لا حاجة ببايدن إلى الإسراع في العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني* دينس روس

النشرة الدولية –

ليس خافياً أن المفاوضات مع الإيرانيين حول التوصل إلى اتفاق نووي ليست سهلة على الإطلاق. ولكن، إذا أرادت إدارة بايدن إجراء مفاوضات متابعة تتطلب الحصول على المزيد من جهة الإيرانيين بينما تمنحهم أيضاً المزيد من حيث الفوائد الاقتصادية وليس مجرد تخفيف العقوبات، فقد يكون من المنطقي عدم الانضمام إلى الاتفاق النووي مجدداً.

* * *

استأنفت إيران تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20 في المائة في منشأة “فوردو” السرية المبنية فعلياً داخل جبل. ومع تخصيب هذا العنصر الكيميائي إلى هذا المستوى، لن تكون إيران بعيدة عن إنتاج المواد الانشطارية اللازمة لصنع أسلحة نووية. وهذا بالتأكيد أكثر الخروقات الإيرانية إشكاليةً لأحكام “خطة العمل الشاملة المشتركة”، أو ما يُعرف بـ”الاتفاق النووي الإيراني”.

ولكن، لماذا يحدث ذلك الآن؟ من الواضح أن إيران قررت ممارسة الضغط على إدارة بايدن، حيث تتمثل رسالتها، في الواقع، في أنه مهما كانت أولويات الإدارة الأميركية الجديدة، فحريٌّ بها أن تتعامل مع الجمهورية الإسلامية قريباً. وكما لو أن الإيرانيين أرادوا تأكيد عزمهم التصرف، باعتبارهم مشكلة يجب معالجتها، فقد استولوا أيضاً على سفينة مسجلة في كوريا الجنوبية في مضيق هرمز.

من الواضح أن انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي الإيراني وفرضها أقصى درجات الضغط الاقتصادي لم تنجحا في تغيير السلوك الإيراني، لكنهما نجحا بالتأكيد في إلحاق ضرر كبير باقتصاد الجمهورية الإسلامية. واليوم تحتاج إيران إلى تخفيف العقوبات المفروضة عليها وتريد من الولايات المتحدة الوفاء بالتزاماتها بموجب “خطة العمل الشاملة المشتركة” من خلال رفع جميع العقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي.

وبعد أن سبق للرئيس جو بايدن أن أبدى رغبته في السعي إلى إعادة الانضمام إلى “خطة العمل الشاملة المشتركة”، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: أليس الأمر أن الإيرانيين يطرقون بذلك باباً مفتوحاً؟ وفي الحقيقة، ليس هذا ما يحصل فعلياً، لأن موقف الرئيس بايدن هو الامتثال مقابل الامتثال، ما يعني أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن ترفع العقوبات قبل عودة الإيرانيين إلى الامتثال لشروط الخطة. ووفقاً لمعظم التقديرات، سيستغرق الأمر بضعة أشهر لضمان حصول ذلك. (ليست معاودة الامتثال بسهولة ضغطة زر؛ وللاستشهاد بمثال واحد فقط، جمعت إيران أكثر من 2400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب؛ أي ما يقرب من 12 ضعف الكمية المسموح بها في “خطة العمل الشاملة المشتركة”، وسيستغرق الأمر وقتاً لتصدير هذه الكمية أو تخفيفها). وإضافة إلى ذلك، يطالب الإيرانيون بتعويضات عن كلفة العقوبات عليهم، ويصرون على أن تقوم الولايات المتحدة، وليس إيران، بالخطوة الأولى. وجدير بالملاحظة أن آية الله علي خامنئي شدد مؤخراً على أن الغرب ملزم برفع العقوبات على الفور، معلناً في الوقت نفسه: “إننا لسنا في عجلة من أمرنا لعودة الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة. فهذه ليست المشكلة بالنسبة لنا… إذا لم يتم رفع العقوبات، فقد لا تكون عودة الولايات المتحدة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة لصالحنا. (…) وبالطبع، إذا عادوا إلى التزاماتهم، فسنعود نحن إلى التزاماتنا”.

بعبارات أخرى، تقع المسؤولية على عاتق واشنطن حسب رأيه، والغرض من أعمال إيران الاستفزازية هو دفع إدارة بايدن إلى نزع فتيل المشكلة من خلال تخفيف العقوبات على إيران قبل القيام بأي خطوة أخرى. وفي حين أن الرئيس الأميركي قد يكون مستعداً لتقديم الإمدادات الإنسانية والطبية، إلّا أن شرطه بالامتثال مقابل الامتثال يشير إلى أن تخفيف العقوبات غير ممكن بما أن إيران تنتهك بنود خطة العمل الشاملة المشتركة.

تتمثل إحدى الطرق الكفيلة بكسر الجمود وجعل الضرورة فضيلة في قيام الولايات المتحدة بتحويل تركيزها من معاودة الانضمام إلى الاتفاق النووي بعد عودة إيران إلى الامتثال الكامل، إلى اتفاق قائم على مبدأ “أقل مقابل أقل”؛ أي أن تخفف الولايات المتحدة العقوبات بدرجة محدودة، بينما تتراجع إيران عن أعمالها المخالِفة للامتثال. وعلى سبيل المثال، يمكن أن تسمح واشنطن لطهران بالوصول إلى بعض حساباتها المجمدة في الخارج، مقابل وقف إيران لعمليات التخصيب إلى نسبة 20 في المائة، وتقليص مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب من أكثر من 2400 إلى 1000 كيلوغرام، وتفكيك مجموعات أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي لديها.

وسيكون هناك العديد من الفوائد لمثل هذا الاتفاق القائم على مبدأ “الأقل مقابل الأقل”: سوف يقلص البرنامج النووي الإيراني بطريقة من شأنها أن تمدد زمن تجاوز العتبة النووية وتجعله أقل تهديداً؛ كما سيحافظ على نظام العقوبات الخاص بالولايات المتحدة، وبالتالي على نفوذها، وسوف يُكسب واشنطن الوقت لمحاولة إنجاز الاتفاقات طويلة الأجل التي يسعى إليها الرئيس بايدن، والتي يأمل أن تمدد أحكام انقضاء الاتفاق النووي من جهة، وتؤدي إلى تفاهمات موازية بشأن الصواريخ الباليستية وسلوك إيران في المنطقة من جهة أخرى. وإضافة إلى ذلك، سيسهّل هذا الاتفاق إلى حد كبير كسب بعض التأييد من الحزب الجمهوري، نظراً لمعارضته شبه الموحدة لخطة العمل الشاملة المشتركة، حتى وإن كان ذلك سيحد من التهديد النووي الإيراني الذي هو من تركة ترامب. وأخيراً، هناك احتمالٌ أكبر لأن يؤدي هذا الاتفاق إلى طمأنة الإسرائيليين والإماراتيين والسعوديين الذين يخشون العودة المبكرة إليه، في حين أن رفع جميع العقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي لن يعطي الإيرانيين سبباً يُذكر لتغيير سلوكهم المهدّد في المنطقة.

ولا يخفى أن المفاوضات مع الإيرانيين ليست سهلة على الإطلاق. ولكن إذا أرادت إدارة بايدن إجراء مفاوضات متابعة تتطلب الحصول على المزيد من الإيرانيين بينما تمنحهم أيضاً المزيد من حيث الفوائد الاقتصادية وليس تخفيف العقوبات فحسب -وهو أمر سيتطلب دعم الكونغرس- فقد يكون من المنطقي عدم الانضمام مجدداً إلى الاتفاق النووي الإيراني. وبعبارة أخرى، إذا أرادت واشنطن الوصول إلى “المزيد مقابل المزيد”، عليها أن تبدأ بالأقل مقابل الأقل.

 

*مستشار وزميل “ويليام ديفيدسون” المتميز في معهد واشنطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى