مجموع ال98 ..وأب وأم فاشلين* عبير العربي

النشرة الدولية –

“إيه ده” كلمتين صاحبتهما كام علامة استفهام علقت بهما احدى الصديقات على بوست عبر الفيسبوك قامت بتشييره مما دفعني بالطبع لقراءته كي أعرف -إيه ده-!

البوست الذي شيرته صديقتي يقول، الحمد لله وبفضل من الله نجحت في الثانوية العامة وحصلت على مجموع 98% وبدأت مرحلة جديدة من تحقيق الحلم وربما تكون مرحلة جديدة من المعاناة أيضا، بشكر جدا كل الناس اللي وقفت جنبي، أولهم أخواتي أحمد ومصطفى ومدرسيني اللي تفهموا أزمتي الأسرية وساعدوني كتير في التغلب عليها وكانوا بيرفضوا يتقاضوا مني ثمن الدروس وساعدوني ماديا، بشكر كل أب وأم كتبوا بوست هنئوا أولادهم بنجاحهم في الثانوية العامة بلهفة وحب وفرحة وسعادة، وفي نفس المناسبة أحب أقول للجميع أن بابا وماما مالهومش أي فضل عليه ولا لهم 1%من نجاحي وأحب أبلغهم أني فعلا مش مسمحاهم على حالة التوتر وعدم الاستقرار على مدار السنة التي صنعوها في البيت دون هوادة ولا رحمة،ولولا أخواتي كان زماني بدرس في دبلوم الصنايع والمستقبل ضايع!

انتهى البوست هنا، وأصابني ما أصاب صديقتي التي قامت بتشيريه ووجدتني أردد ما رددته ،”إيه ده”! فعلا إيه ده!

والحقيقية قادني استغرابي لمناطق كثيرة بداية من حالة السرد التي أعلنت عنها فتاة البوست معبرة عن واقعها الشخصي وتعريتها لأداء أسرتها تجاهها المتمثلة في أبيها وأمها، وموقفهما المخزي معها، رغم أن هذا النموذج الأسري موجود وتعرفت على ملامحه كثيرا وهو يأتي ضمن الملفات المسكوت عنها في المجتمع ،ولكن ما استوقفني هي قدرة الفتاة التي لا زالت صغيرة نوعا ما ،وأضعف قدرة ربما في أن تتخذ قرار بالإعلان عن أزمتها في وقت مبكر من الحياة ومع أسعد لحظة ستمر بتاريخ حياتها ، و كتابة ما كتبته في تلك اللحظة تحديدا ،لحظة السعادة المطلقة في الانتصار على الثانوية العامة الكابوس الأكبر والفرحة التي لا تتساوى معها فرحة مهما كانت وأينما بلغت.

قادني البوست إلي دخول صفحة تلك البنت وتصفحها وبالنظر إلي صورة البروفايل وجدت شكل ملائكي وضحكة هادئة ،قرأت عدد من كتاباتها ،وجدت الكثير منها يعبر عن حالتها وعدم استقرارها الأسري،وبوستات أخرى تعبر عن حالة تمني بوجود أب وأم يدعما حياة سوية مستقرة.

لم يقف الحال بي هنا ولكني قررت التواصل معها ،وعلى الفور ودون تردد دخلت على الخاص وباركت لها”فريدة مبروك حبيبتي نجاحك ومبروك المجموع الجامد جدا أوي ده ،لترد الله يبارك في حضرتك شكرا جدا.

توقعت لوهلة أن فريدة صاحبة البوست عقب علمها بوظيفتي ربما تظن أن الهدف هو تداولي لما نشرته ،أو قيامي بدور الواعظ والناصح الأمين لها بمسح البوست،حفاظا على الشكل الاجتماعي لها، والحقيقة أنا كنت أبعد ما يكون عن ذلك، ولكن رغبتي كانت معرفة لماذا أعلنت هذا وكيف غضت البصر والمعنويات عن هذا العبء الممتد وفعلتها ونجحت!

ليحدث ونتواصل عبر الماسينجر ، وبعد المباركات بالتفوق وما شابه ،قالت لي،عندي شقيقين، محمد خريج كلية هندسة ويعمل مهندس تكنولوجية، وناجح جدا والحمد لله، ومصطفي في الفرقة النهائية في طب أسنان ويعمل في مركز تقويم وتجميل ومبسوط جدا جدا،ويعتبرا سندي ودعمي الحقيقى ،وكان عندهما فرصة لدخول كليات في مدينتنا لكنهما قررا الهرب من الجحيم الأسري إلي جامعة الأسكندرية وبدأوا المشوار من الصفر واشتغلوا وصرفوا على نفسهما،وعلي أنا أيضا ، ووعدوني في حالة نجاحي يأخذوني للدراسة في الأسكندرية بعيدا عن أجواء هذا البيت التعيس

سألتها تعيس إزاي؟ قالت فريدة ،ببساطة مشاكل ليل نهار جحيم،اختلاف على أتفه الأسباب لم يراع أى منهما ظروفي وأنني في ثانوية عامة ،ومحتاجة هدوء ودعم ومساندة، لا شىء جديد ،ولا كأني موجودة،مافيش اهتمام من أي نوع ، بالعكس الوضع يسوء أكثر، ولم أتذكر ولو لمرة واحدة سألتني أمي تحبي تتغدي إيه، أو دخلت علي مرة بكوب عصير ،تجاهل لي ولكل ما يخصني ،وحضور طاغي للمشاكل والخلاف والسباب وصوت جهوري يخرج بفضائحه بره حدود البيت مقتحما سكن منازل الجيران.

تصمت ويكسرصمتها حاجز السكون وتعود بحس منخفض مهزوم بالبكاء كنت أتمني ظروف أسرية أفضل من كده،وأب وأم أنعم بوجودهم وحنيتهم ودعمهم ،وفرحتي تكتمل بدورهم البطولي معي ،وآخد كام صورة وأنا في حضنهم !

هنا وجهت لها سؤال لم أقصد من ورائه سوى الانسحاب من هذا الحوار الذي شعرت معه بالهزيمة خاصة وأنني لا أملك توجيه أي مواساة لوضع أقل ما يوصف بالمأساوي فقلت ناوية على دخول إيه يا فراولة، قالت عايزة أدرس أي حاجه خاصة بالصحة النفسية ، أو الطب النفسي، قلت طيب إيه الرسالة اللي عايزة تقوليها لأسرتك وللمجتمع بشكل عام من خلال دراستك للصحة النفسية أو الطب النفسي ،قالت لاء ماعنديش رسالة عايزة أوجها لأحد ،أنا الهدف من وراء الدراسة هو أنا،عايزة أحمي نفسي من الإحباط و اليأس والفشل، خايفة ادخل منطقة المرض النفسي ،وعدم التوازن ،والاهتزاز، خايفة أكون معقدة،وتطارني أزمة التربية، والبرود الأبوي، وجفا الأمومة وأبقى صاحبة عذر النواقص والهشاشة الأسرية.

وأخيرا قالت لي فريدة عايزة آخد رأيك في حاجة؟، قلت طبعا، تأيدي أمسح البوست ولا أسيبه؟ قلت حاجة ترجعلك مش فارق الصراحة؟ بس أنتي قررتي إيه وليه ؟ قالت بفكر أمسحه لسبب ،مش عايزة أتحول لأيقونة داخل الأسر المماثلة ويقولوا لأولادهم بنت أهي ونجحت وجابت مجموع كبير وأسرتها فاشلة،مش عايزة أبقى داعمة لتقبل وضع بايخ سخيف للأولاد والبنات ،وأبقى استشهاد من أهاليهم على فصل أنفسهم عن خيبات التعامل وإلزامهم بالتفوق.

كانت تلك هي التفاصيل الكامنة وراء ملامح بريئة لازالت في منطقة الصبا،يغلفها نجاح باهر بمجموع 98% ويستوطنه خواء وخيبة أمل صنعها وصاغها أهم بناء داخل البيت، وكان دافع لأن تعلن فريدة بقوة وتخلي عن أي حسابات أن والديها ليسوا شركاء في هذا الإنجاز العظيم.

لكن إذا كانت فريدة بعد ما فضفصت بما أجهد مشاعرها ،وقررت مسح البوست حتى لا تكون نموذج يؤذي جيل يشبهلها، وتكون أشبه لأداة تجبرهم أمام أسرهم على النجاح،فأنا أجزم أنه ليس من المؤكد أن تفرز الأنقاض

مباني شامخة، ولكن كثيرا ما يكمن أسفل الأنقاض حطام وبقايا وجثث، وأرواح تحاول أن تنتزع النفس الأخير، ليس من الطبيعي أن تكون فريدة نتيجة عامة وإن كان موجود منها ومن شقيقيها المهندس والطبيب حالات مماثلة، لكن لا ينبغي أن نعول على ذلك، وعلى البيوت وبناءها من أب وأم أن يدركوا حجم الكوارث التي يزرعوها وينبتوها داخل نفوس أبنائهم،دعوهم يعيشون كما ينبغي بعيدا عن أمراض مشاكلكم وخلافاتكم التي تطيح بشكل وبآخر بأعظم إحساس يتمثل في الراحة ويساهم في تشكيل أسعد لحظات من الفرح يمكن أن تدق على باب القلب.

كل ما أراه أنه كان لا يجب أن تقترن فرحة كبيرة مثل هذه بكل هذا الكم من المرار من حيث المعاملة والقسوة واللامبالاة واللامسئولبة بمجموع يقترب من ل100% ،وتعلن عنه صبية جميلة بريئة نابغة بملامح فشل وقهر أبطاله للأسف أب وأم، متمنية انفصالهما وهي تقول ،أعتقد كنا هنعيش ظروف أفضل أنا وأخواتي لو كل واحد منهما أخذ طريق بعيد عن الثاني،عاشوا مع بعض كارهين ومختلفين، ودمروا حياتهم وحياتي وحياة أخواتي والشكل العام بيقول إننا أسرة ناجحة!! واحنا أقل ما يصفنا حزن وحسرة وأبناء تركوا لهم البيت و هربوا عشان هما يكملوا ………..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button