المؤتمرات الصحافية لا يحضرها أصحاب دكاكين* هيثم الزبيدي

النشرة الدولية –

نشكر غوغل وفيسبوك. نحتاج إلى حماقة كبيرة من عمالقة بحجم غوغل وفيسبوك لكي نذكّر بأهمية الصحافة، أو بالأحرى بمحنتها. يبدو العملاقان وقد هزما أمام الإصرار الأسترالي. يستحقان إهانة أكبر من إهانة الهزيمة أمام حكومة. يستحقان إهانة شعبية تقدر ما تعنيه الصحافة.

 

لا نقول جديدا عندما ندافع عن مهنتنا. شهادتنا مجروحة كما يقال. ولكن في فورة الكلام عن التغيرات الكبرى في العالم وفورة المعلومات والشبكات الاجتماعية، نجد سذجا يتحدثون عن ضرورة أن تجد الصحافة طرقا لكي تحصل على قوتها.

 

بالأمس كانت الصحف تبيع ورقا في الشارع وصفحات للمعلنين. اليوم تراجع الورق وهجر المعلنون الصحف إلى الإعلانات الرقمية. لكن، هل هجر القارئ مطالعة الصحف؟ لا أظن.

 

ماذا على صاحب الصحيفة أن يعمل ليكسب دخلا يديم وجود الصحيفة؟ يمكن أن يعمل اشتراكات. هذا ما أقدمت عليه بعض الصحف الكبرى، في حين عمدت أخريات إلى العيش من التبرعات. تلك حلول للكبار أولا، وتحتاج إلى أن يكون صاحب الصحيفة متمكنا ماليا أو مدعوما لحين يستقيم الأمر. الخيار الآخر أن تشغل الصحافيين في المؤسسة بياعين سجائر بدوام جزئي. اسعوا إلى أرزاقكم ورزق الصحيفة معكم. ولكن الصحافي يحتاج إلى تفرغ. لا تستطيع أن تطلب منه أن يبيع في كشك السجائر أمام مبنى الصحيفة، ثم يأتيك يستكمل بقية اليوم في التحري عن قضية سياسية أو اقتصادية. هذا ردنا على من يقول إن على الصحيفة أن تسعى لتحصيل رزقها. لا ننسَ الشيكولاته والأيس كريم في الكشك.

 

الصحافة وسيط. بين كل شيء تقريبا والناس. تجربة الرئيس السابق دونالد ترامب بالتواصل المباشر مع الناس علمتنا درسا بليغا: لا يمكن إلغاء هذا الوسيط. المعطيات التي ترسل مباشرة إلى المتلقي، في أحسن حالاتها وفي أفضل نوايا المرسل، هي معطيات خام تحتاج أن تمر على عين خبيرة تحللها وتكتبها. البديل هو فوضى شاهدناها في مبنى الكابيتول.

 

هذه المهنة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها. بل في عالم اليوم نحن بحاجة إليها أكثر من أي وقت مضى. عندما يقرر رئيس الوزراء البريطاني تغيير قواعد التعامل مع وباء كورونا، يدعو إلى مؤتمر صحافي. من يحضر المؤتمر الصحافي؟ أصحاب الدكاكين؟ يحضره الصحافيون. ويكون بوريس جونسون ممتنا لهم لأنهم “يشوونه” بالأسئلة. يرد ليس عليهم، بل على أسئلة الناس التي يحملونهم إياها. هذا دور الصحافي.

 

دعم الصحافة ضرورة وليس ترفا. بريطانيا إلى اليوم تستقطع ضريبة تلفزيون وراديو وتوجه مواردها لدعم مؤسسة بي بي سي العملاقة. مر على بي بي سي رؤساء تعهدوا بفتح أكشاك لبيع برامج سبق بثها. حاججوا بأنهم سيوفرون على دافع الضرائب. الآن هم وجدلهم العقيم هذا منسيون. ضريبة التلفزيون مستمرة وتوجيهها لصالح بي بي سي مستمر.

 

التوصية بالإنفاق على الصحافة ستبقى في غير محلها، طالما المعنيون لا يقدرون الدور أو يستهينون به أو يخافون منه. ما الضير من مصالحة بين صاحب المال وصاحب الرأي؟

 

بعد آخر حلقة من الاستهانة بدور الصحافة على أيدي غوغل وفيسبوك، من الضروري أن يضع المعنيون في اعتبارهم أن الخبر والتحليل والرأي خدمة أساسية. في كل بيت من الضروري توفير التالي: حنفية ماء؛ مقبس كهرباء؛ صنبور غاز؛ خط هاتف أرضي أو موبايل عليه اشتراك إنترنت؛ منصة صحافة إلكترونية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى