هل تقترب العملة الأوروبية الموحدة لتصبح الملاذ الآمن الجديد؟
النشرة الدولية –
مع تمرير حزمة تحفيز تاريخية في أوروبا، انطلق اليورو بسرعة ملحوظة ليصل إلى أعلى مستوياته في غضون عامين.
لكن هل تقترب العملة الأوروبية الموحدة من التحول إلى ملاذاً آمناً في سياق التحركات التي تخالف المألوف بشكل كبير في الآونة الأخيرة؟
ماذا حدث؟، وافق الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على تدشين “صندوق التعافي”، والذي يهدف إلى تخفيف الألم الذي أحدثه الوباء، الأمر الذي يقلل من خطر مغادرة دولة ما لمنطقة اليورو.
ومن المقرر أن يتم تمويل صندوق التعافي من خلال سندات مدعومة بشكل مشترك، ما يعني أنها ستكون مجموعة واسعة من الديون منخفضة المخاطر.
وبحسب المتفق عليه، فإن 390 مليار يورو من إجمالي مبلغ صندوق التعافي البالغة 750 مليار يورو ستكون في هيئة منح، بينما من المفترض إنفاق بقية الأموال في شكل قروض، وهو ما يأتي بهدف مساعدة الدول الأوروبية الأكثر تضرراً من الوباء.
ماذا عن تحركات العملة؟، قبيل إقرار حزمة التحفيز يوم الثلاثاء الماضي، كان الرأي السائد بين المحللين بأن اليورو سيصل إلى مستوى 1.15 دولار بحلول نهاية هذا العام، طبقاً لوكالة بلومبرج.
لكن بدلاً من ذلك، تسارع الاتجاه الصعودي في العملة الموحدة لتكسر حاجز 1.16 دولار في غضون ساعات بعد إتمام الصفقة التاريخية البالغ قيمتها 750 مليار يورو وتكون عند أعلى مستوى منذ سبتمبر/أيلول عام 2018.
وارتفع اليورو بذلك مقابل الدولار بنحو 7 بالمائة تقريباً منذ أوائل مايو/آيار الماضي وحتى الآن، في حين أن العملة الأوروبية الموحدة صعدت بنسبة 3 بالمائة في الشهر الجاري حتى نهاية تعاملات 22 يوليو/تموز.
هل كل شيء يتعلق بصندوق التعافي؟، بالطبع لا، حيث توجد قوى أخرى ساهمت في قوة اليورو مؤخراً، وعلى رأسها ضعف العملة الأمريكية بسبب تضييق فروقات عوائد السندات ومعاناة الولايات المتحدة في التعامل مع الوباء.
ويوجد سبب آخر يدفع العملة الأوروبية لأعلى، وهو أن صناديق التحوط لا تزال تتزاحم لتغطية المراكز البيعية في سوق الخيارات والتعاملات الفورية، مع حقيقة أن المؤسسات الاستثمارية بدأت للتو في إضافة مراكز شرائية، وفقاً لتقرير نشرته وكالة بلومبرج نقلاً عن متداولين في أوروبا لكنها لم تفصح عن هويتهم.
وبحسب أحدث البيانات الصادرة عن لجنة تداول العقود الآجلة للسلع في الأسبوع المنتهي في 14 يوليو/تموز الماضي، فإن مدراء الأصول رفعوا مراكزهم الطويلة لأكثر من 300 ألف عقد في حين كانت عمليات الاقتراض بغرض البيع (المراكز البيعية) تبلغ 3200 عقد.
الملاذ الآمن الجديد؟، دفع الاتحاد الأوروبي اليورو خطوة أقرب إلى كونه ملاذاً آمناً، حيث إن صندوق التعافي سيجعل الكتلة أكثر استقراراً، كما أن إصداراً السندات المدعومة بشكل مشترك سيعزز جاذبية العملة الموحدة في أوقات التوترات، كما يقول الكاتب المتخصص في أسواق الائتمان بوكالة رويترز “نيل أونماك”.
ومن الناحية النظرية، يعتبر اليورو بمثابة ملاذ آمن، حيث بلغ إجمالي ديون الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم 27 دولة نحو 78 بالمائة نسبة للناتج المحلي الإجمالي قبل الوباء، وهو أقل من الولايات المتحدة أو اليابان.
كما أن منطقة اليورو تدير فائضاً في الحساب الجاري، مما يجعلها أقل اعتماداً على المقرضين الأجانب، فضلاً عن أن ثلث المدفوعات العالمية مقومة باليورو.
ماذا عن التوقعات؟، مع استمرار الاتحاد الأوروبي في التعامل مع الوباء بشكل فعال، فإن هذا يعني أن هناك مجالاً كبيراً لصعود العملة الأوروبية الموحدة بالنظر إلى أن التوقعات كانت هبوطية للغاية.
وإذا استمر التعافي الاقتصادي في منطقة اليورو (من المتوقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 10.2 بالمائة خلال العام الجاري) بوتيرة تهزم التوقعات، فسيترجم ذلك إلى مكاسب على صعيد العملة.
ويعتقد المحللون في مجموعة “ميزوهو” المالية أن اليورو قد يصل إلى 1.30 دولار إذا بدأت العملة الموحدة في الحصول على علاوة الملاذ الآمن.
وتفسر رئيسة استراتيجية الصرف الأجنبي في رابوبانك “جين فولي” خلال تقرير لوكالة بلومبرج صعود اليورو بأن العملة المشتركة تحتفل بوضوح بالتحسن في أساسياتها.
وأضافت أن حجم صندوق التعافي ليس ضخماً ومن المحتمل ألا يكون كافياً إذا ضربت موجة أخرى من عمليات الإغلاق القارة، قائلة: “ومع ذلك فإن حقيقة أن الاتحاد الأوروبي كان قادراً على تنسيق حل وسط في وقت أبكر مما توقع الكثير هو أمر مهم”.
ومن شأن مسار أفضل للنمو في أوروبا أن يكون أمر رئيسي لدفع اليورو إلى الأعلى، بحسب ما قاله رئيس أبحاث العملات العالمية في دويتشه بنك “جورج سارافيلوس” ونقلته صحيفة “فايننشال تايمز”.
ويتوقع “سارافيلوس” أن يتداول اليورو عند 1.20 دولار بحلول نهاية العام، مع تخلص المستثمرون من الأصول الأمريكية لشراء الأسهم والسندات الأوروبية.
ويتساءل كبير مدير المحفظة الاستثمارية في إنفسكو “ويم فاندينهويك”: هل سأتفاجئ إذا تم تداول اليورو بسعر 1.30 دولار أو 1.35 دولار في غضون عام أو خلال 18 شهراً؟، ليجيب بالطبع لا.