الحسين بن منصور الحلاج:

أنا من أهوى ومن أهوى أنا

نحن روحان حللنا بدنا

فإذا أبصرتني أبصرته

وإذا أبصرته كان أنا

روحه روحي وروحي روحه

من رأى روحين حلاَّ بدنا

وبالتالي فالنظرة في هذه الصورة الفوتوغرافية ليست نظرةَ نظرٍ وإغراءٍ بقدر ماهي نظرةُ اعتبارٍ وإبصارٍ وتبصُّرٍ .

4 ــ 3 : المفردة الثالثة (الأنفُ)

تغنَّى الشعراء كثيرا بأنف المرأة وجعلوا منه سمة من سمات حسن جمالها، فهذا تميم بن أبي مُقبل يقول متغزلا بأنف حبيبته.

كأنَّها مارن العرْنينِ منفصـلٌ من الضباء عليه الودْع منتظمُ

مقلدٌ قضبَ الريحانِ ذو جُدد ٍ في جوْزه من نِجارِ الأدْم توْسيمُ

إن الضمير في كأنَّها يعود على المحبوبة المتغزل بها و (العرنين المارن) هو الأنف اللين للغزال المفطوم عن أمه وقدْ زانه أو رتبه (الودْع) أي الخرز بمعنى آخر (المنقوط) وقول الشاعر عن الأنف ” مْقلد” أي عليه قلائد و(جُدد) أي طرائف خطوط في جوزه أي في وسطه والضمير يعود على الأنف وقوله من (نجار الأدم) أي بياض يكون في الظباء فإذا كانت في الناس فهي السمرة الشديدة والتوسيم من الوسم وهي العلامة.

ما علاقةَ الصورة الحسية الملفوظة في التعبير السالف الذكر المتعلقة بأنف محبوبة الشاعر بتلكَ الملحوظة على أنف صاحبة الصورة الفوتوغرافية في الغلاف؟

إن العلاقة التي تجمع بين الصورتين : الذهنية الحسية والفوتوغرافية الواقعية ، وبين أنف المرأتين هو الجمال. جمال الأنف الذي له ملحقات تزيدُه جمالا فوقَ جماله ، ومن بين ملحقات هذا الجمال في أنف المرأة ” الوسم” و “العلامة” و ” القلادة” و “الجدد” التي اعتادت المرأة العربية أن تضعها على أنفها منذ القدم. وهذا التوسيم أو الوسْم أو العلامة نجده ظاهرا على أنف صاحبة الصورة.

وهي عبارة عن نجمة خماسية في أنف صاحبة الصورة، فعلاوةً على أنه وسْم وسِمة من سمات الجمال إلاَّ أن هذا الوسْم/ النجمة الخماسية الصغيرة وكأننا بها تدل على الأبعاد الخمسة أو الفصول الخمسة لهذا العمل الروائي الذي اختارت له الكاتبة عدة عناوين قبل استقرارها على العنوان الأخير (أعشقني) فمن خلال تصريحها في إحدى أحاديثها الصحفية صرحت الكاتبة قائلة : إنَّ العنوان الأول الذي كان في ذهنها هو ” البعد الرابع” لذلك جاءت عناوين الفصول متصدرة دائما بكلمة “البعد ” وكانَ البعد الخامس بالفعل هو آخر فصول هذه الرواية.

4 ــ 4 : المفردة الرابعة (الخدَّانِ)

لا نعدم تشبيهات لِخدَّيْ المرأة في الشعر العربي على الأقل شبهوهما بــ : بالرمان التفاح إلخ… وكلها من الفواكه التي تشتهيها النفس، قد تكون هذه التشبيهات مسيئة للمرأة أكثر مما هي لصالحها إذ نجردها من إنسانيتها وتصبح كفاكهة يتلذذ بها الرجل، لكننا لا نعدمها في الشعر والثقافة العربيين. [16] كذلك علامات خجل المرأة وحياؤها أول ما يظهرُ يَظهرُ على خديْها يقول إيليا أبو ماضي:

 

تَغارُ إذا ما قيلَ تلكَ مليحةٌ يطيبُ بها للعاشقينَ التغزلُ

فتحمرُّ غيضا تم تحْمرُّ غيرةً كأنَّ بها حُمَّى تجيئُ وتقفلُ

فبدون شك نجدُ خد المرأة أحد مفردات ومكونات جمالها .

4 ــ 1 : المفردة الخامسة (الذقنُ)

يُعتبرُ الذقنُ هو البعد الخامس في هذه الصورة على اعتبار أن الجبين فيها هو البعد الأول، والحاجبان مع العينين هما البعد الثاني، والأنف هو البعد الثالث، والخدان هما البعد الرابع، وأخيرا الذقن الذي هو البعد الخامس، وبه تكتمل مفردات صورة الغلاف، هذه المفردات جميعها تُكوِّنُ لنا جملة مفيدة ذات أبعاد دلالية لسيدة عربية هيَ عشيقةٌ ومعشوقةٌ تُريد من خلالِ صورتها هذه أن تصل رسالتها للرجل الشرقي وللمجتمع والإنسان الشرقي رجلا كان أو امرأة، رسالة مفادها أنهُ من حقِّ المرأة الشرقية أن تعشق على هواها بدون قيود أو شروط، وبدون شك أن ثقافتنا العربية تُلاكُ على ألسنة الناطقين بها عبارة : ( إنَّ الله جميلٌ يحبُّ الجمالَ) والجمالُ بوابةٌ للعشق، وهو لا يكتمل إلا إذا اكتملت مفرداته حُسنًا وبهاءً، لكن، ماذا عن مفردة من أهم مفردات الجمال لم نتحدث عنها في هذا التحليل، إنها المفردة الغائبة أو المُغيبةُ الحاضرة ُوهي المفردة السادسة.

4 ــ 6 : ــ المفردة السابعة (شَعَرُ رأس المرأة)

يعتبر شعر المرأة من أكثر وأجمل ما تغنى به الشعراء العرب على مر التاريخ منذ امرؤ القيس إلى يومنا هذا.

لكن في هذه الصورة قيدَ التحليل والدراسة نجد شعر الراس مخفيا عن الأنظار بسبب ( الخمار = القناع = الحاجز = السياج) .

لماذا تمَّ حجْبُ شعر رأس المرأة في هذه الصورة ؟ ولم لا يتم حجبُ الوجه بكامله وهذا ما كانت تأمله بعض الآراء الفقهية المتشددة في الخليج العربي بالذات ولازالت حتى يومنا هذا على قلتها.

فتلك النظرة الحائرة التائهة المبهمة ــ من صاحبة الصورة ــ والتي سبق الحديث عنها تُعبر بجلاء عن انكسار المرأة العربية والشرقية بالخصوص، نعني بالانكسار: انكسارَها النفسي والجسدي، فبالرغم من أنها صورة في غاية الروعة والجمال والقوة الإيحائية وأن صاحبتها ذات فكر عقلاني حداثي متنور إلا أنها تعبر بشكل فنّي رفيع وسامٍ عن موقف ذكوري شرقي استبدادي ومستبدّ، إذْ تم الاجتهاد على إظهار مفردات الجمال في هذه الصورة لتبدوَ في أحسن وأبهى حلّة، هذا الحسنُ والبهاء نجدُ المعنيَ الأولَ به هو الرجل الغائب المغيبُ حقيقة لكنه حاضر بالقوة مجازا فهو حاضر بالقوة ــ إذا جاز لنا أن نستعمل هذا الأرسطي ــ داخل صرح الفضاء الاجتماعي والنسق الثقافي المهيمن.

تشرح لنا الصورة وضعًا إنسانيًا في غاية البساطة والدقة كما تحكي لنا عن وضع يُعيدُ بلْ ويشككُ في ترتيب العلاقات الانسانية ويكثِّفُها في ثنائية (الرجل والمرأة) لتحيلنا هذه الثنائية على إحالات رمزية عديدة.

فهذه الصورة الفوتوغرافية تدعو القارئ النبيه الفطن بألاَّ يتعامل معها بطريقة إغرائية شبِقَة بل تدعوه لينظر إليها في مجملها (بجميع مفرداتها الآنفة الذكر) كصرخة تقول كل شيء عن العلاقة بين الحاكم والمحكوم، السيد والمسود، المالك والمملوك، الرجل المتسلط والمرأة الخاضعة القانعة الراضية بهذا التسلط. حتى ولوكان أبًا أو أمًّا، لتبقى كاتبة ومبدعة رواية (أعشقني) هي الصوت النسوي/ النسائيُّ الذي يصرخ في هدوء وفي صمت وفي حلة بهية أيضا عبر الصورة إيَّاها، ونحن نعتقد ببلادة بلهاء وكأنها سيدة مُعجبة بنفسها يُغريها جمالها كي تتبجح به على بنات أو بني جنسها لذلك وضعته على غلاف روايتها. كَلاَّ وألف كلاَّ، إنها صورة تتعبر عما عبر عنه الشاعر العربي:

لا تحسِبُوا أنَّ رَقْصي بينكم طربٌ فالطيرُ يرقصُ مذبوحًا منَ الأَلمِ

إننا نستنطق الصورة ونستشهد بكلام صاحبتها كمبدعة أولا وأخيرا وهي تصرح لإحدى القنوات التلفزية بحسرة قائلة : ” أنا أجيدُ الرقص، أجيدُ الغناء، ماذا كان سيخسرُ والدي في تلكَ اللحظة لأُمَثِّل؟ ماذا كانتْ ستخسرُ أمي؟ إنها تجربةٌ صعبةٌ لا أحد يعرف كيفَ تشعرُ امرأةٌ تريدُ أن تُغني، تريدُ أن ترقصَ، أنا أجيدُ الرقصَ، أنا أجيدُ الغناء، لكنهم منعوا ذلك عنِّي”[17]

هل نحتاجُ إلى دليل على حرمان المرأة العربية والشرقية وحرقتها ولوعتها أكثر من هذا التصريح العفوي الصريح ؟ أيعقلُ أن نقول بأن تلك النظرة في تلك الصورة كلغة ملحوظة لا تقول ولا تعبر إلا بما عبرت عنه صاحبتها لفظًا وقولاً.

لكل هذا قلنا في البداية : لا يجب علينا ألا نكتفي بالنظر إلى الصورة بل أن نبصرها، وهناك بدون أدنى شك فرق كبير بين عملية النظر وعملية الإبصار.

2 ـــــ العلامة التشكيلية

إذا كنا تطرقنا في العلامة الأيقونية إلى الصورة وهي تُننتِجُ معانيها استنادا إلى المعطيات التي توفرها هذه العلامة الأيقونية كإنتاج بصري، فإن العلامة التشكيلية تستند إلى معطيات طبيعية أخرى ليست من داخل الصورة الأيقونية بل من خارجها، وهو ما يسمى بالتمثيل التشكيلي للحالات الإنسانية ويتم ذلك عبر الأشكال والخطوات والألوان والتركيب أي: الطريقة الجمالية التي نرى بها الصورة وهي في أبهى حلة.

إن المضامين الدلالية للصورة عبر مفرداتها السابقِ ذكرُها هي نتاجٌ تركيبٍ يجمعُ ما بين البعد الأيقوني وبين ما يلعب فيه البعدُ التشكيلي دورا مهما تبعًا لما صنعه الانسان بكفاءته وخبرته وتصرفه في العناصر الطبيعية الأيقونية حتى تُصبحَ الصورة ملفوظا بصريا مركبا يتيحُ دلالاتٍ اعتمادا على التفاعل القائم بين مستويين مختلفين في طبيعة تكوينهما لكنهما متكاملان ومتفاعلان من حيث وجودهما وتواجدِهما. فكمية الضوء بمقدار على هذه الصورة الفوتوغرافية واللون الذي يميل إلى السمرة في الصورة وهو ليس لون البشرة الحقيقي لصاحبة الصورة، إذ هو لون صناعيٌّ يميل إلى اللَّون القمحي، كلُّها عواملُ تنتمي إلى العلامة التشكيلية وليس الأيقونية.

واللون القمحي لون أفتحُ من الأسمر وأسمر من الأبيض، والعرب عامة يغلب عليهم اللون القمحي، والذي اشتغل أو لعب على تشكيلِ الصورة لاشك أنه باستعمال الضوء جعل الصورة تبدو كذلك، وهنا ننتقل من الصورة الطبيعية إلى الصورة الصناعية. وبدون شك أن هذا العمل يحيل إلى معنى ودلالة معينة لا تعطيها لنا الصورة الواقعية او الطبيعية. أيضا لا يمكننا إِغفالَ الفضاء الأزرق كجمالية تشكل خلفية الصورة.

هناك عدةُ علوم عرَّفت بالألوان ودلالاتها النفسية، حتى أنه ظهر علم يسمى بعلم ” النفس اللَّوني” وهو من العلوم الحديثة في مجال العلوم النفسية. كثيرة هي الدراسات التي قام بها علماء النفس للبحث في مدى تأثير الألوان على المشاعر والأمزجة وأنماط السلوك العامة.

يعتبر اللون الأزرق من أكثر الألوان انتشارا وإقبالا في جميع أنحاء العالم مما يدل على أنه يعبر عن الاستقرار والدفء والأمان والثقة كما أنه يُزودُ الطاقة ويزيدُها بالنسبة للإنسان، لذلك نجد الطِّلاء الأزرق على بعض المكاتب التي تُعنى بالتجارة والتسويق، وعلى جدار المنازل الخارجية، خصوصا المدن الشاطئية وفي الحارات الشعبية القريبة من البحر، فاللون الأزرق يعتبر لونا مهدئا لنبضات القلب ويعطي إحساسا بالرحابة وسعة الصدر والمتعة كذلك في التواصل مع الاخرين.

رغم كل هذه الصفات الإيجابية التي يوصف بها اللون الأزرق، إلا أنه أيضا قد يرتبط في بعض الأحيان بالمأساة والقوة والعنف والإثارة.

تُرى كيف نقرأُ دلالة اللَّون الأزرقِ على غلاف هذا العمل الروائي (أعشقني) الذي هو الدَّفةُ الأولى للرواية أي ” الغِلاف الأول” إذا ما تعاملنا بإيجابية مع اللون الأزرق نجد الرواية مفعمة بالحب وداعية إليه من أول صفحة منها إلى آخر صفحة. وإذا كان الأزرق هو لون السماء ولون البحر[18]

وإذا كانت علاقة الإنسان بالسماء علاقة ترقب وتودد ودعاء وتوسل وأنها مَوطن الملائكة في تصور الكثيرين، كما أنها مصدر الشمس والمطر بدونها ينتفي الوجود، بهذا المعنى يكون للسماء واللون الأزرق مدلول إيجابي على المستويين: المادي والروحي.

إلا أن الإنسان بعقله وعلمه وبجبروته وأناه المفرطة أَيضا جعل من هذا الفضاء مَجَرَّات له تخالف وتتحدى المجرات الإلهية الكونية الطبيعية، فالأقمار الصناعية قدف بها الإنسان إلى السماء قذفا، وأصبحت هذه الأقمار تتحكم في مصائر الناس، تُوجههم كيفما وأنى ووقتما شاءت، وتربيهم على سُلوكات وتربية وقيم وثقافة كونية جديدة قد تكون مدمرة في الغالب الأعم، وهذه هي الدلالة الثانية التي يمكننا أن نستشفها من طغيان هذا اللون الأزرق كخلفية لرواية (أعشقني).

فالكاتبة واعية كل الوعي بأن العشق لا يمكنه أن يكون إنسانيا خالصا ما لم يكن روحانيا خالصا، لما نقول روحانيا فإننا بدون شك نرفع أعيننا نحو السماء، ولما نقول ماديا فإننا ننزل ونهبط بأعيننا إلى الأرض، لتصبح عيوننا تنظر على مستوى أفقي بعد أن كانت في المستوى الاول تنظر على مستوى عمودي. هذه الثنائيات وغيرها كثير تصادفنا في هذا المتن الروائي من البداية إلى النهاية.

والبعد الخامس وهو آخر فصل في رواية (أعشقني) تعتبره الكاتبة أهم بعد في هذا الوجود، لا يمكن أن نستمده إلاَّ من السماء، وهو بُعدٌ قريبٌ بَعيدٌ لا يمكن أن يُدركَه أو يصلَ إليه أو يمتلكَه الجميع، فقط أصحاب القلوب العاشقة من عندهم مفتاح هذه الأسرار تقول الكاتبة “وحدهم أصحاب القلوب العاشقة من يدركون حقيقة وجود بعد خامس ينتظم هذا الكون العملاق. [19]

من خلال قراءتنا المتواضعة للعتبة الأولى التي هي الغلاف نخرج بالخلاصات التالية:

بطلة الرواية “شمس” إنسانة طامعة غارقة في يَمِّ العشق، وسعيدة بعشقها لخالد وعشقِ خالد لها، بقدر ما تبدو شمس متحسرة ومتألمة في داخل أعماقها وهي تعاني من ويلات هذا العشق إلا أنه الترياق الذي يداوي جراحها المكلومة في هذا العالم الذي لا يدرك معنى العشق.

ــ إن بطلة الرواية توهمنا بأن ما تعيشه وتحياه من سعادة بسبب العشق، هو في الحقيقة همٌّ مأمولٌ وأملٌ مشتهى غير متحقق في الواقع.

ـــ إن صورة الغلاف الفوتوغرافية بكل مفرداتها التي سبقتْ دراستها لتؤَكدُ لنا بالملموس مضمون الرواية الذي يلعب على الشيء ونقيضه. ثنائيات تعجُّ بها فصول هذه الرواية يمكنُ إجمالها في الآتي : [20]

ـــ إنَّ بطلتنا ” شمس” وعشيقها خالد كلاهما في مواجهة قوانين وظلم وحكم ناس المجرة وحكامها.

ــ التحام شمس مع عشيقها روحيا وبعدهما عن بعضهما جسديا وماديا يدل على صعوبة الحب والعشق في مجتمعات تحل وتحرم حسب هواها وحسب مواقفها وحسب جنسها أيضا.

ــ عشق شمس لخالد = عشق شمس لنفسها

ـــ الإنسان العاشق (البعد الخامس) = شمس وخالد

الإنسان الحاقد والمدمر لهذا البعد الخامس = باسل المهري وحكام المجرة

ـــ العيش في الحاضر (بكل ما له وما عليه) / العيش في المستقبل (3010 م) قادمة

هذه الثنائيات والمتناقضات وغيرها تبين لنا بجلاء كون بطلة الرواية وهي تؤمن وتخلص بعشقها لخالد تبحثُ عن عشقٍ خالدٍ وأبديٍّ وسرمديٍّ، لكن هناك حُكام المجرة الطغاة وحاشيتهم العتاةُ يقفون ضد هذا العشق ويُحولونه من عشق إنساني روحاني إلى عشق مادي جسدي لئيم، حتى أن النطفة التي حبلتْ بها شمس من عشيقها خالد تحضنها الآن الآلة الصناعية الجهنمية التي أصبح باسل المهري ــ أحد خدام المجرة ــ هو محتضنها في جسد شمس الميتة، هذا الجسد الذي يعطيه دماغ وفكر باسل المهري طاقة للحياة، حياة مشوهة بدون شك، لكنها حاضرة وفاعلة، لنستشفَّ من كل ذلك ثنائية أخرى وهي ثنائية الروح والجسد.

شمس = (الروح) النقية الطاهرة العاشقة العفيفة

باسل المهري = (الجسد) العقل الفاسد والمفسد

شمس باسل المهري

 

الروح ، الصفاء، الطهر= العشق الحق العقل، الفساد، الظلم = عشق مزور

(الصدق ) (الكذب والادعاء والبهتان)

العيش في سعادة دائما العيش في تعاسة وشقاء

 

حالمة ومتطلعة إلى مستقبل سعيد ومنشود لا أمل له في الحاضر و في المستقبل

ربحت نفسها كعاشقة فكانت نهايتها سعيدة ضيع نفسه و أسرته فكانت نهايته مأساوية

من كل ما سبق يتضح لنا بأن بنية العشق هي البنية المحورية في هذا العمل الروائي، لقد اشتغلت الآلة الروائية في نص أعشقني بكيفية منسجمة مع بنية محركة Structure moteur هي بنية العشق . فهذا الأخير هو بنية البنيات في رواية أعشقني.

كما أن اختيار فضاءين رحبين كبيرين وواسعين السماء ≠ والأرض ليس اختيارا اعتباطيا وإنما هو اختيار وظيفي ومشحون بدلالات عميقة وقوية، تبرز مكونات بطلة الرواية شمس المجتمعية والثقافية والدينية، وهي بذلك بنيات مبنية وبانية تساعد في تشكيل سَمْت habitus لدى البطلة شمس . [21]

إن علامات المكان في رواية “أعشقني” تتمثل في البساطة وانفتاحها على ( باب السماء) الذي يمثل الرأسمال الروحي/ الديني، لكن فيما يبدو أن عالم السماء هذا بدوره أصبح مشاعا للآلة الصناعية الصماء، ذلك أن آلة الطمع والجشع الانساني لم تتركه في أمان، فالفضاء العلوي بدوره أصبح مرعىً ومرتعًا يلِجهُ ويسكنه حكام المجرات. مما أدى إلى تفتت المجتمع وتشظيه وانحلاله وتحوله من أزمنة جمعية مجتمعية متلاحمة إلى أزمنة فردية منحلة ومتشظية.

خلاصة

من خلال بعديها الأيقوني والتشكيلي نجد المعانيَ و الدلالاتِ التي تحتويها صورة غلاف “أعشقني” لا تكشف عن نفسها من تلقاء نفسها، كما أن معانيها ودلالاتها ليست ثابتة أو قارة، بل متغيرة متحولة لأنها ذات أبعاد إنسانية أنثروبولوجية تنتمي إلى الوجود الإنساني برمته. وهي مرتبطة بخطاب إنساني يمتحُ من الظواهر الطبيعية ويمنحها أبعادا دلالية تتجاوز الأبعاد المادية الوظيفية.

إن الألوان والأشكال كما الخطوط واللون تتسرب إلى الصورة محمَّلة بدلالاتها التي سبقت دراستها. فاللون الأزرق الطاغي على صورة الغلاف موجود باعتباره دلالة أيقونية لا باعتبار وجوده المادي كلون من بين ألوان اخرى، وما يصدق على اللون يصدق ايضا على الخطوط والأشكال أو ما أسميناه “مفردات الصورة ” هي الأخرى.

فهذه المفردات لها اشكال وأحجام متباينة محتوية على دلالات أخرى تُغْني البعد الأيقوني وتُنوعُ من دلالاته. كل ذلك من خلال نصٍّ أو خطابٍ ثقافيٍّ يحتويه نسق ثقافي يحول كل ما في الصورة إلى بؤرة لإنتاج الدلالات وتحديد أنماط استهلاكها. هذا النسق الثقافي الذي تبدو الكاتبة متمردة عليه ببوحها وتحديها وإصرارها على على هذا التحدي في تقنية الكتابة الروائية وهي تبحث لها عن أسلوب يميزها، وما استحضارها لقولة جيرترود شتاين بعد الإعلان عن نهاية الرواية وفي آخر صفحة بالضبط الصفحة 219 إلاَّ دليلٌ على هذه الحرية المنشودة من طرف كاتبتنا ومبدعتنا تقول جيرترود شتاين : ” ليس هناك جواب، ولن يكون هناك جواب، ولم يكن هناك جواب قط، وهذا هو الجواب”.[22]

لكل ما سبق ذكره وجبَ وَيجبُ علينا لما نكون أمام صورة فوتوغرافية لها علاقة بإبداع ما أو حالة إبداعية ما أو أثناء تعاملنا وقراءاتنا للصورة أن نكون على بيِّنة واطلاع وعلى ” معرفة كبيرة لإدراك كل الايحاءات التي تتيرها إيماءة عجْلى أو نظرة متوسلة او ابتسامة مُعلقة على شفاه حزينة “[23]

الهوامش

1 ـ أنظر، نظرية الرواية والرواية العربية، د فيصل دراج، المركز الثقافي العربي، ط 1، 1999، ص 6

2 ــ مجمل اللغة، لابي الحسين احمد بن فارس بن زكريا اللغوي، دراسة وتحقيق : زهير عبدالمحسن سلطان، مؤسسة الرسالة، الجزء الثالث، ط 1، 1984، ص 668

3 ــ وجب التذكير بأن الرواية اليوم كما سبقت الاشارة لذلك حملت المشعل من الشعر وأصبحت هي ديوان العرب ــ

4 ــ يؤمن رولان بارت من جهته بأن الصورة هي الأخرى خطاب ، وهذا الخطاب يمكن تفكيكه وتفسيره، تقريباً بالأدوات المشابهة التي يُقرأ ويُفسّر بها النص الأدبيّ.

5 ــ قناة الشرقية 2020، برنامج: أطراف الحديث، https://youtu.be/sexxQ-z9iAQ

6 ـ ـ-Julia kristiva, le texte du roman, Mouton publichers, paris, new york,1970,p 15 -18

7 ــ أنظر : المسدس والكتاب” قراءة في رواية اللص والكلاب” د عبد الجليل بن محمد الأزدي، ط1، دجنبر 2007، ص 45

8 ــ جاك أومون، الصورة، ترجمة ريتا الخوري، مركز دراسة الوحدة العربية ط1 بيروت أبريل 2013. ص7

9 ــ جاك أومون، الصورة، ترجمة ريتا الخوري، مركز دراسة الوحدة العربية ط1 بيروت أبريل 2013. ص 12

10 ــ أنظر : السيميائيات مفاهيمها وتصنيفاتها لسعيد بنكراد صص 88 ـ 89

11 ـ ارتأينا أن نجعل كل جزء من الصورة بمثابة المفردة اللغوية والتي لا تكشف عن معناها تاما وكاملا إلا في إطار الكل الذي هو الجملة

12 ــ يعتبر شعر المرأة في الجاهلية عنوان جمال المرأة بسواده وطوله، أما قصه فكان معيبا ولا يكون إلى في حالة الحزن على فقدان قريب أو حبيب .

13 ــ مجمل اللغة لأبي الحسين أحمد بن فارسس بن زكريا اللغوي، راسة وتحقيق : زهير عبدالمحسن سلطان، مؤسسة الرسالة، الجزء الأول ، ط1 ، 1984، ص267

14 ــ d’un regard a l’autre .Fransesco casette .p43

ــ أنظر أيضا : سعيد بنكراد ص 102

15 ـ لن تعطي الصورة معناها للمتلقي ولن تكشف له عن دلالتها أو دلالاتها بسهولة إن لم يحول نظره إلى إبصار

 

16 ــ في حديث صحفي لسعيد عقل تحديدا في (برنامج خليك بالبيت) يرفض أن تشبه المرأة بهذا النوع من التشبيهات كما هو ووارد في شعر نزار قباني مثلا

17 ــ قناة الشرقية 2020، برنامج أطراف الحديث، https://youtu.be/sexxQ-z9iAQ

18 ــ للكاتبة رواية سيلفي مع البحر تعتمد أيضا في غلافها على اللون الأزرق

19 ــ ” أعشقني، د سناء الشعلان، أمواج للنشر والتوزيع، عمان ـ الأردن ، ط 4، 2019، ص13.

20 ــ وهذا ما قلنا بأن الصورة بقراءة متأنية تظهر عكس ما تبطن، وهوما عبرنا عنه بثنائية النظر والإبصار

21 ــ الــهابتوس / habitus عند عالم الاجتماع بيير بورديو هو : حركات وأفكار وأساليب يكتسبها الإنسان ويستضمرها لدرجة نسيان وجودها، ولأنها صارت لا شعورية، فإنها تتيح للإنسان العمل دون التفكير فيه. إنها العادة والتعود.

22 ــ من المعلوم أن جيرترود كاتبة ورسامة أمريكية عاشت في فرنسا وزارت المغرب في القرن 19 عشر، جمعتها علاقة حب مع رجل مغربي بسيط من مدينة طنجة رافقها إلى فرنسا. فهي سيدة متحررة فكريا وجنسيا، كتب قصتها مع عشيقها المغربي د حسن نجمي في روايته التي تحمل عنوان :” جيرترود”.

23 ــ السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها، سعيد بنكراد، منشورات الزمن، ط1 سنة 2003، ص 100

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى