الأردن وإسرائيل علاقات على حافة الهاوية
بقلم: نضال منصور
النشرة الدولية –
قطع العاهل الأردني عبد الله الثاني السكون السياسي بتلويحه بصدام مُحتمل مع إسرائيل إذا ما أقدمت على ضم أراض فلسطينية.
التهديد الملكي جاء والعالم مُنشغل بتداعيات جائحة كورونا، بينما يعمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو على تغيير الواقع السياسي، وفرض جغرافيا جديدة يُسنده في ذلك خرائط وضعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خطة سلامه التي عُرفت بـ “صفقة القرن”.
لم يقل الملك عبد الله الثاني في حديثه لمجلة دير شبيغل الألمانية إنه سيُعلن الحرب على إسرائيل، أو سيقطع علاقاته الدبلوماسية معها، أو سيُنهي معاهدة السلام التي زاد عمرها عن ربع قرن، ولكنه ترك الباب مفتوحا لكل السيناريوهات والخيارات.
لا يُخفي الملك عبد الله استيائه وغضبه من سياسات نتانياهو العدائية للأردن، وتهديدها لمصالح عمّان الوطنية، ومحاولاته الدؤوبة لفرض منطق القوة، ولهذا فإن الملك الأردني، الذي يحظى بقبول دولي واسع يدق طبول الخطر بشكل استباقي قبل أن تعم الفوضى، ولا يتردد في القول مُجيبا على أسئلة المجلة الألمانية “القادة الذين يدعمون حل الدولة الواحدة لا يعلمون تبعاته، وماذا سيحصل لو انهارت السلطة الفلسطينية”.
ويُكمل “سنشهد مزيدا من الفوضى والتطرف في المنطقة، وإذا ما ضمت إسرائيل بالفعل أجزاء من الضفة في تموز القادم؛ فإن ذلك سيؤدي حتما إلى صدام كبير مع المملكة الأردنية الهاشمية”.
وحين سُئل هل ستُعلق العمل بمعاهدة السلام مع إسرائيل اكتفى بالقول “لا أريد أن أطلق التهديدات، أو أن أهيئ جوا للخلاف والمشاحنات، ولكننا ندرس جميع الخيارات، ونتفق مع بلدان كثيرة في أوروبا والمجتمع الدولي على أن قانون القوة لا يجب أن يُطبّق في الشرق الأوسط”.
فعليا ورغم المُناورة والمُراوغة السياسية، فإن العاهل الأردني يُهدد نتانياهو بأن الوضع قبل قرار الضم ـ إن حدث ـ لن يكون كما هو بعد قرارات الضم المُتوقعة للمستوطنات في أراضي الضفة الغربية وغور الأردن، وكلام الملك بذات الوقت رسالة احتجاج مُعلنة على سياسات الإدارة الأميركية التي يُشرف سفيرها في تل أبيب على ترسيم خطوات الضم، ويُتابعها أولا بأول.
على أرض الواقع ارتفعت المستوطنات الإسرائيلية 50 بالمئة خلال العقد الماضي، والأكثر استهجانا أن سلطات الاحتلال شيدت أربع بؤر استيطانية خلال جائحة كورونا، فيما تُخطط لبناء 10 ألاف وحدة استيطانية في الضفة الغربية بعد أن أتمت بناء 15 ألف وحدة استيطانية في العامين الماضيين.
هذه الممارسات اللاشرعية في كل الأوقات دفعت منظمة بيتسليم الإسرائيلية للتحذير من أن أعمال العنف ضد الفلسطينيين ارتفعت بشكل حاد خلال جائحة كورونا.
إذن ماذا سيفعل الأردن؟ وما هي المخاطر التي تُهدده؟ وما هي السيناريوهات والخيارات التي سيتبعها في حربه المفتوحة مع إسرائيل؟ وهل يملك أوراق قوة وضغط لإجبار نتانياهو على التراجع عن مُخططه بضم أراضٍ فلسطينية؛ مما يُنبئ بفوضى سياسية قد تعم المنطقة؟
لا يملك الأردن، رغم لغته المُتشنجة، خيارات كثيرة للضغط على إسرائيل بعد أن أصبح ظهره مكشوفا دون مُساندة عربية، ويبدو وكأنه يُغرد خارج السرب في معارضته وحيدا لإسرائيل، وسط تقاذف الاتهامات عن “هرولة” للتطبيع معها وصلت حد الانشغال في شهر رمضان في تفكيك السر وراء مسلسل “أم هارون” الذي تعرضه قناة MBC، واعتبر جسرا وتوطئة لتهيئة الشارع العربي للتعايش مع إسرائيل.
يشعر الأردن بالقلق وقلة الحيلة في ظروف سياسية واقتصادية استثنائية فاقمتها جائحة كورونا، لكن هذا الحال لا يمنع المفاجآت؛ فالقيادة الأردنية أصرت على رفض استمرار تأجير أراضي الباقورة والغمر للجانب الإسرائيلي، رغم كل الرهانات والإشاعات على أنه سيتراجع عن هذه التوجهات، لكنه حسم هذا الملف الشهر الماضي بالإنهاء الكامل لاستغلال أراضيه من المزارعين الإسرائيليين، وتصدى لكل التهديدات التي أطلقت لمعاقبته بسبب تمسكه بهذا الموقف، وربما هذا السياق يفتح شهية السياسيين للتساؤل إن كانت خطوة الملك القادمة ستذهب لتجميد بعض بنود معاهدة السلام، واستدعاء سفيره في تل أبيب، وإبلاغ السفير الإسرائيلي في عمّان أنه لم يعد مُرحبا به.
منذ توقيع معاهدة السلام، كثيرا ما تهاوت العلاقات بين عمّان وتل أبيب ووصلت إلى حافة الهاوية، ولولا الحسابات الإقليمية والدولية التي يقيسها الأردن بدقة لما طاق وتحمل نتانياهو الذي يحكم منذ العام 1996 في إسرائيل.
أزمة الضم للأراضي الفلسطينية ـ المستوطنات وغور الأردن ـ تُعمق وتزيد الشرخ، فهي لا تقتصر على مصادرة الأراضي، وإنهاء حل الدولتين إلى الأبد، وإنما تُهدد شرعية الوصاية الهاشمية للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وهذا ما يعتبره النظام الأردني خطا أحمرا لا يجوز المساس به.
ليس سهلا قراءة الخطوات الأردنية، فالغضب الملكي والتلويح بالصدام يُبدده قرار المحكمة الدستورية في عمّان الذي أحدث صدوره ضجة، واعتبر وفُهم على أنه تحصين لاتفاقية الغاز مع إسرائيل، فقرار المحكمة الدستورية فُسِر على أنه يقطع الطريق على إصدار مجلس النواب لقانون جديد يمنع استيراد الغاز من إسرائيل، باعتبار أنه لا يجوز إقرار قوانين تتعارض مع معاهدات صادقت عليها الدولة، ومرت في كل قنواتها الدستورية.
ما زال الجدل حول قرار المحكمة الدستورية ومغازيه مُحتدمة، وهذا يجعل القراءات لمسار الاتجاهات الأردنية أصعب، والتكهن بالخطوات القادمة ضرب في الرمال، والمؤكد في كل ذلك أن المخاطر التي تُهدد الأردن جراء قرارات الضم الإسرائيلية مُحدقة، فالحبل السري، والامتداد الطبيعي للأردن وفلسطين ستقطعه إسرائيل بضم غور الأردن، وستُصبح إسرائيل حُكما بعد تغيير الجغرافيا الجار الأبدي للمملكة الأردنية الهاشمية، وعند ذلك ستنتهي كل الآمال والأحلام والشعارات بالتكامل الاقتصادي بين ضفتي النهر، وستُطلق قرارات الضم صافرة البدء لـ “ترانسفير” تهجير الفلسطينيين مما يُعيد إلى الطاولة خيار الوطن البديل في الأردن بعد أن تتهاوى السلطة الفلسطينية.
رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن (JISS) إفرايم عنبار يعتبر أن تطبيق السيادة على غور الأردن ليس نزوة يمينية إسرائيلية، بل تنفيذ لخطة استراتيجية، مُشيرا إلى أن السيطرة على معابر غور الأردن تمنع غزو إسرائيل.
ويقول عنبار في صحيفة “إسرائيل اليوم” إن “من يدافعون عن إعطاء غور الأردن للفلسطينيين يستهينون بأهميته الأمنية”.
صوت إفرايم عنبار هو السائد في إسرائيل، وهو ما يُعبر عنه نتانياهو بعد حصد ثقة الكنيست لحكومته الائتلافية، والأصوات المعارضة التي ترى أن خطة الضم ستؤدي إلى ضرر شديد بالأمن الإسرائيلي لا تجد أذانا صاغية، وتحذيرات عاموس جلعاد الكاتب الإسرائيلي في صحيفة يديعوت أحرنوت أن خطة الضم ستؤدي إلى تردي الوضع الأمني، وتفكيك السلطة وانهيارها، وستقود إلى عودة الاحتلال العسكري المباشر، مما يُشكل عبئا أمنيا واقتصاديا على إسرائيل، لا تجد من يلتفت أو يستمع لها.
قبل أن ينتهي هذا الصيف، وقبل أن تضع جائحة كورونا أوزارها يُريد نتانياهو أن يضع أقدامه فوق التاريخ بعد أن يتلاعب بالجغرافيا، وكل الحقائق والوقائع التي تعمدت بالدم عن الحق الفلسطيني يُريدها أن تُصبح نسيا منسيا، فالدولة الفلسطينية ليست إلا أضغاث أحلام، وحق العودة للاجئين ليس أكثر من سيرة تُروى بالتاريخ، فيما الحقيقة أن إسرائيل تمددت وانقضت حتى على المعاهدات التي وقعتها.
بعد 72 عاما على النكبة، يتعرض الفلسطينيون لنكبة جديدة بعد أن يقضم الاحتلال ما تبقى من أراضيهم وينقض على أحلامهم، ففي الأراضي المحتلة بفلسطين لا يُقلقهم فيروس كورونا حين يُصبح الاحتلال خطرا داهما أكبر يفتك بشعب بأكمله، ولا يمكن الوقاية منه بتاتا.