انا و ذاكرتي و الموت* ريم قمري

النشرة الدولية –

جل ما أكتبه هنا من نصوص ، هو تصفية حساب مع نفسي، قررت ان أجلس نفسي أمامي و أقوم بتشريحها و وضعها تحت المجهر، وابحث في الخلل الموجود فيها و في كل اعطابها ، و لأني لست طبيبة و لا املك في يدي غير أداة الكتابة كنبت.

أنا أكتب نفسي، لأني فهمت ان من لم يكتب نفسه لم يكتب ابدا، لذلك أحاول نبش ذاكرتي الضعيفة قدر المستطاع، و أحاول الوصول الى  عقدي و مركبات نقصي الكامنة في الأعماق.

أحاول ان انظر في داخلي من بعيد ، ربما أرى الصورة أوضح، و خلال هذا البحث و النبش، تصحو ذكريات و أشخاص و أحداث، أكتبهم حتى أراهم بشكل أوضح في ضوء النهار.

لا حسابات لي أصفيها مع أحد ، و لا رسائل مشفرة أرسلها لأحد، من أكتبهم أشخاص حقيقيون وجدوا في حياتي ، بإيجابيتهم و بسلبياتهم كانوا جزء من الماضي و مازالوا مكونا هاما من مكونات ذاكرتي.

أحاول ان اكتب بشكل حيادي، كأني أكتب عن حياة امرأة اخرى، امرأة أراها جالسة أمامي ، تحدثني عن حياتها و تطلب مني أن أكتبها كما هي دون زيادة او نقصان.

أكتب حتى أتخلص من حمل ثقيل، و أفرع جعبة ذاكرة متورمة، و أخاف ان تصيبها شيخوخة مبكرة اذا ما تركت الغبار يتراكم داخلها ، أخرج كل ذلك للشمس كتابة، لأني كلما حاولت ان أتحدث عنه كلاما عجزت تماما ، و وقف حاجز لا مرئي بيني و بين ذاكرتي.

أكتب حتى لا أرحل عن هذا العالم وحيدة، أترك ذكرياتي على الورق، ربما أعود في حياة أخرى اتصفحه و اضحك عاليا من سذاجة امرأة قتلتها عاطفتها الهشة قبل ان تقتلها الحياة.

او ربما في زمن ما تقرأه امرأة عاطفية جدا ، فتصلح عطبها العاطفي قبل ان يفوتها الأوان.

هذا الصباح خطر لي و انا في السيارة انه علي التوقف عن كتابة ذكريات و أوجاعي، أحسست انه لا أهمية لكنابة ذلك في النهاية، ماذا تعني حياة امرأة وحيدة  على سطح كوكب يعج بملايين الحكايات الأهم .

ما أهمية الاخفاقات العاطفية في حياة امرأة حتى تكتبها ، بدت لي موضوعا تافها و غير جدير بالاهتمام.

لكن حين وصلت المكتب و فتحت الفيسبوك ، تفاجأت بموت الصديق الصحفي تيسير النجار ، صدمني الخبر ، انتابني شعور بالغضب تجاه هذا الكائن او الشئ القبيح المسمى موت، شعرت اننا مهزومون مسبقا في الحياة و حتى قبل أن نخوض معاركنا.

فكرت اننا أحببنا او لم نحب ، فشلنا او نجحنا عاطفيا ما أهمية ذلك في عالم يركض بنا كل يوم و بسرعة جنونية نحو الموت.

ما أهمية ان نؤذي أشخاص كل ذنبهم أنهم احبونا ، و ما قيمة الأشياء لو هربنا في كل مرة خوفا من اوهامنا و خوفا من الوقوع في الفشل مجددا.

وقتها قررت أن أكتب و أن لا اخاف مجددا من الفشل و من ارتكاب الأخطاء و الحماقات.

أريد أن يتسع هذا العمر قليلا بعد حتى ارتكب مزيدا من الأخطاء، ربما تلك هي السعادة الحقيقة و البقية مجرد أوهام .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى