هل سيتمكن الرئيس الأمريكي المنتخب من إعادة توحيد الولايات المتحدة؟

النشرة الدولية –

توقع محللون أميركيون مهمة صعبة أمام الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن في معالجة الانقسام الحاصل بالمجتمع، خصوصاً في ظل انقسام حزبي غير مسبوق، تزامناً مع فرض الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب لواقع جديد ورؤية اجتذبت أعداداً مهولة ارتبطت بصورة وثيقة بشخصيته وسياساته.

تدفع حالة الانقسام المتفاقمة في الولايات المتحدة، وفق عدد كبير من المحللين، كثيرا من الأميركيين إلى ترقب تولي الرئيس المنتخب جو بايدن مهام منصبه رسمياً، ليحقق الأمل الذي يراودهم، وهو توحيد أميركا.

وفي حقيقة الأمر، ركَّز بايدن في خطابه، بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية، على ضرورة تصالح الأميركيين فيما بينهم، وقال: «سأكون رئيساً يعمل على توحيد الولايات المتحدة، التي تعرضت لهزة، بسبب حالة الانقسام، وحان الوقت لأن ننحي جانبا اللغة العدائية، وأن ينصت كل منا للآخر، وأن ننهي حالة الشيطنة. فهذا هو وقت التعافي ومداوة الجراح».

كما قالت نائبته كمالا هاريس إن «بايدن سيعمل على مداواة الجراح، ونحن نفتح صفحة جديدة بالفعل في الولايات المتحدة».

لكن هل يستطيع الرئيس المنتخب تحقيق ما وعد به؟

يقول الكاتب سكوت ماكونيل في عرض لرؤيته للموقف، نشرته مجلة «ذا ناشونال إنتريست»، إن الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب واجه صحافة معادية له بدرجة كبيرة، وحمل على كتفيه عبء عدد لا حصر له من نواقص جلبها على نفسه، لكن بالمقارنة مع بايدن، فإنه تمتع بميزة واضحة في بداية ولايته، وهي أنه هزم بعدل وإنصاف خصومه الأيديولوجيين في حزبه.

فقد كان الحزب الجمهوري يتمتع بقدر كبير من النفوذ داخل مجلسي النواب والشيوخ- ولم يكن بوسع ترامب أن يحكم بدونهما.

وربما كان هناك استياء لسُلطته على الحزب، فقد كانت المقاومة له من الدولة العميقة وسكان الضواحي الأثرياء شديدة جدا، وتسببت في سقوطه بنهاية الأمر، لكن لا يستطيع أحد أن ينكر أن صعود نجمه كان يعتمد على الحماس الجماعي للناخبين.

ولا يستطيع بايدن، والذي كان عضوا معتدلا ومحبوبا بما فيه الكفاية في مجلس الشيوخ، أن يتفاخر بشيء مثل ذلك. فقد فاز بعد بداية غير قوية بصورة محرجة لحملته، وحقق نجاحه في الوقت الذي أدت جائحة كورونا إلى الإغلاق. ومن المؤكد أن ذلك كان تقريبا الطريق المخيب للآمال جدا للفوز بالانتخابات في التاريخ السياسي الأميركي الحديث.

والحزب الذي رشح بايدن أكثر انقساماً من الحزب الذي كان يهيمن عليه ترامب في 2016، والفرق أن المعركة بين فصائل الحزب لم تبدأ بعد.

فالاشتراكيون قد ينضمون إلى الدولة العميقة وإلى الليبراليين الجدد في عالم الأعمال، في الاعتقاد (أو التظاهر بالاعتقاد- فهو أمر يصعب تمييزه)، بأن ترامب شكَّل نوعاً فريداً من التهديد للديمقراطية. لكن مع رحيله ليس هناك شيء يجمع بينهم. ومن الممكن للمرء أن يتخيل قدرة سياسي موهوب (مثل بيل كلينتون في أوج تألقه) على تهدئة الانقسامات، والخاسرين إلى حد ما، وليس من المحتمل أن يستطيع بايدن أن ينجح في ذلك في أي مرحلة من مراحل عمله.

فالانقسامات في الحزب الديمقراطي واضحة وأكثر تعقيداً بين التيار التقدمي بقيادة برني ساندر واليزابيث وارن ومعهما مجموعة من أعضاء الكونغرس، والتيار الوسطي القديم الذي يمثله بايدن وعدد من القيادات القديمة.

وإحدى نتائج هذه الانقسامات، أنه في الجولات الأولى من المرحلة الانتقالية لبايدن، كان كل اختيار للمناصب محفوفا بالهواجس العنصرية. وطوال الأسبوع الماضي، حاصر مئات من أتباع حركة «حياة السود مهمة» منزل عمدة لوس أنجلس إريك جارسيتي، احتجاجا على احتمال منحه منصبا وزاريا في إدارة بايدن. فهم يعارضون جارسيتي، الذي كان له دور رئيس في حملة بايدن، وربما المسؤول المنتخب من أصل لاتيني الأكثر شهرة في كاليفورنيا، لرفضه مطالب حركة «حياة السود مهمة»، بخفض تمويل إدارة الشرطة.

كما أن اختيار حاكم كاليفورنيا، جافين نيوسوم، المرشح للمقعد الذي كانت تشغله نائبته هاريس، تتم مناقشته تماما على أساس سياسات الهوية، حيث يرى السود والاتينيون وجماعات المثليين والسحاقيات ومزدوجو الجنس، أن واحدا منهم يستحق المقعد، ولا يسمع المرء نقاشات على أساس الشخصية، أو الدراية (المعرفة)، أو المواهب السياسية للمرشحين المفضلين لديهم.

ويضيف ماكونيل أنه مع ذلك، فإنه حتى إذا بدا أن حركة سياسات الهوية منذ الاحتجاجات الأولى التي أعقبت وفاة جورج فلويد أكثر راديكالية، وشمولا وترويعا، فلم يكن من الواضح أن الإيمان بها تغلغل في وعي أولئك الذي لم يكونوا زملاء دراسة، أو شبابا لم يرتبطوا بعد بعمل أو عائلة، أو نشطاء ليبراليين متخصصين.

وليس هناك سبيل لمعرفة كيف سيستطيع بايدن، أو حزبه، تسوية هذه الأمور التي يمكن أن تربك أي سياسي أكثر حيوية يتمتع بتفويض انتخابي أكثر قوة.

واختتم ماكونيل رؤيته، بأنه على هذا الأساس، يمكن توقع أن أولئك الذين صوَّتوا من أجل «عودة إلى الحياة الطبيعية» في عهد بايدن سوف يصابون بخيبة أمل شديدة في حقيقة الأمر.

وبمصادقة سكرتير ولاية كاليفورنيا، أليكس باديلا، أمس الأول، على فوز بايدن، يكون الأخير قد أمن دعم معظم الأعضاء في المجمع الانتخابي رسميا.

وأكدت وكالة أسوشيتد برس، أن عدد الأصوات التي حصدها بايدن رسميا حتى الآن في المجمع أصبح بذلك 279، ما يتجاوز بتسعة أصوات نسبة الدعم التي يحتاج إليها المرشح لضمان فوزه.

ولم تصادق ثلاث ولايات أخرى تؤكد نتائج التصويت فيها فوز بايدن (وهي كولورادو وهاواي ونيوجيرسي) بعد على نتائج التصويت رسميا.

ومن المقرر أن يجتمع المجمع الانتخابي في 14 ديسمبر لاختيار رئيس جديد، ستحال نتائج تصويته لاحقا إلى الكونغرس للمصادقة في السادس من يناير.

من جهة أخرى، توقع بايدن، أمس الأول، أن يتخذ حفل تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة رقم 46 وأكبرهم مع 78 عاماً، شكلاً افتراضياً إلى حد كبير، أي دون التجمعات، في محاولة لضمان «سلامة» الجميع بمواجهة تسجيل فيروس كورونا أرقاماً قياسية.

وبعدما توقع أن يكون فصل الشتاء «قاتماً»، دعا بايدن إلى تقديم مساعدة للأميركيين «منذ الآن»، في ظل الأرقام «السيئة» التي سجلها سوق العمل في نوفمبر، بسبب تفشي الفيروس، معرباً عن أسفه لفقد الكثير منهم «فقدوا الأمل في العثور على وظيفة».

وحذَّر من أنه «إذا لم نتحرك الآن، فسيكون المستقبل مظلما جدا»، في وقت لم يتمكن الاقتصاد من إحداث أكثر من 245 ألف وظيفة الشهر الماضي، أي أقل بمرتين من أكتوبر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button