عن أي دبلوماسية نتحدث؟* حمزة عليان

النشرة الدولية –

ذهب الخيال إلى عالم الدبلوماسية وأنا أقرأ مقالة للسفير اللبناني جان معكرون بعنوان “سفراء بلا حدود” من واقع تجربته الخاصة في أرمينيا وكوبا وأميركا، لكن رئيس وزراء أثيوبيا “آبي أحمد” لم يتركني أهنأ بدلالاتها الإنسانية وبأنها “الوسيلة الفضلى للترويج للسلام” فالحائز “جائزة نوبل للسلام” يرفض وبشدة كل “الحلول الدبلوماسية” لأزمة إقليم تيغراي ويصر على خيار الحرب والمواجهات العسكرية كحل للأزمة.

 

التأملات في عالم الدبلوماسية تكشف الأقنعة والأدوار التي أدتها في عقود مضت، كما فعل أستاذ السياسة والعلاقات الدولية في كلية الدراسات الشرقية بجامعة لندن البروفيسور ستيفن تشان، في كتابه الأخير “حالات مقارنة في الممارسة الدبلوماسية والسياسية الخارجية”، وفيه حديث عن مخاطر اندلاع حروب عالمية، والإقرار بأن المركز السياسي والدبلوماسي لم يكن أكثر ما يميز الأمم المتحدة بوكالاتها المتخصصة، إنما كانت في المقام الأول تعبيراً عن الهيمنة.

 

ليس ذلك فقط، بل روى الدبلوماسي المخضرم وصاحب التجربة الطويلة الأستاذ عبدالله بشارة وبشيء من الريبة عن “دبلوماسية التجسس في الأمم المتحدة” متسائلاً، في بحث له نشرته مجلة “العربي” مؤخراً، من يتصور أن مبنى المنظمة العالمية التي تجسد حلم البشرية وروح السلام أن تصبح حقلاً للتجسس؟! وبالطبع يقصد لقاءه عندما كان في مجلس الأمن يرأس وفد بلاده، وقام بجمع المندوب الفلسطيني زهدي الطرزي مع المندوب الأميركي أدرو يونغ في منزله الخاص، بهدف التقارب السياسي، وموضوع آخر له علاقة بالتسلح وبدور الدول الكبرى حول جنوب إفريقيا ومدها بالسلاح.

 

وعالم الدبلوماسية لا يخلو من مفاجآت، ففي الأيام الأخيرة لعهد ترامب كان أحد أكثر مساعديه ولاءً، وهو جورج بومبيو، مصمماً على “ترك بصمته” بصفحات تاريخ الدبلوماسية، فقد اختارت واشنطن إطلاق “دبلوماسية مكثفة” في الشرق الأوسط لإظهار ثمرة السلام، وهذه الدبلوماسية التي قادتها على عجل وبتوقيت يخدم مصالحها أثمرت عن “سلام” تنعم به إسرائيل وعلى حساب الفلسطينيين وقضيتهم.

 

ويبدو في المشهد أن “دبلوماسية اللقاحات” هي الأخرى محط أنظار العالم في السباق للوصول إلى اللقاح ضد وباء كورونا، الذي يمكن أن يجني مكاسب هائلة على صعيد النفوذ السياسي ومراكز الاستقطاب في عالم القوة! فها هي الصين تعاود السعي إلى توسيع نطاق “طريق الحرير الصحي” وتحقق الهيمنة على الاقتصاد البيولوجي خلال العقد القادم، كما أشار إليها “هال براندز” باعتبار أن إتاحتها للدول النامية ستشكل ضرورة إنسانية كما هي ضرورة اقتصادية، وبالتالي جعل “دبلوماسية اللقاحات” أكثر فاعلية على الصعيد الدولي.

 

استبعاد وقوع الدول في مستنقع الحروب هو غاية ما ترمي إليه “الدبلوماسية” وإن تعددت وسائل الضغط التي تلجأ إليها الدولة، وهذا ما هدف إليه الدبلوماسي اللبناني جان معكرون، مستعيناً في بحثه على وجود 7.314 بعثة دبلوماسية حول العالم، وهذا ما يعكس حجم وتأثير هذا “الجيش الناعم” حيث تستأثر الصين، على سبيل المثال، بـ276 بعثة وأميركا بـ273 بعثة.

 

يقودنا هذا الحديث إلى ظاهرة انكفاء السفراء العرب وعدم اختلاطهم بشكل فاعل مع السفراء الأجانب الغربيين والآسيويين والأفارقة خلال انتشارهم في دول العالم كما يرى ذلك السفير محمد خلف القابع في كوبا والمتابع الجيد للأحوال السياسية في تلك البقعة من الكرة الأرضية، والذي سبق له أن قدم رسالة ماجستير باللغة الفرنسية في جامعة بروكسل، وحفظت في مكتبة “داغ هيمرشولد” في الأمم المتحدة عن “الدبلوماسية الوقائية بين تذبذب الإرادة والفعالية”، يستعرض فيها تبني مجلس الأمن “خطة السلام” في التسعينيات والنظر إليها “كعلامة استيقاظ” من قبل الأمم المتحدة للدخول في عصر جدي بالعلاقات الدولية.وخطة السلام كما قرأها السفير خلف، تؤرخ لحقبة هيمنت عليها موجة من التفاؤل لم تستمر بعد تفكيك الاتحاد السوفياتي وفتح آفاق جديدة لعمل الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لكن في المقابل أظهرت أن هناك جوانب كبرى من “الميثاق” غير قابلة للتطبيق.

 

خلاصة

 

الدراسة التي قدمها الدبلوماسي الكويتي محمد خلف تقول إن “الدبلوماسية الوقائية إذا كان هدفها تفادي الصراعات وتخفيف التوتر قبل نشوب الحرب أو سرعة الاحتواء في حال وقوعها واتخاذ تدابير لخلق الثقة المتبادلة بين الأطراف…”، من هذا المنظور تبدو للسفير خلف “أقل من مفهوم متقطع” منه إلى “نهج لتدبير الصراعات”، ثم يسهب في شرح تغيير ثقافة المنظمة وتحسين قدرتها في المجال الوقائي وتعزيز مصداقيتها وحدود الدبلوماسية الوقائية.

 

تبقى الإشارة ضرورية إلى القول إن جعل الدبلوماسية عباءة في العلاقات الدولية أمر مهم يحمل في ثناياه إمكانية تفادي الحروب وويلاتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى