بيروت تزدحم بالموفدين وتختنق بالمواقف التصعيدية ولا حكومة قريبة

سوسن مهنا

النشرة الدولية –

وكأن بيروت كانت بحاجة إلى انفجارها حتى يلتفت إليها المجتمع الدولي قاطبة. زحمة موفدين ومواقف لم تفرج عن حلول، ولم ترشد المسؤولين اللبنانيين إلى طريق الخلاص، بل زادت التعقيدات تعقيداً والانقسامات انقساماً. حتى وجوب الإسراع في عملية تشكيل الحكومة التي لم يُعلن بعد عن موعد للاستشارات النيابية الملزمة لتحديد اسم رئيسها العتيد، وكل ما أشيع في الأجواء عن قرب تشكيلها هدفه ضخّ أجواء إيجابية، والإيحاء إلى المجتمع الدولي أن المسؤولين جديون في التعاطي مع الملفات الضاغطة، والكلام عن الحكومة العتيدة ما زال في إطار التكهنات. حكومة حياد وفق الطرح الأميركي أو حكومة وطنية بحسب اقتراح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تتمثل فيها القوى السياسية الحالية، إذ أشارت معلومات إلى أن ماكرون تواصل مساء الإثنين 10 أغسطس (آب) مع رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس البرلمان نبيه بري والنائب السابق وليد جنبلاط، وحضهم على الإسراع في عملية تشكيل حكومة مهمتها القيام بالإصلاحات والإشراف على إعادة الإعمار.

وتشير معلومات إلى بحث جدي في عقد مؤتمر وطني برعاية دولية للبحث في ملفات خلافية عدة، منها الاستراتيجية الدفاعية والمعابر البرية والبحرية ومراقبة المطار.

تسوية دولية تلوح في الأفق

وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل خلال زيارته بيروت كان واضحاً، فواشنطن لا تريد تضييع مزيد من الوقت، وبما أن الشروط الأميركية معروفة فعلى اللبنانيين الالتزام بها. رافق ذلك مواقف متقدمة لبري الذي قال إن “المحادثات مع الأميركيين في ملف ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل أصبحت في خواتيمها”، ما عدّه مراقبون بمثابة تسوية دولية إقليمية تلوح في الأفق وتهدف إلى “لبننة” “حزب الله”، وحصر نفوذه ضمن الأراضي اللبنانية. في المقابل تخوّف بعضهم من أن ذلك يعني إعطاء “الحزب” حيزاً أكبر في الساحة السياسية اللبنانية إذا انسحب من سوريا.

ويأتي كلام رئيس الجمهورية ميشال عون إلى قناة بي أف أم تي في BFMTV)) الفرنسية عن الاتفاق بين الإمارات وإسرائيل غامضاً بعض الشيء، إذ إنه لم يبد اعتراضاً على التطبيع مع إسرائيل، وفق ما علّق صحافيون. ورداً على سؤال “هذا الأسبوع حصل حدث تاريخي حيث قامت الإمارات العربية المتحدة بتوقيع السلام مع إسرائيل. كيف تعلقون على هذا الاتفاق؟ وهل لبنان على استعداد للتوقيع على السلام مع اسرائيل؟ أجاب عون “نحن لدينا مشكلات مع إسرائيل يتوجب حلها”، مضيفاً أن “الامارات بلد مستقل وله الحق في القيام بما يريده”.

الدعم المالي لـ “حزب الله” عبر ظريف

أيضاً تأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى بيروت والتي رشح عنها أن ظريف أكد لنصرالله أن المرشد الإيراني علي خامنئي طلب منه نقل هذه الرسالة شفهياً، ومفادها أنه سيدعم “الحزب” من موازنته الخاصة من دون حدود، وأمر بتأمين مبلغ يعادل مليار يورو تقريباً، إلى جانب تكليفه الحكومة الإيرانية “بتأمين كل ما يحتاجه من دعم مالي للوقوف بوجه المشروع الأميركي – الصهيوني في لبنان”.

وذكرت المصادر أن ظريف أخبر نصرالله أن عدم إعلان هذا الموضوع سببه الخشية من امتعاض داخلي في إيران، لاسيما مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي يواجهها شعبها، داعياً “الحزب” إلى عدم القلق، لأن هناك صندوقاً للذخائر الاستراتيجية كانت إيران احتفظت به، يمكنه تأمين ما تحتاج إليه من موارد مالية أجنبية مدة تزيد على 10 سنوات، حتى لو لم تبع قطرة واحدة من النفط، لكن صرف أي مبلغ من هذا الصندوق مرهون بموافقة المرشد.

جبران باسيل و”تحييد” رأسه

من جهة أخرى، أطلّ اليوم الأحد 16 أغسطس (آب)، رئيس التيار الوطني النائب جبران باسيل ليتنصل من “ورقة التفاهم” مع حزب الله، محاولاً استعادة بعض من الشارع المسيحي، متحدثاً عن علاقته بـ “حزب الله”، وقال “يسألوننا لماذا نبقي على التفاهم مع حزب الله وندفع ثمناً غالياً بلا جهد من قبلهم ضد الفساد؟ نقول لهم لأننا معهم ضد إسرائيل والإرهاب، والثمن لو دفعناه، فهو للدفاع عن لبنان، ندافع عنهم بوجه الخارج، ولكن لسنا مجبرين أن ندافع عن أخطائهم في الداخل، بل من واجبنا مواجهة الأخطاء”. وأضاف باسيل “عندما تكون القصة داخلية نتواجه مع حزب الله إلى حدّ الفراق على مسألة بناء الدولة، ونحن ذاهبون إلى هذا المكان إذا لم يتحملوا في المرحلة المقبلة المسؤولية معنا لتتم الإصلاحات اللازمة، وهذه مسؤولية الحكومة والمجلس النيابي”.

هذا الكلام وضع في خانة مهادنة “حزب الله” في موضوع سلاحه من جهة، ورسالة إلى المجتمع الدولي بعدما ورد اسم باسيل على لائحة عقوبات أميركية قادمة على لبنان، بوصفه حليفاً لـ “الحزب”.

انتخابات نيابية مبكرة

في السياق ذاته، جاء قول البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي خلال عظته اليوم الأحد (16 أغسطس)، إن “الشعب يريد حكومة إنقاذ لبنان لا إنقاذ السلطة والطبقة السياسية. ووجوب البدء فوراً بالتغيير، مسرعين إلى إجراء انتخابات نيابية مبكرة من دون التلهي بسن قانون جديد، وإلى تأليف الحكومة الجديدة”.

وكان الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله وخلال إطلالته الأخيرة الجمعة 14 أغسطس بمناسبة الذكرى الـ 14 لـ “حرب تمّوز”، رأى أن هناك “مؤامرة حقيقية لإسقاط الدولة اللبنانية، بدأت بإسقاط حكومة حسان دياب، وحاولت وتحاول إسقاط مؤسسة الرئاسة بشخص العماد ميشال عون، وإكمال هذا السيناريو بإسقاط مجلس النواب، وإشعال فتيل الحرب الأهلية لنسف السلم الأهلي، وإدخال البلاد في حال من الفوضى والفراغ السياسي”. وطالب أنصاره بكتم الغيظ وضبط النفس، والاحتفاظ بالغضب لأنه “قد تأتي الحاجة إليه لإنهاء محاولات جر لبنان إلى الحرب الأهلية”.

قلق نصرالله والصفقة الدولية

يضع الصحافي اللبناني جوني منيّر خطاب نصرالله الأخير ضمن خانتين إيجابية وسلبية، فالإيجابية أن نصر الله اعترف بوجود المؤسسات الوطنية ووجوب الحفاظ عليها، والسلبية هي الجانب التهديدي في الخطاب، إذ حاول التلويح بعصا الغضب “لأنه قد تأتي الحاجة إليه”. ويرى منّير في حديثه إلى “اندبندنت عربية”، أن “أكثر ما يخيف نصرالله هو الحديث عن انتخابات نيابية مبكرة، لأن ذلك سيفقده الأكثرية العددية في مجلس النواب، ما يعني أن الحكومة المقبلة لن تكون لمصلحته”. وعن التسوية الإقليمية يقول منّير إن “فرنسا اعترفت بالحزب بدليل استقبالها له على أراضيها، أي ضمن “قصر الصنوبر” مقر السفارة الفرنسية في العاصمة بيروت”. ويؤكد أن “المفاوضات تجري مباشرة بين الحزب وفرنسا، وبين الحزب والولايات المتحدة الأميركية عبر رئيس البرلمان نبيه بري”. وعدّ أن “الحزب يثق بالفرنسيين، بخاصة أنهم منعوا الاستقالة الجماعية من مجلس النواب”.

ويرى منيّر أن “الحزب في إطار تقديم تنازلات، بخاصة بعد الخسائر التي مني بها على الساحات السنية والمسيحية والدرزية، ومن هنا وافق على ترسيم الحدود البحرية بعدما طالب بتلازم مساري الحدود البرية والبحرية”.

من جهة أخرى، يضع منيّر كلام باسيل اليوم في إطار “التمايز” عن موقف “الحزب”، وأيضاً محاولة لاستعادة بعض من الشارع المسيحي الذي خسره. ويضيف “أن عدم زيارة ديفيد هيل لباسيل رسالة أميركية، لأن هيل من المسؤولين القليلين الذين حافظوا على علاقاتهم معه”. وعن موقف الأميركيين من “حزب الله” يشير منّير إلى أن الولايات المتحدة في مفاوضات مع “الحزب”، وأنه إذا ما كان هناك من صفقة دولية فستنعكس إيجاباً عليه، والدليل على ذلك ما قاله الرئيس الأميركي دونالد ترمب، من أنه في حال فوزه بالانتخابات المقبلة فسيبرم اتفاقات مع إيران وكوريا الشمالية على وجه السرعة.

أما الصحافي محمد نمر فعلّق على كلام رئيس الجمهورية، بأنه “لم يمثل اعتراضاً على التطبيع، بل وضع الأمور في إطار شروط وتطورات ومتطلبات”. ولفت إلى أن نصرالله ظهر في خطابه الأخير بمظهر المأزوم “، إذ إنه ذهب إلى الخطاب التهديدي والحديث عن الحرب الأهلية في وقت أن الناس تتكاتف في ظل الأزمات التي تعصف بالبلد، من التفجير إلى وباء كورونا، والأزمات الاقتصادية”. وأشار نمر في حديثه مع “اندبندنت عربية” إلى أن “نصرالله يهرب إلى الوراء لأنه لم يستجب إلى الحال الجديدة ومطالب الناس والمجتمع الدولي”، إذ إن “الحزب يعيش عزلة شبه تامة من المجتمع الدولي، وأيضاً في ظل رفض من الشارع اللبناني، بعدما رأينا تعليق مشانق للأمين العام لحزب الله، وغيره من المسؤولين اللبنانيين”.

وتابع نمر “رأينا الرئيس الفرنسي والمسؤول الأميركي يمشيان بين الناس، في وقت كان نصرالله يهدد الأميركيين أنهم سيدخلون عامودياً ويخرجون أفقياً”، كما أن الحزب يعيش حالاً من تضييق الخناق والهجمة الدولية التي أتت مرة واحدة بعد التفجير. وأضاف أن “همّ نصرالله في هذه المرحلة هو المحافظة على الستاتيكو الطائفي الموجود في البلد، لأن أجندته مرتبطة بأيديولوجية ولاية الفقيه وإيران”. وعن استخدامه لهجة التهديد يقول نمر إن نصرالله استخدم مصطلح الغضب أي التهديد بالعودة إلى 7 مايو (أيار)، وأوحى وكأن لبنان ساحة قابلة لأعمال تخريبية وتفجيرية”.

ويشير نمر إلى أن “الحزب” يحاول مقايضة ورقة ترسيم الحدود البحرية بحكومة تكنوسياسية، لكنه في جميع الأحوال غيّب موضوع الانتخابات النيابية المبكرة متخوفاً من خسارته للأكثرية العددية في حال تمت هذه الانتخابات الآن. وأكد نمر أن الحزب يماطل للوصول إلى الانتخابات الأميركية المقبلة، والتي ستكون من أهم الاستحقاقات الانتخابية منذ الحرب العالمية الثانية، إضافة إلى الانتخابات العراقية والإيرانية والسورية، ومن ثم الانتخابات النيابية والبلدية والرئاسية في لبنان، “لقد دخلنا بترسيم للقوى خلال السنين المقبلة منذ الآن”.

باسيل يقدم أوراق اعتماد للمجتمع الدولي

وعن خطاب باسيل، يرى نمر “أنه حاول تقديم أوراق اعتماد للمجتمع الدولي، ولديه قواسم مشتركة مع نصرالله من حيث تضييق الخناق، كما أن ديفيد هيل أتى ولم يزره، وكذلك فعل وزيرا الخارجية الإيراني والمصري سامح شكري، وهذا يدل على أن باسيل لا يزال أداة عند الحزب ولا توجد لديه إمكانية المناورة. والحقيقة التي لم يقلها هي أنه مستعد أن يتنازل عن كل مبادئه مقابل وصوله إلى سدة رئاسة الجمهورية، مثلما فعل عمه ميشال عون الذي وضع يده بيد السوري والإيراني وحزب الله فقط، من أجل ايصاله إلى كرسي الرئاسة”.

وعن شكل الحكومة المقبلة، لاحظ نمر أن كل الموفدين الدوليين حطوا في بيت الوسط (مقر الرئيس سعد الحريري)، وأطلقوا خطاباتهم من هناك، وهذا دليل على إعطاء الشرعية والثقة لسعد الحريري. ويقول “ما نحتاجه حكومة يكون هناك توافق وطني حولها، وألا تتضمن الأطراف المعطلة من التيار الوطني الحر وحزب الله”.

ويرى أن “المشكلة الأساس في رئيس الجمهورية الذي لا بد أن يستقيل، وأن يتجه مجلس النواب إلى تقصير ولايته مع إجراء انتخابات نيابية مبكرة”.

نقلاً عن “اندبندنت عربية”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى