الطرح الأول لتطبيق صيني خارق يهدد من وجود المصارف الأوروبية
شكل الصعود اللافت لعملاق التكنولوجيا المالية الصينية آنت غروب تهديدا للمصارف الأوروبية، حيث أنها ورغم تأجيلها لطرحها الأولي في البورصة فإن نسقها القائم على الابتكار المالي الذي شمل الحصول على قرض بمجرد نقرات ينذر بإنهاء الطابع التقليدي للمعاملات الأوروبية.
تواجه المصارف الأوروبية في البورصة تهديدا وجوديا مع اقتراب الطرح الأولي لآنت غروب، حيث تمثل خدمات الابتكار المالي القائمة على السرعة والفاعلية إنذارا بنهاية الطابع التقليدي السائد للمصارف الأوروبية.
قد تكون مجموعة “آنت” الصينية تعرّضت لانتكاسة عبر تراجعها عن عملية طرح عام أولي في البورصة، لكن المصارف الأوروبية لا تزال تشعر بالقلق من احتمال تحوّل شركات الصين العملاقة للتكنولوجيا إلى منافستها الرئيسية قريبا.
وشهد قطاع المال الأوروبي في السنوات الأخيرة ظهور عدد كبير من المشاريع الصغيرة تعرف بـ”فين تيك” أي “التكنولوجيا المالية”، والتي زعزعت المصارف التقليدية عبر تقديم خدمات رقمية.
وبينما لم تهدد بعد بشكل حقيقي المصارف التقليدية، إلا أنها أجبرتها على إدخال تغييرات في عملياتها والاستثمار بشكل واسع في تقديم خدمات رقمية مشابهة.
وقال رئيس مصرف “سوسيتيه جنرال” فريدريك أوديا أخيرا إن “منافس الغد الفعلي سيكون على الأرجح غافام أو أمثال مع آنت في العالم القادرة على القيام باستثمارات كبيرة”، مستخدما الاسم المختصر للشركات الأميركية الخمس الكبرى وهي غوغل وأبل وفيسبوك وأمازون ومايكروسوفت.
واحتلت شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة المزيد من المواقع في قطاع الخدمات المالية، الذي سبقتها خصومها الصينية إليه بأشواط.
وتملك مجموعة “آنت” التي كانت تأمل في جمع مبلغ قياسي مقداره 34 مليار دولار عبر الطرح العام قبل أن توقف الحكومة الصينية العملية في اللحظات الأخيرة، تطبيق الدفع “علي باي” الذي بات الظل الثابت للصينيين في حياتهم اليومية.
ويعد “وي تشات باي” التطبيق الرئيسي المنافس له في الصين والذي تملكه مجموعة الإنترنت العملاقة “تينسنت”.
وأفاد خبير التكنولوجيا المالية لدى شركة “إرنست ويونغ” كريستوفر شميتز بأن “الشركات التي طوّرت في الأصل برامج دردشة تهتم بدرجة كبيرة بتحسين هذه النشاطات إذ تمكّنها من تغطية مجال أوسع من نشاطات الناس اليومية”.
وأضاف “بالتدريج، تذهب حصة متزايدة من إنفاق الناس إلى هذه الشركات”.
وتبنّى الصينيون بشكل واسع طريقة دفع عبر مسح “رموز الاستجابة السريعة” أو رموز “كيو أر” التابعة للباعة على هواتفهم المحمولة باستخدام “علي باي” أو “وي تشات باي” نظرا إلى مدى سهولة العملية. ويحظى “علي باي” وحده بـ731 مليون مستخدم شهريا.
وفي غضون بضعة أعوام فقط، حوّلت المنصّتان الصين من بلد كان يعتمد بشكل كبير على الأموال النقدية إلى مجتمع يفضّل أفراده الدفع بهواتفهم الذكية.
ولم تكتفِ هذه الشركات بتسهيل عمليات الدفع فحسب، إذ تقدّم خدمات مالية أخرى تشمل القدرة على الحصول على قرض عبر نقر أزرار عدة فقط.
وقال المستشار بشأن سوق التجارة الإلكترونية أدريان بويه إن “‘علي باي’ يحقق عائدات من الخدمات المالية التي يوفرها مثل خطط الاستثمار والقروض تتجاوز تلك التي تدرها عمليات الدفع نفسها، والتي تعد مجرّد قمة جبل الجليد لما تحوّل إلى تطبيق خارق”.
وأضاف أن “الهدف هو أن يبقى المستخدمون في التطبيق لأطول فترة ممكنة. من الصباح وحتى الليل إذ هناك على الدوام وظيفة للقيام بها؛ التحدّث مع الأصدقاء وطلب سيارة أجرة وطلب الطعام وحتى العمل على مشاريع تعاونية”. وقال أوديا إن “الصين تعد النموذج الأكثر تطورا في القطاع المالي”.
ويبقى السؤال إلى أي درجة يمكن استنساخ هذا النموذج في أوروبا، خصوصا بعد انتكاسة مجموعة “آنت” في ما يتعلّق بعملية الطرح العام، والتي رأى فيها بعض المراقبين محاولة من السلطات الصينية لكبح جماح شركة طموحة للغاية؟
وأفاد الخبير في الخدمات المالية لدى شركة “ديلويت فرنسا” للاستشارات جوليان مالدوناتو بأن “مصارفنا لا تزال تحظى بحماية نوعا ما. لا تزال هناك حواجز ثقافية لكنها لن تحمينا إلى الأبد”. ومن بين هذه الحواجز الثقافية، رموز الاستجابة السريعة “كيو آر”.
وأكد شميتز من “إرنست ويونغ” أنه “في أوروبا، لا يحظى الدفع باستخدام رموز ‘كيو أر’ بالكثير من الشعبية”. كما يصعّب تعدد اللغات والثقافات في أوروبا الأمر بالنسبة إلى شخص قادم من الخارج.
لكن مالدوناتو نوّه إلى أن شركات التكنولوجيا الأميركية حاضرة بشكل واسع في حياة الأوروبيين اليومية، بينما جذب تطبيق “تيك توك” الصيني المستخدمين الشباب الذين يعدّون “زبائن العمليات المصرفية المستقبلية”.
ولعل ما سيغير قواعد اللعبة قدرة الشركات الصينية على ضخ الأموال لتطوير تكنولوجيا جديدة وكسب الزبائن، علما أن كلا من هذه الشركات تخطط لاستثمار نحو 70 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة.
ويشير مالدوناتو إلى أن ذلك “يثير قلق الأميركيين الذين سيسرّعون” استثماراتهم كذلك، بينما تواجه الشركات الأوروبية صعوبات في استثمار بضعة مليارات لا أكثر.
العرب