لماذا يتعين على إسرائيل أن تقلق؟* عريب الرنتاوي
النشرة الدولية –
هل يتعين على إسرائيل أن تقلق وهي تتابع الانتفاضة العالمية ضد العنصرية والتمييز العنصري؟…هل يتعين عليها أن تخشى على مستقبلها، وهي ترى «أصنام» و»تماثيل» رموز الاستعباد والعنصرية والتطهير العرقي، تتهاوى في الولايات المتحدة وعواصم أوروبية كثيرة؟…هل ينبغي لها أن تقف على رؤوس أصابعها، وهي ترى ثورة شعبية عارمة، على «التاريخ» و»السرديات» التي فرضها الرجل الأبيض، المنتصر، في حروب التطهير والإبادة لشعوب وأمم بأكملها؟
الرواية المُؤَسِسة لدولة إسرائيل، لا تختلف عن الرواية المُؤَسِسة للدولة الأعظم في العالم…زحف من المهاجرين والمغامرين، منهم الباحث عن فرص وحياة أفضل، ومنهم السجناء والسرّاق، تقاطروا من مختلف أرجاء الأرض، للاستيلاء على أرضٍ ليست لهم، وإنكار وجود سكانها الأصليين، وتعريضهم لمختلف صنوف الإبادة والتطهير العرقي، وإبقاء من تبقى منهم في «معازل» و»محميات»، تماماً مثلما تُحفظ الحيوانات المرشحة للانقراض في مواجهة «الصيد الجائر»…لا اعتراف بالجريمة، لا اعتذار عن مقارفتها، ولا تعويض مناسب للأبناء والأحفاد من الضحايا، بل على العكس من ذلك تماماً، فقد شُيّدت التماثيل والنصب التذكارية التي تمجد هؤلاء، من كريستوفر كولومبوس إلى أصغر تاجر للرقيق وقاد جيوش الغزو والاستكشافات، الذين جعلوا من جماجم الرجال والنساء، أهدافاً متحركة يختبرون عليها، قدراتهم على الصيد والرماية.
ما الفارق بين هذه القصة و»الرواية المؤسسة» لإسرائيل…زحف من المهاجرين والمغامرين، يبدأ منذ مختتم القرن التاسع عشر ولا يتوقف حتى يومنا هذا…جرائم إبادة وتهجير لأصحاب الأرض وسكانها الأصليين مستندة إلى «نظرية أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»…استعباد يومي للعمالة الفلسطينية الرخيصة، ونظام للتمييز العنصري في كل مفصل من مفاصل الحياة اليومية…إنكار لحقوق هذا الشعب على أرضه التاريخية، وزحف استيطاني إجلائي لا يتوقف…»صفقة قرن» و»توجه للضم» يعكسان الشهية التوسعية والنزعة «الانتصارية» للرجل الأبيض ضد «هنود فلسطين الحمر»، ومشاريع للمستقبل تُبقي من تَبقى من الفلسطينيين على أرضه، في «معازل» و»محميات»…لا فرق بين وايزمن وكولومبوس، ولا فرق بين تجار العبيد العنصريين وجنرالات «جيش الدفاع» وقادة العصابات، من جابوتنسكي وبيغين، مروراً بشارون وليفني ونتنياهو، وعطفاً على بن غوريون وليفي اشكول وغولدا مائير واسحق رابين وشمعون بيرس ونتفالي بينت وعوفاديا يوسف وعمير بيريتس….ومع توالي سقوط الأصنام في المدن الأمريكية والأوروبية للعنصريين وتجار الرقيق، على إسرائيل أن تخشى انهيار «الأصنام المعنوية» التي نجحت في تشييدها في عقول الأوروبيين والأمريكيين لمشروعها وقادتها و»آبائها المؤسسين».
ليس على إسرائيل أن تخشى على «تاريخها» بعد أن انتفض الغرب على «تاريخه» فحسب، عليها أيضاً أن تخشى على مستقبلها، ذلك أن كافة تصوراتها للحلول المستقبلية للقضية الفلسطينية، تستبطن أبشع معاني العنصرية وأكثر أشكالها قبحاً وفجوراً…العالم بات يضيق بالعنصرية اليوم، بعد انتفاضة جورج فلويد، والعالم سيضيق ذرعاً بالعنصرية الإسرائيلية في قادمات الأيام.
الاحتجاجات في أميركا وأوروبا أكثر جذرية من سابقتها هذه المرة…هي لا تكتفي بإدانة السياسات والممارسات العنصرية، ولا تتطلع لإصلاح نظام الشرطة والعدالة، هي لا تتحدث عن «المواطنة المتساوية» وتطالب بها للجميع من دون استثناء فحسب، بل هي تنبش في عمق التاريخ، وتذهب بعيداً نحو جذر المشكلة وبداياتها، وليس مستبعداً أن نشهد على انبعاث موجة من « المؤرخين الجدد» في الغرب، الذين سيعيدون قراءة تاريخ هذه البلدان…ليس مستبعداً أن تتسع ظاهرة «المؤرخين الجدد» في إسرائيل وأن تتعمق وتتوسع، لتدحض الرواية الاستعمارية العنصرية الرسمية، وتُحِلّ محلها، الرواية الموضوعية للتاريخ، وعندها، سنرى عرباً ويهوداً، يهرعون إلى الشوارع والساحات للإطاحة بأصنام العنصرية والاستيطان ورموز العدوان والاستعباد.