مَن يوهم رئيسَ الجمهورية؟* اندريه قصاص

النشرة الدولية –

لبنان 24 –

أعطى رئيس الجمهورية حيزًا واسعًا لموضوع التدقيق الجنائي في الكلمة التي ألقاها في مؤتمر دعم الشعب اللبناني، الذي رعاه الرئيس الفرنسي والأمين العام للأمم المتحدة، وشارك فيه 32 دولة و12 منظمة دولية و7 منظمات مجتمع مدني، وقال: “إن الرسالة التي وجهتها إلى البرلمان عقب توقف التدقيق المالي الجنائي قد لاقت إقبالاً وإجماعًا عامين. هذا الرهان الوطني الذي أتمسك به شديد التمسك، والذي دأبت على المطالبة به منذ العام2005، إنما يتخطى النزاعات السياسية، ومن دونه لن تكون هناك أي اتفاقية مع أي دولة راغبة في مساعدة لبنان، ولا حتى مع صندوق النقد الدولي. وجاء رد الكتل البرلمانية مؤيدًا بالإجماع لتدقيقٍ كاملٍ وشاملٍ.

والتدقيق سيبين جميع المسؤولين عن انهيار نظامنا الاقتصادي، كما سيفتح الطريق أمام الإصلاحات الضرورية لإعادة بناء الدولة اللبنانية”.

ووفق ما ورد في كلمته عن هذا الموضوع يبدو أن الرئيس عون صدّق، أو أن هناك من أوحى إليه بذلك، أن مجلس النواب الذي إتخذ توصية بتعميم التدقيق الجنائي على كل الوزارات والمجالس والإدارات الرسمية والمصارف هو جاد في هذا المسعى، وكأن هذه التوصية هي الوحيدة التي تصدر عن المجلس النيابي، والتي تُتخذ ولا تُنفّذ، وتبقى حبرًا على ورق ليس إلاّ، إذ أن جميع المحللين السياسيين والإستراتيجيين أجمعوا على أن التعميم في مجال التدقيق الجنائي لا يعني شيئًا عمليًا، لأن من يريد أن يصيب لا يكبّر حجره.

هل تم “تكبير حجر” التدقيق الجنائي كي لا يصيب أحداً؟!

فالتدقيق لم ينجح في مصرف لبنان وحده، فكيف سينجح في وزارة المال مثلًا، وفي وزارة الطاقة ووزارة الإتصالات ووزارة الأشغال وفي مجلس الإنماء والإعمار وفي مجلس الجنوب وفي الصندوق الوطني للمهجرين؟

إنها قصة طويلة تبدأ ولا تنتهي لما فيها من ألغاز وفوازير وطلعات ونزلات، وقد تحتاج إلى أكثر من شركة تدقيق عالمية لتكتشف ما في مغارة علي بابا من دهاليز وخفايا وخبايا واسرار وتجاوزات وملفات وتزويرات وصفقات وصناديق سوداء.

مَن يصدّق أن التدقيق الذي سيطاول جميع المسؤولين، لأن وراء كل وزارة أو مجلس أو إدارة أو صندوق مسؤولًا معروفًا بالإسم والصفة والإنتماء، سيصل، أو بالأحرى سيدعونه يصل إلى الغايات المنشودة؟ ربما قد يكون رئيس الجمهورية هو من بين القلائل الذين يصدّقون هذه “الأكذوبة الكبرى، ربما لأنه بالشخصي لم يكن مسؤولًا مباشرًا عن أي وزارة، وإن كان “التيار الوطني الحر”هو المسؤول الوحيد عن وهم الكهرباء 24 على 24.

من يحميها على الأرجح هو حراميها. فهل تنتظرون أن يحاسب الفاسد نفسه ويدين الأعمال التي قام بها على مدى سنوات، وعلى عينك يا تاجر، ومن دون أن يرّف له جفن واحد؟

هذا من المحال. فتشّوا عن اسلوب آخر. ربما قد تجدون فيه ضالتكم ولن تجدونها. فالقصة معروفة من ألفها حتى يائها. لا تحتاج إلى الكثير من التفكير وعصر الدماغ. من أنتج هذه الأزمات القاتلة لن تكون الحلول على يديه بالتأكيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى