بعد إطاحة المبادرة الفرنسيّة… عين لبنان على التّدويل* فارس خشان

النشرة الدولية –

النهار العربي

فوجئ سياسي لبناني، كان قد أنهى، قبل ساعات، اجتماعاً عقده مع مسؤولين في الخلية الدبلوماسية في الرئاسة الفرنسية، بأنباء تفيد بأنّ المستشار باتريك دوريل، سيزور لبنان، نهاية الأسبوع الجاري.

دوريل نفسه كان قد أكد لهذا السياسي أنّه لن يعود في موعد قريب الى بيروت. ولمعرفة أسباب هذا التغيير المفاجئ في القرار الفرنسي، سارع السياسي اللبناني نفسه الى الاتصال بدوريل، الذي استغرب نشر نبأ “لا أساس له من الصحة”، سائلاً المتصل: “كيف يصنعون في بلادكم الأخبار؟”.

وكان دوريل ورئيس الخلية الدبلوماسية في قصر الإليزيه، السفير ايمانويل بون، قد أكدا، أكثر من مرة، على مدى الأسبوعين الماضيين، أنّ فرنسا لا تستطيع أن تضيف شيئاً جديداً الى مساعيها السابقة، فهي فعلت كل ما يمكن أن تفعله، وتنتظر من القيادات اللبنانية أن تفي بما تعهّدت به، لجهة الإسراع في تأليف حكومة “فعّالة وذات مصداقية”.

ولا تزال مسألة تشكيل الحكومة عالقة، وفق معلومات باريس، عند الخلاف المحتدم بين رئيس الجمهورية ميشال عون وخلفه صهره النائب جبران باسيل من جهة، ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، من جهة أخرى، وهي فعلت كل ما يمكن أن تفعله لجسر الهوة بين هذين الطرفين، ولكن كل محاولاتها، بما فيها الاتصال الذي أجراه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعون، لم تُنتج إيجابيات.

لكن، هل من جديد حتّم انتقال الحريري الى باريس؟

لا!

وتفيد المعلومات المتوافرة أنّ الحريري لا يحمل جديداً، فهو، عندما كان في لبنان، لم يستطع إحداث خرق في الدائرة المقفلة، وهو عندما ذهب الى مصر، سمع من الرئيس عبد الفتاح السيسي ما كان قد اتفق وشأنه مع نظيره الفرنسي، خلال زيارة الدولة التي قام بها لباريس.

وتلفت مصادر الرئاسة الفرنسية إلى أنّ الجميع ينتظر “جديداً” من القيادات اللبنانية من خلال تواصل بعضها مع البعض الآخر، لأنّ الدول الخارجية، مهما كان مستوى اهتمامها بلبنان، لا تستطيع أن تشكل الحكومة التي باتت، بصفاتها، هي البوابة الملزمة ليفي المجتمع الدولي بالتزاماته تجاه لبنان، دولة وشعباً.

وتشير هذه المصادر الى أنّ التشاور مع الحريري “مرحب به” على أعلى المستويات في فرنسا، ولكنّ خروج لبنان من مأزقه الوجودي يحتاج الى قرار، وهذا القرار لا يتوافر في باريس بل في بيروت “التي يحكمها أشخاص غير جديرين بالمسؤولية”.

 مفاجأة الراعي

إنّ هذا الواقع، يدركه البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، ولذلك، وبعدما راهن بداية على المبادرة الفرنسية، وحاول أن يرفدها، لاحقاً، بوساطة تولّاها هو شخصياً قبل أن يتمّ إفشالها، انتقل، راهناً، الى حيث لا تتمنّاه أكثرية القيادات السياسية في لبنان: المطالبة بتدويل الأزمة اللبنانية.

ولم يكن الراعي قد ذهب الى ما ذهب إليه، لو كان قد بقي له أمل ضئيل بالقيادات اللبنانية، فهو برفع مطلب التدويل، لم يعلن نهاية جدوى رئيس الجمهورية ميشال عون الذي سبق أن وقف ضد مطلب استقالته فحسب، بل سقوط الأمل بكامل الطبقة السياسية، أيضاً.

قبل أن يرفع الراعي مطلبه، كان سياسيون لبنانيون قد أثاروا مع المسؤولين الفرنسيين إمكان الدعوة الى عقد مؤتمر دولي لإنقاذ لبنان، فردّت باريس بصعوبة حصول ذلك، لأنّ أحداً في العالم، باستثناء فرنسا، لا يبدي حماسة للبنان، لافتة في هذا السياق الى المشاركة المتدنية للصين، في “مؤتمر دعم الشعب اللبناني”، في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، والى غياب روسيا عنه.

ولكنّ مطلب الراعي، خلافاً لرؤية باريس، لم يؤسّس نفسه على محاولة إنقاذ لبنان من خلال القوى التي يحمّلها اللبنانيون كما المجتمع الدولي مسؤولية الانهيار، بل من خلال تجاوز هذه القوى السياسية والتركيز على ملف “حزب الله” بشقيه: السلاح والترهيب.

وبهذا التوجه فقط يمكن فهم ما قاله الراعي، في إعلان مطلبه:

“لبنان يحتاج اليوم إلى دورٍ دوليٍّ حازم وصارم يُطبِّق القراراتِ السابقة من دون استثناء واجتزاء، حتى لو استدعى الأمرُ إصدارَ قرارات جديدة”.

إنّ مطلب الراعي الذي يدعمه كثير من اللبنانيين، لا بل يمكن الاعتقاد أنّه يأتي تعبيراً عن توجّهاتهم، يعني، من جهة أولى انتهاء التعويل على المبادرة الفرنسية، ويعني، من جهة ثانية، الإعراب عن اليأس من جدوى رئاسة ميشال عون للجمهورية، ويعني، من جهة ثالثة، المجاهرة بعدم قدرة البلاد على تحمّل المزيد من عبء “حزب الله”.

وتوقيت إعلان الراعي لهذا المطلب مهم للغاية، فهو يأتي، في ظل احتدام الخلاف على “الحصص” في تشكيل حكومة يجب أن تكون، بالمبدأ، فوق المحاصصة، وغداة اغتيال المفكر المعارض لقمان سليم، وعشية الذكرى السادسة عشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي صدر في ملفه حكم دولي عصي على التنفيذ، بسبب ما يوفّره “حزب الله” من حمايات للقاتل المعلوم ولرفاقه المجهولين.

إنّ البطريرك الماروني، بهذا الموقف، يعرف أنّه ذهب الى حيث يثير غضب “محور الممانعة” الذي يمكن أن يتجاوز كل المطالب السياسية، باستثناء التدويل.

ولكنّ الراعي، على الرغم من هذا المحظور، فعلها.

إنّ الحكمة الوطنية تقتضي الاصطفاف وراءه، لأنّ المجتمع الدولي يمكن أن يتلهّى عن لبنان الذي يضيّع وقته في صراع الأحجام، ولكن ليس عن لبنان الراغب في أن يخرج كليّاً من صراع المحاور الذي أسقطه في الجحيم في وقت كانت فيه الإمارات العربية المتحدة تضع مسبارها في كوكب المرّيخ.

والراعي محق في طلب معونة المجتمع الدولي لتحقيق هذا الهدف، لأنّ القوى السياسية المحلية، سبق أن رفعت راياتها البيضاء، في هذه المسألة، أقلّه منذ توافقت على إيصال مرشح “حزب الله” الأوحد الى القصر الجمهوري.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى