كيف تسحق السوشيال ميديا ذكاء الجماهير؟
تقرير – وليد بليلة/ المغرب
في الذي تعد فيه وسائل السوشيال ميديا والاعلام الجديد فضاءا بارزا لمختلف النقاشات الساخنة التي تستأثر بإهتمام الرأي العام وكبار المسؤولين في البلدان الغربية على غرار قضايا الديموقراطية والهجرة وحقوق الانسان والإشكالات المثارة حولها، على النقيض من ذلك،ومنذ انتهاء موجات الاحتجاجات الشعبية ببلدان الشرق الأوسط وشمال افريقيا، تحولت منصات وسائل التواصل الاجتماعي ( فيسبووك – انستغرام – يوتيوب …) من ساحة لتداول الآراء وتبادل وجهات النظر حول مشاكل التنمية من فقر، فساد، سوء التوزيع العادل للثروات (…) ثم الانتهاكات التي تطال منظومة حقوق الانسانمن قمع لحريات التعبير، الاستبداد في السلطة (…) إلى فضاء يستجمع مختلف أصناف الرداءة من خلال ما يتم مشاركته والتفاعل معه على هذه المنصات في تغييب خطير للقضايا الأساسية والتحولات الطارئة التي يعيشها المجتمع.
في المغرب على سبيل المثال، يختنق الرأي العام في العالم الافتراضي أمام موجة مما يسمى شهرة بـ “البوز” وهي كل تلك الشخصيات والأحداث التافهة والتي لا قيمة لها مجتمعيا إلا أنها تلقى تفاعلا كبيرا لدرجة أنها تصبح محط نقاش مستفيض وتفاعل باهر بين رواد وسائل التواصل الاجتماعي، في مقابل ذلك، تتفجر بين الفينة والأخرى قضايا مركزية تخفي في جوهرها مؤشرات مقلقة حول واقع المجتمع سواءا في علاقته بالأفراد أو الدولة، وبالعودة إلى المقارنة بين النقيضين، تلعب الصحف الرائدة في الغرب دورا حاسما في التأثير على دوائر القرار ودفعها نحو معالجة قضايا مستجدة في الرأي العام ذات أهمية بالغة خصوصا تلك المتعلقة بالعنصرية أو الفساد السياسي أو حتى التجاوزات المرتبطة بكراسي السلطة وغيرها. أما صحفنا الموقرة،فإنها تلعب دورا أكبر من سابقاتها، إذ تبذل مجهودات حثيثة في تسليط الأضواء والتنافس حول خطف مقابلات اعلامية مع أبطال البوز وذلك إيمانا منها بدور الصحافة في تنوير الرأي العام والمساهمة الفعالة في بلورة وعي مجتمعي بقضاياه ومستجداتها، ولا شك في ذلك حقا فهذه مهنة المتاعب كما يحلو للصحفيين وصفها.
سبق للمفكر الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي أن قال متحدثا عن خطورة إنتشار ثقافة الرداءة بين المجتمعات “إجعل الرداءة تَعُم حتى تصبح عادية ثم مستساغة ثم مطلوبة”، وكذلك نلاحظ منذ مدة عبر العالم الافتراضي وما يدور حوله،حيث بمجرد أن يلج الفرد هذه العوالم حتى يجد نفسه محاطا بكم هائل من التفاعلات التي يقودها مستخدمو السوشيال ميديا بحماسة شديدة أغلبيتهم من دون حتى وعيه بماهية الموضوع المتفاعل معه، والذي يكون في أغلب الأحيان حول أحداث تكون طبيعتها تافهة ولا أهمية لها، أبطالها أتيحت لهم في غفلة من التاريخ شهرة هم أصلا مندهشون منها، كل هذا يجسد حقيقة الإلهاء التي تستهدف العقل الجمعي للجماهير بغية تشتيت تركيزهم حيال قيم المجتمع وقضاياه الطارئة، حيث يتحولون إلى مجرد أرقام مستهلكة للأفكار الجاهزة دون أي عملية نقد أو تقييم، وهذا ما يحيلنا بشكل مباشر على نظرية النباهة والاستحمار التي كانت عنوان مؤلف المفكر والمصلح الايراني علي شريعتي، حيث انتقد من خلالها سياسات الاستعمار والمد التغريبي وفشل نظم التعليم في تكوين أفراد نابهين مستقلين يحملون في ضمائرهم شعورا جامحا بدورهم ومسؤوليتهم تجاه مجتمعاتهم، كما صب اهتمامه الفكري حول تفكيك نسق تفكير المجتمعات الاسلامية من خلال المجتمع الايراني ابان دكتاتورية الشاه في منتصف القرن العشرين، و أشار إلى ثنائية النباهة والاستحمار بقوله : (الاستحمار هو طلسمة الذهن وإلهاؤه عن الدراية الإنسانية والدراية الاجتماعية وإشغاله بحق أو بباطل،مقدس أو غير مقدس) ، ومن حسن حظه أن القدر لم يمنحه طول العمر حتى يعيش ليرىالاستحمار متألقا في أوجه .
إن ما يجري الآن في عالم الانترنت إضافة إلى المؤشرات التي نستخلصها من تطوراته يجعلنا متشائمين من المستقبل الذي ينتظرنا غدا،خصوصا إذا أدركنا أن الجيل الفتي الناشئ أدمن بشكل رهيب على السوشيال ميديا في شقها الترفيهي الذي لا وظيفة له غير تضييع الوقت وتحفيز التفكير السطحي لهؤلاء المستخدمين عبر كمية الاشاعات والافكار السطحية المتداولة والمرتبطة بالفن وغيره على حساب الأفكار العلمية والنقدية والانسانيةالنبيلة، ولابد من الإشارة إلى أن هذه الخطوات نجحت إلى حد كبير في خلخلة الروح الاجتماعية للأفراد وتقزيم قدراتهم الذهنية عبر مخاطبتهم كأغبياء لا ذكاء ولا فطنة لهم وبالتالي أصبحنا أمام جيل افتراضي يكاد يفتقد إلى منظومة معايير اجتماعية تمكنه من بلورة وقيادة نموذج مجتمعي إنساني راقي، كل هذا خلق نوعا من اليأس والاحباط حتى في صفوف الأفراد الواعين من إمكانية قيام إصلاح شامل وحقيقي وإستمراريته إلى غاية حدوث تغييراتعميقة بغية تطوير البنيات الاجتماعية والثقافية والسياسية للمجتمع.
وهنا تقع المسؤولية الثقيلة على النخب المثقفة والاعلامية الناضجة، حيث يستلزم الأمر منهم تكثيف المجهودات والعمل مشتركا بين مختلف الأطراف بهدف محاصرة الفكر السطحي اعتماداعلى نفس وسائل الاعلام الحديث والتواصل الاجتماعي من الفيس بووك، انستغرام، يوتيوب وباقي المنصات الالكترونية الشهيرة التي تعتبر اليوم البيت الحاضن للجيل الجديد.