التطبيع نعمة وليس نقمة
بقلم: د. جمال خالد الفاضي

يقول الكاتب والروائي اللبناني إلياس خوري، إن كل نهاية هي مؤشر على بداية جديدة، لفعل جديد وموقف جديد وعمل جديد، وهذا ما يجب أن ينطبق علينا بموضوع التطبيع، يجب ان تكون بداية جديدة لإدراك فلسطيني، أن الحاضنة العربية للفلسطينيين، والتي كانت حاضرة بحدها الضروري وربما المزيف من أجل رفع العتب خلال القرن العشرين لم تعد حاضرة أو موجودة خلال القرن الواحد والعشرين، وأن جدار ما يسمى بحالة التضامن العربية التي ظننا أنها الجدار التي نرتكز ونتعكز عليه لم يعد هذا الجدار قائم.

ويجب الإدراك أن النظام العربي ما بعد الاستعمار والذي أقام ما سُميت بالدولة الوطنية، كانت دولة بمواصفات الحكم الديكاتوري والعسكري، هو إمتداد ومستنسخ من النظام الاستعماري، ولعل احداث ومواقف ومؤامرات كثيرة رسمت معالم العلاقة مع فلسطين منذ أن صدر وعد بلفور والتفهم العربي بوجود وطن قومي لليهود في فلسطين مروراً بصك الإنتداب الذي وفر غطاءً دولياً لتطبيق وعد بلفور والهجرات اليهودية والتفاهمات بين بعض الأنظمة وإسرائيل قيد الإعلان على نسب المحاصصة من فلسطين، والنكبة 1948 وما رافقها من تدخل عربي مشكوك بنواياه وأبعاده، والنكسة 1967 التي وفرت الهيمنة المطلقة لإسرائيل، وما بينهما من محاولات الهيمنة والقرصنة على القرار الفلسطيني ومنع أي كيانية مستقلة للفلسطينيين عندما تم محاصرة حكومة عموم فلسطين، بالإضافة لذلك، يجب ان يكون هناك إدراك، ان فلسطين كانت ضحية تسويات بين القوى الدولية وأطراف عربية، عودوا للتاريخ واستحضروا أحداثه، ستجدون فيه ما يشير لكل ما كتبت مختصراً، عودوا لرسائل فيصل ماكماهون، والرسائل لرؤوساء المنظمات اليهودية في بريطانيا وامريكا التي تتفهم إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

إذاً ما الذي يجعلنا بوضع المتفاجئ والقلق من حالة الهرولة والتط//// بيع التي تقوم بها الأنظمة العربية تجاه إسرائيل، هل نتفاجأ من أنظمة بنت كياناتها على حساب فلسطين شعباً وأرضاً تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً، هل نتفاجأ من أنظمة ديكتاتوية أرتكبت كل أنواع الذل والهوان والظلم لشعوبها من أجل ان تحافظ على كراسيها وعلاقاتها المشبوه مع الولايات المتحدة وقوى الاستعمار، هل نتفاجأ من انظمة عربية مارست كل أنواع الظلم والحرمان والإذلال ومنع الحياة الإنسانية للفلسطينيين اللأجئين إلى أراضيها أو العابرين سبيلها مروراً للبحث عن مكان أمن أو مستقبل مجهول، أو حلم بددته معابر الحدود وتأشيرات الدخول وتنسيقات السفر، وأمزجة رجالات الأمن.

التطبيع نعمة، لأنه كشف الحقيقة التي طالما حاولنا نزعها من الذاكرة، ولأنه أزاح الغبار عن تاريخ حافل من العلاقات السرية بين الأنظمة العربية وإسرائيل، أو أنه يمكن لإسرائيل أن تكون دولة سلام ووئام، بل هي دول إستعمارية استيطانية عنصرية لا يمكن لها أن تكون غير ذلك.

التطبيع نعمة، لأنه كشف المستور عن علاقة ترابطية وثيقة الصلة بين دولة ذات طبيعة إستعمارية استيطانية وانظمة حكم ديكتاتورية أرهنت كل مقدرات شعوبها في خدمة بقائها في الحكم، وغيبت مشاريع النهضة والتطور الحضاري والنمو، نعمة لأنه كشف مدى استغلال القضية الفلسطينية من أجل خدمة برامج ومشاريع تبقي إسرائيل وتحافظ على وجودها، وأنها لم تكن سوى ورقة في إطار تقاطع المصالح. التطبيع نعمة وليس نقمة، لأنه أيقضنا من نوم عميق وأحلام ليالي قمرية، أن هناك حاضنة عربية أرتكنا على أنها تشكل حالة مد لمشروعنا التحرري، وأن 70 عاماً لم تكن سوى نفق عربي منع القضية الفلسطينية من الوصول للنور وملامسة الحياة والحرية. التطبيع نعمة، لأنه يجب أن يدفعنا للتفكير بواقعية أن القيم والأخلاق لم تعد هي المحدد الرئيس للعلاقات بين الدول وأن تغليب المصالح هي السمة الغالبة، وأن الانظمة العربية ليس استثناء في إطار تعاملها مع القضية الفلسطينية، وهذا يتطلب منا عدم الارتباك أو التردد، فالإمارات والبحرين والسودان قبل واليوم المغرب وغداً جميع الأنظمة العربية التي أنفصلت عن شعوبها تحت مسميات ومبررات يجب ألا تُبقينا أسرى بين تفاصيلها.

لذلك، يجب أن ندرك أن بقاء حالتنا الفلسطينية الراهنة مقسمة ضعيفة غيبت فرص الديمقراطية والانتخابات وأرهنت مقدرات شعبنا الفلسطيني لوهم التسوية هو نسخة متشابهة مع حالة الانظمة العربية وحالة إنفصال عن الشعوب العربية التي يجب أن تتعزز علاقاتنا بها بكل الوسائل الممكنة، فالقضية الفلسطينية رغم حالة الإعياء التي تمر بها الأمة، تبقى هي المحرك لوجدانها القومي وفعلها المقاوم، يجب أن ندرك أننا بحاجة لمقاربة جديدة تعيد تشبيك علاقاتنا مع الأحرار من الشعوب العربية وغيرها.

استمرار الإرتهان مرة للانتخابات الأمريكية وأخرى للانتخابات الإسرائيلية، ثالثة للجامعة العربية وتنديداتها ورابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي وبياناتها، هي مشكلة تعيشها الحالة الفلسطينية من منظمة وسلطة وفصائل، تدل على أنه قد فقدنا عوامل القوة والفعل والصمود والتمسك بمشروعنا التحرري، خصوصاً، وأننا ورغم كل المحاولات لتفتيت كينونتنا، لا زال بيد الفلسطيني أوراق قوة، أهمها وجود شعبنا وتكاثره في كل أماكن تواجده، وأن العالم الذي يجامل إسرائيل ليل نهار ويغض الطرف عن إحتلالها الإستيطاني، يدرك ان لا حل بدون انصاف الفلسطينيين، وهو ما ينبغي الرهان عليه وتعزيز فكرة العدالة الإنسانية والديمقراطية والحكم الرشيد والحق في المجتمعات العربية والعالم.

التطبيع فرصة ونعمة لشحذ الهمم والعودة لاستخدام آليات ووسائل نضالية جديدة تتناسب ومسار العصر والتحديث والقيم الجديدة التي أصبحت تشكل حالة ألهام للناس وذلك من أجل الحفاظ على سرديتنا، دعونا نراهن على الأحرار والشرفاء، دعونا نعزز التغيير الذي بدأ يظهر في مواقف القوى والمجتمعات الغربية لصالح عدالة قضيتنا، دعونا نستثمر دور شبابنا والعمل على تفعيل دور جالياتنا في المجتمعات الغربية، دعونا نطور ونجدد مؤسساتنا ونرفدها بدماء جديدة وشباب قادر على العمل والعطاء وعدم الارتكان للغير وما الذي يفكر فيه، دعونا نجدد خطابنا السياسي والاعلامي وعدم البقاء في حالة من التردد والارباك في التعاطي مع التطبيع أو التت// بيع مرة اخرة لما تبقى من فلسطين.

أمد

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى