نور الحبشي ترصد وتحلل في أول كتاب أكاديمي (الحلقة الثالثة والأخيرة)

الصراع البريطاني – الأميركي على نفط الكويت

الأميركيون انتظروا 6 سنوات لتحصل شركاتهم على امتيازات نفطية في البلاد

النشرة الدولية –

الجريدة الكويتية – حمزة عليان –

لما كانت العلاقات الكويتية – الأميركية واحدة من العلاقات الدولية المميزة على مستوى العالم، أقدمت أستاذة التاريخ في جامعة الكويت د. نور الحبشي على التصدي لهذه المهمة، وطرقت باباً لم ينل حقه من البحث والدراسة.

كتاب العلاقات الكويتية – الأميركية 1868- 1991 الذي أصدرته الحبشي يتناول العلاقة بنواحيها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، منذ نشأتها، ومع البدايات الأولى للوجود الأميركي في منطقة الخليج العربي، مروراً بقدوم أول رحالة أميركي (لوشر) إلى الكويت عام 1868، وصولاً إلى سنة التحرير عام 1991 وعودة الشرعية إلى أصحابها.

تكتسب العلاقات المشتركة خصوصيتها، وهو ما تشير إليه المؤلفة بكونه سبب تفردها وتميزها، رغم أن الأهداف والمصالح الذاتية لكل دولة كانت حاضرة وبقوة، والاختلاف يعود إلى أن الكويت قانونياً تحت الحماية البريطانية، وهذا ما تطلَّب من الأميركيين طريقة أخرى من الحضور على الساحة الخليجية بعيدة عن المعاهدات التي كانت بريطانيا تعمل وفقها.

الكتاب يؤكد أهمية الكويت، من خلال الصراع والمنافسة عليها، وأن الإنكليز كانوا يدركون تلك المكانة الجيواستراتيجية والعمق الذي تشكله.

احتوى الكتاب على ستة فصول مع تمهيد ومقدمة وخاتمة وعدد من الملاحق، وقائمة بالمصادر والمراجع، وقد صدر حديثاً عن دار ذات السلاسل للنشر والطباعة.

الجذور التاريخية للعلاقات السياسية معروضة بالفصل التمهيدي، ثم الصراع البريطاني- الأميركي على نفط الكويت، والتطورات التي طرأت عليه في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وما صاحبها من أحداث.

وفي بقية الفصول، خصَّصت الكاتبة لكل عقد من العقود مبحثاً خاصاً، كما في الفصل الخامس (1980 – 1989) فترة الثمانينيات والعلاقات في عهد الرئيس رونالد ريغن، حيث تفرَّد الأستاذ محمد جاسم الصقر، بصفته رئيس تحرير «القبس» حينئذٍ، بلقاء معه، شرح فيه رؤية الإدارة الأميركية للحرب العراقية – الإيرانية، وأزمة أفغانستان، والإطلالة على أمن الخليج العربي.

اختارت «الجريدة» بعض الفصول الواردة في الكتاب، لعرضها وإلقاء الضوء على مسار تلك العلاقات مع دولة عظمى، كان لها الدور الكبير والفاعل في المنطقة والعالم.

أعطى الكتاب صورة حقيقية عن نموذج من العلاقات الدولية الفريدة من نوعها، بين الولايات المتحدة و بلد صغير الحجم، لكنه كبير وناجح في فن سياسة التوازن والدبلوماسية.

الثمانينيات كانت مختلفة بأحداثها، ولا سيّما مؤشر العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية؛ إذ تعرضت الكويت لاختبارات كثيرة كان معظمها مؤلماً وقاسياً، وإن أردنا أن نكون منصفين يجب القول: إن الكويت عانت كثيراً، لكنها ظلت شامخة، وأعطت العالم أجمع درساً أكدت فيه أنها دولة ذات سياسة استقلالية مطلقة تعمل بقناعاتها السياسية والقومية العميقة، دولة تتصرف بوحي مطلق من ضميرها؛ لذا كانت هذه المرحلة عبارة عن مخاض عسير، وبعد استراتيجي في العلاقات بين الكويت وواشنطن، تخللها فتور وهدوء وتأييد، ودعم مطلق… باختصار كانت عبارة عن درس في العلاقات الدولية، وأحد أهم العوامل في ميزان القوى العظمى، ودور الدول الصغيرة في الاستراتيجية العالمية ولا سيّما إذا كانت بالأهمية التي تتمتع بها الكويت.

وأخذت الأحداث هنا بعداً ديناميكاً وتفاعلياً تجاه التفجيرات، واختطافات الطائرات، ومحاولة اغتيال رمز الكويت المتمثل بسمو الأمير الشيخ جابر الأحمد، وكلها أحداث جعلت من الإدارة الأميركية تفهم جيداً أن الكويت الدولة الصغيرة الحجم تحارب الإرهاب، وتتصدى له، وإنني سأذكر هذه الأحداث كما جرت مع الاستنتاجات المستخلصة منها، ولكن أرجو أن تكون الضمائر حاضرة للحكم عليها بتجرد وموضوعية، وما جاء في هذا الفصل باختصار هو صورة شاملة للعلاقات الكويتية – الأميركية.

وقد كان إنشاء مجلس التعاون الخليجي إحدى نتائج الحرب العراقية – الإيرانية، وأطلق عليها كذلك مصطلح حرب الخليج الأولى التي أشعلت حرباً من العيار الثقيل في المنطقة، والمفاجأة أنها لن تكون الأخيرة، وآثرت أن أفردها بالدراسة؛ ليكون الشرح وافياً لدور الكويت؛ كونه جزءاً لا يتجزأ من تاريخها الدبلوماسي العريق في محاولة رأب الصدع، وإنقاذ المنطقة من التدمير، وتقليل حجم الخسائر التي دفعت دول الخليج العربية ومنها الكويت فاتورتها المستحقة من اقتصادها، ومن أمنها واستقرارها.

كما كان لسنوات الثمانينيات من القرن المنصرم تأثير على تاريخ الكويت وعلاقاتها مع الولايات المتحدة الأميركية، فكانت الكويت الصوت العربي الصادق والشفاف في قضايا كثيرة أبرزها القضية الفلسطينية على الرغم من أن الكويت لم تكن دولة عظمى ولكن سياستها كانت محط تقدير واحترام الآخرين.

العلاقات مطلع الثمانينيات

أعلن الرئيس الأميركي جيمي كارتر مبدأه Carter Doctrine في 23 يناير 1980م في رسالة وجهها للكونغرس الأميركي، وعبر فيه بصورة رسمية عن القلق الأميركي الشديد إزاء الخطر الذي يواجه الولايات المتحدة، ومصالح حلفائها في الخليج، وعبر فيه كذلك عن تصميم بلاده على أن تقاوم بكل الوسائل الممكنة بما فيها استخدام القوة المسلحة أية محاولة للسيطرة على هذه المنطقة، ولا سيّما من جانب الاتحاد السوفياتي، فجاء فيه: «إن أية محاولة من أية قوة خارجية للسيطرة على الخليج العربي تعد اعتداءً على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأميركية، ومثل هذا الاعتداء سيُرَدُّ عليه بأية وسيلة مناسبة بما في ذلك الرد العسكري»، ولعل من المناسب هنا ذكر عاملين كانا سبباً في إعلان هذا المبدأ على الأقل، وذلك سيساعدنا على فهم العقلية الأميركية، وتصور استراتيجيتها تجاه الخليج ودوله:

العامل الأول: الاحتلال العسكري السوفياتي لأفغانستان؛ إذ يصر الأميركيون على أنه مؤشر واقعي على تصاعد أخطار التهديد السوفياتي واقترابه الحثيث من منطقة الخليج، وأنه مجرد البداية نحو زحف أبعد إلى إيران، وإلى غيرها من الدول النفطية الرئيسية هناك، وتوافقت تلك الرؤية مع تحذير برجينسكي مستشار الأمن القومي للرئيس جيمي كارتر من أن لدى السوفيات مخططات إقليمية في أفغانستان، وربما في منطقة جنوب آسيا بأكملها.

العامل الثاني: قيام الثورة الإسلامية الإيرانية، والتدهور الحاد الذي أصاب العلاقات بين واشنطن وطهران، ناهيك عن أزمة الرهائن، وما سببته من تبعات سلبية على العلاقات بين البلدين.

وجاءت ردود فعل زعماء وحكام المنطقة على هذا المبدأ ما بين تحفظ ورفض وقبول، وقد صرح وزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد في يوليو عام 1980 م بموقف الكويت في قوله: «إن وصول قوات أميركية من المشاة البحرية للمنطقة على خلفية غزو السوفيات لأفغانستان هو تصرف غير مقبول، وإشارة واضحة إلى أن الولايات المتحدة تستخدم الغزو السوفياتي ذريعة ومبرراً لزيادة وجودها في المنطقة».

ولعل من المناسب هنا التطرق إلى الوجود العسكري الأميركي في منطقة الخليج قبل إنشاء قوات التدخل السريع؛ إذ إن الكويت – محل الدراسة – لم تمنح الولايات المتحدة الأميركية أية قواعد على أراضيها، وتعد موافقة الكويت أثناء الحرب العراقية – الإيرانية نهاية عام 1987م على استئجار الولايات المتحدة رصيفاً عاماً يقع على مياهها الإقليمية، التسهيل الوحيد الذي قدمته الكويت للولايات المتحدة الأميركية، وسيتم الحديث عنه لاحقاً عند الإشارة إلى حرب الناقلات إبان الحرب العراقية – الإيرانية.

ولعل الانتقاد الذي وجهته الصحافة الكويتية للولايات المتحدة الأميركية إبان قرارها مقاطعة الألعاب الأولمبية في موسكو، إثر اعتراض الأخيرة على إعلان الرئيس كارتر في يناير 1980م باستخدام القوة؛ لحماية مصالحها الحيوية، وقد ذكر السفير الأميركي فرانسوا ديكمان Francois.M Dickman أن أهم العناوين التي تصدرت الصحف الكويتية «استدعاء السفير الأميركي في الكويت لاستلام كتاب احتجاج الكويت على التصرفات الأميركية»، وكان ذلك عن طريق وكيل وزارة الخارجية راشد الراشد.

العلاقات في عهد الرئيس ريغان

 

جاء عام 1981 م ليبدي الأميركيون رغبتهم في التغيير، ويأتي نجاح المرشح الجمهوري الرئيس رونالد ريغان Ronald Reagan؛ نتيجة استحقاقات رآها الشعب الأميركي واجبة نحو مجموعة من القضايا، ومن المعلوم أن من يعتلي سدة الحكم في البيت الأبيض يبقى أسير سياسة الولايات المتحدة الرئيسية، وهي الهيمنة على العالم إلا أن الوضعية التي وصل لها الرئيس ريغان كانت مختلفة جداً، فإرث سلفه السابق الرئيس كارتر كان ثقيلاً، مع أنه ورث سياساته المعلنة الدبلوماسية والعسكرية، إلا أن هناك عوامل كثيرة عجلت بضرورة التغيير، ومجيء من ينقذ واشنطن ومكانتها في العالم، وهي:

1) مبدأ كارتر.

2) قوات التدخل السريع.

3) المواجهة مع الاتحاد السوفياتي.

4) فقدان الشاه الحليف الاستراتيجي في منطقة الخليج.

5) أزمة الرهائن وأعتقد أنها كانت (القشة التي قصمت ظهر البعير).

6) الأزمات البترولية.

7) العلاقات مع إسرائيل (مبادرة السلام ما بين ضد وموافق)

كل تلك العوامل أكدت دور واشنطن الداعم والقوي، وأنها ما زالت موجودة على الساحة العالمية، ولازالت دولة عظمى وقوية، ولعل الانطلاقة الأولى للإدارة الجديدة جاءت بتحرير الرهائن يوم نجاح ريغان بعد مدة احتجاز ناهزت 444 يوماً، مما يدل على عجز أميركي واضح وكبير في عملية تحريرهم بعد عملية عسكرية فاشلة لسببين: الأول تكنولوجي، والثاني: عوامل طبيعية، وقد أعلن فشلها رسمياً الرئيس كارتر في خطاب له، وأعتقد أنه كان مؤشر سقوط الإدارة الأميركية السابقة؛ إذ خسر الانتخابات لصالح منافسه.

وبالعودة للعلاقات بين الكويت وواشنطن في عهد الرئيس ريغان، فقد تميزت بأنها مرت بمراحل متعددة من تعاون ممتاز إلى بعض التوتر إلى فترة هدوء، ويبدو أن تصريحات بعض المسؤولين الكويتيين قد أخذت مآخذها في مهاجمة السياسة الأميركية، حيث وصفها وزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد في أحد التصريحات بقوله: «إنها خرجت عن كل معقول» على حد تعبيره.

ولم تكن الكويت بعيدة عن أي موقف عربي يتعرض له أحد الأشقاء فخلال عامين من العمل في مجلس الأمن ظل وفد الكويت في مجلس الأمن يعاني فقدان الثقة بين لبنان ومنظمة التحرير؛ إذ كانت الكويت تحاول التوفيق، وإرضاء جميع الأطراف العربية، وحل خلافهم، ولم يكن ذلك فقط ففي 4 يونيو 1982م، عندما تعرض لبنان للغزو الإسرائيلي، وقد كان للكويت موقف مشرف إذ استهجنت واستنكرت هذا التصرف، وعدته غير مقبول، وذهبت كما ذهب الملك فهد بن عبدالعزيز في تهديده الولايات المتحدة الأميركية من خلال سحب الودائع السعودية في البنوك والمصارف الأميركية المقدرة بمئة مليار دولار، ولم تكن الكويت بعيدة أيضا عن اتخاذ قرار مثله، حتى أن أعضاء مجلس الأمة طالبوا الحكومة الكويتية بقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الولايات المتحدة الأميركية، ومنع تصدير النفط لها، إضافة إلى سحب الأرصدة الكويتية من بنوكها ومصارفها.

وقد وصفت الكويت في أحيان كثيرة بأنها الداعي الأول لإقامة علاقات مع الدول الاشتراكية ودول الخليج؛ من منطلق علاقتها المميزة مع الاتحاد السوفياتي، وعلى الرغم من إدانتها العلنية للاتحاد السوفياتي على غزوه دولة إسلامية هي أفغانستان، فإن بعضهم وصفها بأنها المعارض الأكبر للسياسات الأميركية في الخليج العربي.

ولم يكن أيضا التصادم السياسي بعيداً عن البلدين، ولعل لغة الكويت وتعاملها نحى جانباً بالعلاقة بين البلدين إلى نوع من الفتور، ففي أغسطس من عام 1983م رفضت الكويت تعيين السفير الأميركي الجديد بها براندون جروف Brandon H. Grove Jr خلفاً للسفير فرانسو ديكمان؛ بسبب عمله قنصلاً أميركياً في تل أبيب، وقد شكّل ذلك الموقف الكويتي المتحدّي صدمة لإدارة ريغان، ولقي استحساناً عربياً، وأثار مخاوف أميركية من أن يتحول الموقف الكويتي المتحدي إلى كرة ثلج جارفة تسحق مصالح أميركا في المنطقة، وأذكر هنا تعليق صحيفة الواشنطن بوست Washington Post على هذه الحادثة بقولها: «كانت الحكومة الكويتية رافضة لقبوله بسبب خدمته السابقة في القدس معلنة أن القيام بذلك سيكون بمثابة قبول الضم الإسرائيلي لأجزاء من القدس» وهذا غير مقبول لدى الكويتيين.

وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى الوجود الفلسطيني المتزايد في الكويت؛ إذ شنت الصحافة الكويتية التي كان يسيطر عليها الفلسطينيون حملات عنيفة ضد إسرائيل، وقمعها الانتفاضة الفلسطينية، وقد تكون حقيقة أن التعاطف الكويتي كان واضحاً مع الفلسطينيين نتيجة الأزمات التي كانوا يمرون بها، وظهر هذا التعاطف جلياً على المستوى الرسمي، ويجب التأكيد هنا على قوة الصحافة الكويتية؛ إذ حظيت بالتقدير من الجانب الأميركي، فقد ذكر ذلك في موضوع الرئيس الأميركي ريغان الذي لم يقابل أي صحافي في العالم، ولكنه أجرى لقاء مميزاً مع رئيس تحرير جريدة القبس السيد محمد جاسم الصقر (رئيس غرفة التجارة والصناعة حالياً) وكان اللقاء ساخناً، وعبارة عن رسائل للسوفيات عن طريق الصحافة الكويتية؛ لما تميزت به من قوة مؤثرة ليس في الشارع الكويتي فحسب بل في الشارع العربي، وكانت السلطة الرابعة بحق.

وقد أوضح وكيل وزارة الخارجية الكويتية راشد الراشد للسفير الأميركي المنتهية مدته أن جروف غير مقبول؛ بسبب وظيفته الأخيرة، وأن ذلك سيجعله محل انتقاد وسخط شديدين، وكان موقف الكويت واضحاً تجاه القضية الفلسطينية، فلها الفضل باحتضان كوادرها منذ أن بدأت ونشأت القضية، حيث أسست ونشأت منظمة التحرير في الكويت، وكذلك نشأت فيها وترعرعت وتعلمت كوادر وقيادات حركة «حماس»، ولم تتخل الكويت يوماً عن مبدئها الذي كلفها كثيراً، ورأينا في الفصل السابق كثيراً من الأحداث المؤسفة على يد الفلسطينيين، ولا سيّما اختطاف الطائرات، واقتحام السفارة اليابانية في الكويت، وكيف كانت الفصائل الفلسطينية تصفي حساباتها الداخلية وصراعاتها على حساب أمن واستقرار الكويت، دون مراعاة الكويت أو احترام قيادتها وشعبها وحرمة أراضيها، ولا أريد التطرق للتفجير المروع الذي حدث لجريدة الرأي العام الكويتية ومبناها ومطبعتها، التي تم تفجيرها بسبب مقال صحافي لم يلقَ قبولاً عند منظمة فتح، وراح ضحيته أبرياء عام 1980م، ويذكر أن الأسلحة كانت مساهمة من حكومة الكويت لدعم الفدائيين، وقد استطاعت السلطات الكويتية القبض على مرتكبي التفجير، الذين بدورهم أبلغوا عن العقل المدبر، ولكن السلطات الكويتية لم تحصل على دليل إدانته؛ لذا حوكم المنفذون وهم أربعة أشخاص، ثلاثة منهم بالسجن، والرابع بالإعدام.

وبالعودة إلى وضوع رفض تعيين جروف سفيراً في الكويت؛ لم تدّخر إدارة الرئيس ريغان وسعاً في الضغط على الكويت لتغيير موقفها، إلا أن الحكومة الكويتية أصرت على موقفها؛ مما جعل الإدارة الأميركية تقوم بتعيين مسؤول مؤقت بالسفارة يدعى فليب جريفين Philip Josep Griffin ما بين أغسطس 1983 إلى ديسمبر 1984م، وهو تاريخ تعيين السفير الدائم لها بالكويت أنتوني سيسل أيدن Anthony Cecil Eden Quainton، وقد جاء تعيينه لينهي الأزمة الدبلوماسية بين البلدين.

ولم يكن هذا هو الخلاف الدبلوماسي الوحيد بين الكويت والولايات المتحدة الأميركية، ففي عام 1980م أبلغت حكومة الكويت القنصل الأميركـي فـي الـكويت روبـن بيـشوب Robin Bishop بـأنـه شخصـية غـير مـرغـوب فـيها Persona non grata، حسب ما أعلنت وكالة الأنباء الكويتية (كونا)، حيث إنه خالف القانون الكويتي بإصداره جواز سفر لطفلين سعوديين؛ لتسهيل سفرهما إلى الولايات المتحدة مع والدتهم أميركية الجنسية، ومغادرتهم عبر مطار الكويت الدولي.

وحمل عام 1983م في ثناياه مؤشراً على تدهور في العلاقات بين البلدين، ولا سيّما قرار وزير العدل الأميركي في مارس من عام 1983 م، القاضي بمنع شركة سانتافي الدولية International Santafe Company، التي اشترتها الكويت قبل ذلك، من استئجار أراض أميركية للعمل في مجال الطاقة والتعدين، والتنقيب عن النفط في الأراضي الأميركية، وكانت تعد تلك الشركة واحدة من الاستثمارات الكويتية المهمة في الولايات المتحدة، وكان من المتوقع أن يعول عليها في رفع الحيازات الكويتية الاقتصادية لدى الغرب، إلا أن التعامل معها بتعسف ومنعها من الحصول على عقود عمل؛ بدعوى أن الكويت تمارس تمييزاً واضحاً ضد شركات النفط الأميركية كما أن أهلها يهددون دائماً بمقاطعة المنتجات الأميركية، ولم تكن خسائر الكويت سهلة في هذه العملية، حيث يذكر أن ثمن شرائها كان نقداً – 2.5 مليار دولار.

ولم يكن البعد الأخلاقي بعيداً عن الكويت في سياستها أبداً حتى مع الدول غير العربية، فيذكر أن الكويت أبدت استنكارها واستياءها من الغزو الأميركي لجزيرة جرينادا Island in Grenada في 25 أكتوبر 1983م، وجاء اعتراض الكويت عبر وزير خارجيتها الشيخ صباح الأحمد بقوله إن «الكويت لا ترى فيه أي أساس قانوني، كما أنه يخالف نص وروح ميثاق الأمم المتحدة، وأنه ظاهرة خطيرة».

 

وفيما يخص الزيارات الرسمية فقد قام وزير الدفاع الكويتي الشيخ سالم صباح السالم بزيارة واشنطن في أواخر مايو 1984م، وكرر عبر زيارته طلب الكويت شراء صواريخ ستينجر، وهو الطلب الذي طلبته كلٌّ من الكويت والمملكة العربية السعودية في أبريل من العام نفسه، وكانت المفاجأة أنه تمت الموافقة على الطلب السعودي بينما رفض الطلب الكويتي، وقد دفع الرفض الأميركي الكويت تجاه موسكو، فقام وزير دفاعها بالتوقيع على صفقة مع الاتحاد السوفياتي بواقع 300 مليون دولار، على الرغم من إبداء الكويت أسفها بخصوص رفض واشنطن بيع الكويت العتاد العسكري عن طريق وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء عبد العزيز حسين.

لم يمنع ذلك الرفض الأميركي الكويت من تقديم طلب للإدارة الأميركية بخصوص إنشاء مدرسة لتعليم الطيران في الكويت تحت إشراف أميركي، إضافة إلى إرسال 150 طياراً كويتياً؛ لدراسة علوم الطيران في الولايات المتحدة بكلفة 78 مليون دولار.

تبين لنا أن العلاقات بين الكويت وواشنطن في السنوات العشر من عقد الثمانينيات قد تميزت بأمور كثيرة، ولا سيما مطلع الثمانينيات بين مبدأ الرئيس جيمي كارتر، والمبادرة السوفياتية فيما يخص أمن الخليج عام 1980م، كما كان لوصول رئيس أميركي جديد من الحزب الجمهوري هو رونالد ريغان أكبر الأثر في تطور العلاقات، واتخاذها أشكالاً متعددة تراوحت بين الفتور، والهدوء، والقبول، والثقة، والدعم بين البلدين.

كما تم إلقاء الضوء على العلاقات الكويتية – الأميركية فـي ضـوء الـحـرب العـراقـيـة – الإيــرانيـة (1988 – 1980م)، وتداعياتها من تفجيرات في الكويت، وعملية اغتيال الأمير الشيخ جابر الأحمد، واختطاف طائرات مدنية تابعة لشركة الخطوط الجوية الكويتية، وحرب الناقلات، وعملية رفع الأعلام مع سقوط أبرياء وجرحى، وخسائر مادية كبيرة تصل للمليارات، وكل ذلك بسبب إيمان الكويت بموقفها، والثبات على مبدئها؛ إذ ظلت شامخة ضد كل إرهاب غادر هدد أهلها وروعهم، وروع كل من يعيش على أرضها.

عموماً كانت حقبة الثمانينيات- بلا شك- مليئة بالأحداث الساخنة إلا أنها كانت ومازالت أحد الدروس الذي تقدم في العلاقات الدولية، وأعتقد أن الكويت أبدعت في إعطائه للعالم بجدارة واستحقاق؛ لتعطي نتائج مؤثرة في مكافحة ومواجهة الإرهاب أولاً، والإيمان بكل ما يخص العرب والعروبة والقضية الفلسطينية ثانياً، كما أنها عانت أكثر من أي دولة خليجية أخرى من عمليات استهداف أمن وأمان أراضيها وحرمتها.

وعلى الرغم من كل ذلك فإن الكويت وفي ظرف عشر سنوات استثنائية ليس لها فقط، بل للمنطقة ككل، لم تتوانَ في أن تضع بصمة عالمية في توازن القوى الدولي بين الكتلتين الشرقية والغربية، والحقيقة أن هذه المعادلة الصعبة لم يستطع أحد أن ينفذها إلا الكويت الدولة الصغيرة بحجمها، الكبيرة بفعلها.

مجلس التعاون… ورفع الأعلام على الناقلات

تطرق الكتاب إلى دبلوماسية الكويت، وفكرة تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وكيف أسهمت الثورة الإيرانية في زيادة الشعور، وحاجة دول الخليج العربي إلى التضامن للوقوف في وجه التحديات، وهو ما كان له أكبر الأثر في إنشاء مجلس التعاون الخليجي، وبيّنا موقف الولايات المتحدة الأميركية منه، وكيف لعبت الكويت دوراً كبيراً في تقارب وجهات النظر بين الأخوة والأشقاء في دول الخليج العربية في محاولة جادة لخلق تنظيم يكون موازياً ورادعاً لكل من إيران والعراق، وليكون حمامة السلام بينهما أثناء الحرب، ويمكننا التأكيد على أن مجلس التعاون الخليجي جاء نتيجة حتمية للعوامل الإقليمية المتمثلة في الثورة الإسلامية الإيرانية، ونشوب الحرب العراقية – الإيرانية، واضطراب النظام الإقليمي العربي.

وقد كانت الثمانينيات سنوات استثنائية للكويت، وهي تتعامل مع دولة عظمى كالولايات المتحدة الأميركية، ولعل الوثائق الأميركية تؤكد أن الكويت تحاول لعب دور استثنائي في عملية التوازن الدولي من خلال تنفيذ عملية رفع الأعلام، التي جاءت لتأكيد حنكة الدبلوماسية الكويتية، وسعيها الحثيث وتأكيدها على مبدأ توازن القوى، مما جعل الكويت تحسم حرباً طاحنة استمرت لسنوات في مياه الخليج العربي، وهذه التجربة سلطت الضوء على ما يمكن أن تفعله دولة صغيرة الحجم مثل الكويت، إلى جانب الولايات المتحدة، والاتحاد السوفياتي، وبقية الدول الكبرى. وأجمل وصف لتلك السنوات بأنها كانت عربية، وذات مد عروبي، ووطني بامتياز.

 

اختطاف الطائرات الكويتية ما بين عامي 1984 – 1988م

أمن الخليج بين مبدأ كارتر والمبادرة السوفياتية

تفجيرات السفارات والمقاهي والمطار ومصفاة النفط في الكويت

محاولة اغتيال أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد

البُعد الأخلاقي لم يكن بعيداً عن سياسة الكويت حتى مع الدول غير العربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button