العرب.. ديمقراطية شكلية هدفها خداع العالم* د. عماد بوظو

النشرة الدولية –

 

تقول الحكومات العربية منذ سنوات أنها تريد إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي عبر حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية تعيش بسلام مع دولة إسرائيل، وترى بعض هذه الحكومات أن الوقت مناسب اليوم لإقناع إدارة بايدن بطرح مبادرة للسلام تنطلق من هذا الحل، ولكن كيف سيستطيع الفلسطينيون إقناع هذه الإدارة بأنهم قادرون على تسيير أمور الدولة الموعودة بعد فشل السلطة الفلسطينية في تقديم نموذج ناجح طوال إدارتها للضفة الغربية، والذي تظاهر بغياب أي مظهر للحكم الرشيد مثل الشفافية والمحاسبة أو الرقابة التشريعية على الميزانية الحكومية، مما سمح لهذه السلطة بتوظيف أشخاص غير مؤهّلين وتعيينهم حسب اعتبارات التنفيع وشراء ولاءات العائلات الكبيرة، وأوجد بقاء هؤلاء في مناصبهم لفترات طويلة بيئة مناسبة للفساد.

 

ولذلك أصدر ائتلاف “أمان” الفلسطيني تقريرا قال فيه أن 85 في المائة من فلسطينيي الضفة وغزة يعتقدون بوجود فساد في مؤسسات السلطة، كما دفع هذا حركة “طفح الكيل” للدعوة لتنظيم مسيرة في رام الله للتنديد بالفساد، ولكن السلطة قامت باعتقال ناشطي الحركة استباقيا تحت ذريعة مخالفتهم نظام الطوارئ المرتبط بمواجهة كورونا، ولكنها بعد اعتقالهم جمعتهم في سيارات وزنازين مزدحمة!، والسبب الذي تقدمه السلطة لاعتقال من يتحدث عن فشلها أو فسادها أن توجيه مثل هذه الاتهامات في الظروف الحالية غير مناسب لأنه لا يجب أن يعلو صوت فوق صوت المعركة، وهو شعار سرقته السلطة الفلسطينية من الديكتاتوريات العربية المجاورة.

 

أما إمارة حماس الإسلامية في غزة فقد شكّلت بحدّ ذاتها سببا كافيا لدفع العالم لمعارضة قيام أي سلطة فلسطينية، كما أن استمرار الانقسام الفلسطيني لسنوات طويلة أكّد على صعوبة التفاهم بين الفلسطينيين على شكل دولتهم المستقبلية وطريقة إدارتها، وفي محاولة لإيجاد مرجعية فلسطينية تستند ولو شكليا على شرعية شعبية تسمح لها بالتفاوض على حل سياسي، ضغطت السعودية ومصر على السلطة الفلسطينية كما ضغطت تركيا على حركة حماس لتنظيم انتخابات في أسرع وقت، فأصدر محمود عباس مرسوما بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في مايو ويوليو المقبلين.

 

لكن سرعان ما بدأت السلطة بتقديم شروطها للسير في العملية الانتخابية، فطلبت من المجتمع الدولي تقديم مساعدات مالية لتنظيم هذه الانتخابات، كما طالبت بالضغط على إسرائيل لتمكين الفلسطينيين في القدس من المشاركة في الانتخابات “حتى لا تكون الديمقراطية الفلسطينية رهينة الاحتلال”!، بما يعني التلويح بأن إسرائيل ستكون مسؤولة عن عدم إجراء هذه الانتخابات إذا لم تسمح لسكان القدس الفلسطينيين بالمشاركة فيها.

 

وأتبعتها بمحاولات لإفراغ الانتخابات من محتواها، فقد أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية أن الرئيس محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية منذ أكثر من خمسة عشر عاما، هو مرشّح حركة فتح للرئاسة رغم أن عمره قد تجاوز 85 عاما، كما أن عدة مؤشرات تقول إن السلطة الفلسطينية أو حركة فتح ستخوض الانتخابات في قائمة مشتركة مع حركة حماس، وإذا تأكد ذلك فإن الإنتخابات لن تكون سوى مسرحية صورية، وللتغطية على هذه الحقيقة طالبت السلطة الفلسطينية بإرسال مراقبين دوليين “للإشراف” على العملية الإنتخابية.

 

ولكن هذا الإشراف سيقتصر على اصطحاب المراقبين من قبل موظفي السلطة نفسها في جولات سيشاهدون فيها مراكز انتخاب تحتوي صناديق اقتراع وأشخاص يأتون إليها للإدلاء بأصواتهم، مع أن ذلك لا يضمن وجود مناخ ديمقراطي حقيقي يستطيع فيه المواطن التعبير عن رأيه بحرية، ففي الأراضي الفلسطينية هناك بحدود 200 ألف شخص يقبضون رواتبهم من السلطة، بين موظفين وأفراد في قطاع الأمن وعائلات القتلى والجرحى، وهؤلاء مع عائلاتهم قد يخشون على رواتبهم إذا قاموا بأي نشاط سياسي يجعل ولاءهم للسلطة موضع شك، أما في غزة فلا يمكن الحديث عن أي أثر للديمقراطية، فهناك تعتبر المطالبة بالسلام مع إسرائيل خيانة عقوبتها الموت، ويعتبر تصريح أي شخص بأنه لا يريد ممارسة الدين الإسلامي دليل على كفره وارتداده عن الدين.

 

وطوال السنوات الماضية كانت الحجّة التي يستخدمها الكثير من الفلسطينيين لتبرير عدم وجود آليات ديمقراطية في مناطق السلطة تتراوح بين صغر مساحة هذه المناطق أو عدم تواصلها جغرافيا أو وجود احتلال إسرائيلي حولها، ولكن هناك دول ديمقراطية وناجحة وغنية رغم أنها صغيرة المساحة ومحاطة بدول كبيرة مثل سنغافورة وسان مارينو، أي لا يوجد سبب يمنع من إدارة مدينة رام الله بطريقة ديمقراطية حتى لو كان هناك وجود عسكري إسرائيلي حولها.

 

كما أن إلقاء مسؤولية غياب الديمقراطية في المناطق الفلسطينية على إسرائيل لا يفسّر عدم وجودها في بقية الدول العربية، ففي مصر تم تفصيل “ديمقراطية” على مقاس السيسي، قامت فيها أجهزة الأمن باعتقال أو احتجاز كل من أعلن رغبته في الترشح لمنافسته في انتخابات 2018 مثل رئيس الأركان السابق سامي عنان ورئيس الوزراء السابق أحمد شفيق بحيث لم يبقى سوى السيسي ليتنافس مع  مرشح آخر هو أحد مؤيديه! فحصل السيسي على أكثر من 97 في المائة من الأصوات، في حين لم يحصل حسني مبارك في انتخابات عام 2005 سوى على 89 في المائة من الأصوات!، كما تم عام 2019 تنظيم استفتاء نجم عنه تعديل الدستور المصري بما يسمح للسيسي بالبقاء في السلطة حتى عام 2034 مع زيادة في صلاحياته.

 

أما المؤسسة العسكرية في الجزائر فقد كان لها أسلوب آخر في الحكم وهو وضع أشخاص في منصب الرئاسة دون أن يكون لهم أي دور في إدارة البلد، واتّضح ذلك مع بوتفليقة الذي فاز بأربع دورات انتخابية مدتها 20 عاما وفي آخر عشر سنوات من حكمه كانت جميع المؤشرات تؤكد أنه غير قادر صحيا على إدارة أمور البلد، إلى أن نزل الجزائريون إلى الشوارع احتجاجا على ترشيحه لولاية خامسة عام 2019 فقامت المؤسسة العسكرية  بعزله، ولكنها وضعت بديلا عنه واجهة جديدة هي عبد المجيد تبون المقيم بمشافي ألمانيا منذ أشهر، كما لا يمكن عند الحديث عن المسرحيات الديمقراطية في المنطقة العربية تجاهل الانتخابات والاستفتاءات التي تجريها عائلة الأسد في سوريا في مهزلة مستمرة منذ أكثر من نصف قرن.

 

وفي العراق ولبنان تجري إنتخابات دورية تحت سيطرة أحزاب مسلحة تتعاون فيما بينها لتشكّل قوائم مشتركة في ما يسمونه “المدحلة الانتخابية” التي لا تترك للآخرين شيئا، وتتحكم هذه التنظيمات بالحياة السياسية عن طريق سلاحها أولا ثم عبر العامل الاقتصادي لأنها مصدر الدخل الوحيد لآلاف الشباب الذين تجندهم في ميليشياتها في بلد لا توجد فيه الكثير من فرص العمل.

 

وفي المحصلة تبذل الأنظمة العربية بما فيها السلطة الفلسطينية كل جهدها لمنع عملية الانتقال إلى النظام الديمقراطي رغم أنه النظام الأصلح لإدارة الدولة والمجتمع ورغم أنه ينعكس إيجابا على حياة الانسان وسعادته وكرامته، ولكن هذه الأنظمة تحتاج إلى التنكّر أمام العالم الخارجي بثياب الديمقراطية، فتقوم دوريا بتنظيم إنتخابات صورية وإصدار دساتير لا قيمة لها، ويبدو أن دول الغرب تتواطأ مع هذه الأنظمة وتدّعي تصديق هذا الشكل الغريب من أنظمة الحكم، ولذلك ستستمر هذه المسرحيات حتى تقرر الشعوب نفسها رفضها والمطالبة بتحوّل ديمقراطي حقيقي وعندها قد يضطر العالم للوقوف مع إرادة الشعوب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى