عون والفوضى معاً برعاية “حزب الله”* فارس خشان

النشرة الدولية –

النهار العربي –

“ميشال عون أو الفوضى”!

هذا لم يكن شعاراً، بل مبرّراً طرحه هؤلاء الذين عقدوا صفقة إيصال “جنرال الرابية” الى القصر الجمهوري في بعبدا، على قواعدهم الشعبية، وجالوا به على عواصم العالم المعنية بالشأن اللبناني.

وبعد أقل من أربع سنوات على هذه العملية الدعائية التي سلّمت “حزب الله” القرار اللبناني، في مقابل تقاسم الحصص السلطوية بين القوى السياسية الأخرى، كانت الفوضى وعون معاً.

وفي ظل معادلة “الفوضى وعون معاً”، راح كلّ من يتحدّث عن لبنان، يستعمل أدبيات “ابوكاليبسية”، مثل “انهيار لبنان” و “خطر زوال لبنان”.

ويبدو واضحاً أنّ هذه الأدبيات “الأبوكاليبسية”، بدأت تنعكس سلباً على القوى التي انتقلت من “الشراكة مع عون” الى “المواجهة” معه، ذلك أنّ عون لا يزال أميناً على نهج ميّزه، منذ دخوله العمل السياسي، حيث يسير في هدي معادلة واضحة: “انا ومن بعدي الطوفان”.

وقوة عون لا تكمن في ما يوفّره له موقعه الرئاسي فقط، بل، أيضاً وقبل ذلك، في مرجعيته الداعمة، أي “حزب الله”. وقد كان واضحاً أنّه، في تلك اللحظة التي زاد فيها الضغط الدولي على عون بهدف دفعه الى تشكيل حكومة تملك مواصفات “الفريق الفاعل”، دخل الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله على الخط، وأعاد خلط الأوراق، مقدّماً لعون ما يحتاجه من دعم، ليستمر في معركة الإستحصال على الحكومة التي تناسب “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” معاً.

وإذا كانت المواجهة التي خاضها عون ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، بقيت تحت سقف “حكومة اختصاصيين”، فإنّ دخول نصرالله على الخط، خرق هذا السقف وأعاد المعادلة الحكومية الى حيث أرادها، منذ 17 تشرين أول (أكتوبر) 2019، أي حكومة “تكنو-سياسية”، شبيهة بتلك التي كان الحريري يترأسها ، قبل استقالته، “تلبية لإرادة الناس”.

وانقلب نصرالله، بذلك على المبادرة الفرنسية كما على التصوّر الروسي، إذ إنّ باريس تتطلّع الى حكومة مؤلفة من وزراء غير حزبيين، فيما موسكو جاهرت بأنّ الحكومة يجب أن تكون “حكومة تكنوقراط”.

وطرحُ نصرالله الجديد، بمضمونه وتبريراته، يخالف كليّاً تعهدات وفد “حزب الله” برئاسة النائب محمد رعد للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في بداية أيلول (سبتمبر) 2020 في قصر الصنوبر في بيروت.

ويقوم الطرح الفرنسي على نقيض ما يطالب به نصرالله، إذ إنّ حكومة مؤلفة من وزراء غير حزبيين، لا تكون حكومة بلا دعم سياسي، لأنّ على القوى السياسية التي وافقت على المبادرة الفرنسية، أنْ تتعهّد بحمايتها وبدعم برنامجها المتّفق على تفاصيله، حتى تحقق المهمة المنوطة بها.

ولكنّ نصرالله، في التفاف على تعهّد حزبه، راح، في إطلالته الأخيرة، وفي سياق تبريره للإنقضاض على “حكومة الإختصاصيين” يتحدّث، بجدية العلماء الإستثنائيين، عن أنّ حكومة مماثلة، سوف تفتقد الى الدعم السياسي الذي من شأنه تحصين قراراتها التي ستكون قرارات مؤلمة.

وخلافاً للتحذيرات الدولية من “الإنهيار الشامل” و”خطر الزوال”، وأبرزها تلك الصادرة من باريس التي تحمل، حالياً، مفتاح المساعدات والهبات والقروض، راح نصرالله يتحدّث عن “حلول بديلة” ترعى الفراغ، فأعطى “توجيهاته” المالية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والأمنية لقائد الجيش جوزف عون، والدستورية لرئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب، والنظامية للمتظاهرين الذين يثورون باسم تجويعهم، كاشفاً عن عنوان “سر كبير”، بإعلانه، من دون أيّ تفاصيل، عن أنّه، في حال لم يُجدِ كلّ ذلك، فهو “ينام على حل عظيم”.

إنّ نصرالله الذي يوفّر لدويلته، عبر الحرس الثوري الإيراني ما يحتاجه من دولارات أميركية، وفق ما سبق أن أعلن، يمكنه انتظار نضوج التصوّر الذي يناسبه، في حين أن الدولة اللبنانية لا تتمتع بهذه “النعمة”، على الإطلاق، إذ إنّها دخلت في مرحلة العد العكسي لآخر ما تبقى من احتياطاتها بالعملات النادرة، في وقت فقدت فيه العملة الوطنية كل ثقة وتالياً خسر اللبنانيون كل قدرة على الصمود.

قبل إطلالة نصرالله الأخيرة، كان بعض “الساذجين” الذين ينسبون عرقلة تشكيل الحكومة الى رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، حصراً، يتطلعون إلى أن يمارس “حزب الله” ضغوطاً على الرئيس عون لـ”تليين موقفه”، فإذا بنصرالله يطل مؤكداً المؤكد: باسيل مجرّد واجهة في معركة يقودها “حزب الله” من الخلف.

الرئاسة الفرنسية تعرف هذه الحقيقة، فمصادرها عندما تنسب الى جبران باسيل عرقلة تشكيل الحكومة، تستدرك بتأكيدها:” باسيل ليس وحده، فنحن لسنا ساذجين”.

والرئيس الفرنسي عندما تحدّث عن تغيير النهج والأسلوب في التعاطي مع الأزمة اللبنانية المتفاقمة، لم يقصد إعادة إدراج العقوبات على جدول أعمال الإتحاد الأوروبي المتهيّئ لوضع “حزب الله”، بجناحيه، على لائحة الإرهاب، وكثير من السياسيين اللبنانيين على لائحة الفاسدين، فحسب، بل الذهاب في اتجاه مجموعة قوى إقليمية تتقدّمها إيران، أيضاً.

وبغض النظر عمّا يمكن لفرنسا أن تحققه في المسألة اللبنانية، بدعم من شركاء مؤثرين إنضمّت واشنطن إليهم بعد دخول الرئيس جو بايدن الى البيت الأبيض، فإنّ المؤكد أنّ لبنان، وفق ما يتطلّع إليه نصرالله، في مكان ولبنان الذي يتطلّع إليه الآخرون، في مكان آخر.

قوة “حزب الله”، في تحقيق طموحه الكبير، لا تكمن في حنكته، بل في ما وصل إليه الآخرون من ضعف، بسبب ضعف تطلعاتهم. هم يتناحرون وهو… يقطف.

ولأنّهم كذلك، عمّت الفوضى لبنان في عهد ميشال عون، وتكسّرت المبادرات الإنقاذية على أسوار حملت، تمويهاً، إسم جبران باسيل.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى