ظلال بيروت المضيئة تنتج الأمل من الألم

النشرة الدولية –

ميموزا العراوي

انتشرت في الآونة الأخيرة رسمة تحت عنوان “صعود الملائكة” للفنانة اللبنانية فاطمة ضيا على شبكات التواصل الاجتماعي ولاقت رواجا كبيرا.

يكفي أن نتأمل في العمل الفني بعض الشيء لندرك أنه ليس أفضل ممّا قُدّم إلى حد الآن من فنانين لبنانيين وغير لبنانيين إن تقنيا أو فنيا. وقد يدفعنا ذلك إلى التساؤل حول ما الذي جعل هذا العمل ينال كل هذا الإعجاب؟

بضع لحظات لاحقة لهذا التأمل في العمل تكفي لنرى أن ما جعله متميزا عن باقي الأعمال الفنية يمكن حصره في عاملين اثنين.

الأول، يؤكّد من جديد أننا نعيش في زمن يثمّن الفكرة المطروحة في العمل الفني أكثر من البراعة التقنية والابتكار الفني البحت. أما العامل الثاني الذي ربما ضاعف من انتشار ورواج لوحة “صعود الملائكة”، هو أن الفنانة وظفتها لمساعدة المنكوبين.

بعيدا عن العمل الفني المفاهيمي الذي يحتاج في أحيان كثيرة إلى تفكيك البصريات المطروحة بغية الوصول إلى المعنى، فهذه اللوحة التي تستوفي كل شروط التعبير الفني التقليدي ترتقي إلى عمل مفهومي عرف كيف يقبض على عصب اللحظة المأساوية، وإن بأسلوب يشي بنضارة تجريبية فنية تحتاج إلى الكثير من الصقل.

كما عمدت فاطمة ضيا إلى نشر شريط فيديو قصير على صفحات التواصل الاجتماعي يوثّق لمراحل إنشاء اللوحة بداية بمشهد لبيروت حتى حدوث الانفجار و”تشكُل” الملائكة. وأرفقته بمؤثرات صوتية وأغنية “لبيروت” الفيروزية، ولكن بصوت المطربة عبير نعمة.

حشدت ضيا في لوحتها، حين وصلت إلى هيئتها النهائية، لحظة الحياة مع لحظة الموت في أجواء لونية غلب عليها الفرح. كما شكَلت بريشتها خطوط مُرتجّة و”مُتراقصة” أخرجت عبرها الفاجعة من فكرة نهائية الأمل والقهر الناتج عن فقدان أحبة كُثر قضوا في انفجار 4 أغسطس. وقد قالت الفنانة أنها في هذا العمل حاولت أن “تعزّي أهالي الضحايا في جعلهم ملائكة تصعد إلى السماء”.

لا يقتصر الأمر على ذلك، فالأسلوب الذي رسمت به الفنانة الملائكة ضاعف من أهمية العمل. فكل مُتمعّن فيها سيدرك أنها ملائكة “بشرية” مفعمة بالحياة والمرح تخرج من الأجساد أحياء. لا تطوف في الفضاء الأزرق كالأرواح أو الأشباح بهدوء أو غموض كبير، بل تشكلّ الحلقات وكأنها لرقص جماعي يحتفي بالحياة على الرغم من الموت.

وهذا “التعاضد” ما بين الملائكة البشرية وهي تتعارف لأول مرة في “مناسبة” الموت التي تتحوّل إلى احتفال حميمي يخفّف من وطأة الألم والشعور بالوحدة.

وتأخذنا لوحة فاطمة ضيا إلى مجموعة فنية تضم أكثر من أربع لوحات للفنان البريطاني توم يونغ، إذ بدت وكأنها استكمال لنشاط “الزوبعة” الملائكية/ البشرية التي قدّمتها الفنانة اللبنانية، إذ يصوّر الفنان البريطاني مجموعة أشخاص متفرّقين ومُتقاربين يقومون برفع الركام وتنظيف الشوارع.

وقد أطلق الفنان على هذه المجموعة اسم “ملائكة الأرض”. والأشخاص هم كذلك ليس لأنهم تطوّعوا لتنظيف الشوارع المنكوبة فقط، بل لأنهم فنيا في هذه اللوحات يشبهون أطيافا نورانية نحيلة وغامضة الملامح تعمل بخفة على سطح الدمار الهائل.

تحركت فاطمة ضيا كما الكثير من الفنانين وغير الفنانين إلى ناحية تأمين الدعم لهؤلاء في ظل غياب شبه تام للسلطات المختصة والرسمية. وذكرت في أكثر من حديث أنها لم تكن تتوقع هذا النجاح وأنها كانت تود أن تحتفظ باللوحة لنفسها على أن تطبع نسخا منها بهدف بيعها ليعود ريعها للمتضررين من الانفجار.

وذكرت أيضا أن شقيقتها القاطنة بفرنسا شجعتها على عرض العمل في مزاد علني. وأنها نفّذت هذا الاقتراح. وقد وصل مبلغ بيع اللوحة حتى منتصف شهر أغسطس الماضي إلى نحو 40 ألف دولار.

لم يمض وقت طويل قبل أن تقدّم الفنانة شريط فيديو جديد أرفقته بأغنية حقّقها المغني الجزائري – العالمي الشاب خالد لأجل بيروت المنكوبة. عمل فني تصوّر فيه الفنانة مراحل رسمها للوحة جديدة يظهر فيها مشهد من داخل بيت بيروتي تراثي جميل وشديد الحميمية، وهو يتوقّد بألوانه الدافئة وبنافذة واسعة ومُطلعة على الشارع من خلال نظرة فتاة تلبس ثوبا أبيضا تجلس على الأريكة أمام النافذة.

حقّقت فاطمة ضيا شهرة عالمية على سبيل الصدفة من خلال عمل “صعود الملائكة”، وهي بداية كفيلة بأن تبثّ النشاط والحماس في روح الفنانة وتشجعها على تعميق تجربتها والأهم من ذلك، تدفعها، اليوم، إلى المُثابرة على توظيف أساليب التسويق الفني والاهتمام بما تقدّمه شبكات التواصل الاجتماعي من فرص، لاسيما تطبيقي فيسبوك وإنستغرام اللذين من دونهما اليوم يستحيل على أي فنان مهما كان عمله أن يظهر في العلن ويحقّق النجاح.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى