عذراً أصدقائي.. نحن في زمن الجهلاء..!!
بقلم: صالح الراشد
النشرة الدولية –
جلست مع صديقي المحامي فتحي العلان على أحد المقاهي نحتسي القهوة وأمارس هوايتي بتدخين الارجيلة، وتجاذبنا أطراف الحديث وخضنا في السياسة والإقتصاد وأحوال المجتمع، وفي خضم حوارنا نظر إلي وقال: ” أعجبني مقالك الأخير وشعرت بأنك تملك ثقافة كبيرة”، وللحق فقد أروى غروري بكلماته فقلت :”الحمد لله”، أعاد النظر إلى وجهي مبتسماً وقال:”رغم جمال ما كتبت وعمقه وأهميته إلا أن اي جاهل يحصل على إعجاب أكثر منك، فلا تظن أنك نلت الإستحسان في زمن لا يميز بين الجهل والثقافة”، وأكمل ” شاهد هذا الفيديو لهذا الأحمق فقد حصل على أكثر من مليون مشاهدة، وهو رقم لو كتبت الف مقال لن تحصل عليه، فنحن في زمن الجهلاء”.
صدمني بكلامه، لكني عدت إلى نفسي فأنا أدرك أنه يقول الحق، فبعض الجهلاء يحصلون على متابعات بشكل يفوق الخيال بسبب تغريدة بلا قيمة أو معنى، ونظرت إلى “تويتر” فقرأت تغريدتين لإعلاميين من الحجم الثقيل متابعة ومن الحجم المتدني في الثقافة، فغرد أحدهم ” ماما أنا طالع البلكونة, -يا ميدووو ..بص يمين وشمال الأول يا روح ماما”، فيما غرد العبقري الثاني “تخيل تموت علشان وانت طالع من الحمام الصبح عربية تخبطك”، وعلى “الإنستغرام” تحصل صبية على ملايين المتابعات وهي لا تعرف “8+3″ كم تساوي”، ورغم هذا الجهل والإنحطاط الفكري حصل كل منهم على متابعات عديدة وردود متعددة ما بين الضحك والسعادة بالرد على هذه التعليقات السخيفة، فيما مقالي يتوقف معجبيه عند رقم من خانة العشرات.
ذكرتني هذه الأحداث بقصة معروفة حصلت بين الأديب المشهور عباس العقاد وشكوكو، حيث رد العقاد على سؤال بأنه لا يعرف شكوكو، فرد شكوكو لنذهب إلى ميدان التحرير ونشاهد على من يتجمع الناس، فرد العقاد إذهب أنت وراقصة شبه عارية وقفا في الميدان وأنظر إلى أين يتجه الناس، هذه القصة تدل على تدني المستوى الفكري والثقافي في المجتمعات التي تسير بقوة صوب الحضيض، كونها لا تفرق بين الغث والسمين، فالتوجهات الفكرية تغيرت، كما قال الفيلسوف اسامة جبارة :” أصبحنا نتفاجأ حين نسمع بأن شخص يقرأ كتاب، فقد تغيرت المفاهيم فأصبحت المشاهدة هي طريق المعرفة على الرغم من خطورتها”.
لقد ضاع العلم والمعرفة تحت أقدام الجهلاء الذين يرتقون فوق علم العارفين، فتغير الذوق العام وأصبحت اللغة العربية الفصيحة منبوذة حتى بين المثقفين، ليلتف بعض الأدباء حول لغة الشارع لمواكبة العصر تحت مسمى الحداثة، ومن بقي منهم صامداً ضاعت كلماته في الهواء ونال لقب الأديب الرجعي، في المقابل واصل الجهلاء إنطلاقتهم صوب القمة وجمع الإعجابات وحصد الجوائز وأبرزها جائزة “إيغ نوبل” التي ينالها الحمقى, وصدق من قال أن المميزين لا يبحثون عن الجوائز التي هي مكافأة للحمقى.
وفي هذا العصر عصر الجهالة يختفي العلماء ويبرز الاشقياء، فأصبح الاغبياء مشهورين والأحرار في السجون والعلماء يجوعون ويعرون، ليقفز على المناصب المتسلقون الفارغون، فضاعت هيبة المجتمع وإنخفضت قيمة العلماء فانحنت ظهروهم ونُكست رؤسهم في زمن ترتقي فيه أعناق السنابل الفارغة، فاعذراني يا صديقي العلان وجبارة فنحن في زمن الجهل والجهلاء.