تجربة العتيبي وبشارة في ميزان مجلس الأمن* حمزة عليان

النشرة الدولية –

أهم تجربتين خاضتهما الكويت في مجلس الأمن كانتا على يد الدبلوماسيين المخضرمين عبدالله يعقوب بشارة (1978– 1979) ومنصور عياد العتيبي (2018– 2019)، الأجمل من ذلك أن الشخصيتين قدمتا لنا “هديتين نادرتين” أفرغتا فيهما خبرتهما ورحلة الكويت الدبلوماسية في هذا المحفل الدولي.

 

وإذا كان لنا من كلمة في هذا المضمار فهي التقدير لمبادرة الدكتور عبدالله الغنيم رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية بإعادة إصدار كتاب الأستاذ عبدالله بشارة “عامان في مجلس الأمن” وتبنيه للكتاب الجديد للسفير منصور العتيبي “الكويت في مجلس الأمن”.

 

كنت من المؤيدين والداعين إلى توثيق تجارب الدبلوماسيين لما لها من قيمة تاريخية لا تعوض، وعلى هذا الدرب كان للأستاذ سليمان ماجد الشاهين كتابه “الدبلوماسية الكويتية بين المحنة والمهنة” والذي يشكل إضافة جديدة ومغرية لآخرين مازالوا مترددين في تسجيل وتدوين رحلتهم الدبلوماسية.

 

إصدارات تجارب الدبلوماسيين الكويتيين تعكس الوجه الآخر للدولة وهو في النهاية مرجع للباحثين وركن أساسي للتعرف على تلك المحطات لما لها من تأثير ومكانة على مسرح السياسة الدولية.

 

استمتعت بقراءة كتاب السفير منصور العتيبي والصادر حديثاً عن مركز البحوث، وجدت فيه فضاء ثريا وغنيا بالمعلومات، فهو يوثق لعضوية دولة الكويت في مجلس الأمن عامي 2018– 2019 ويقدم شرحا مستفيضا للآلية المتبعة في الترشيح والأسس التي تتبعها الدول في التحضير لتلك العضوية، وهو ما يجعل كتابه بمثابة “خريطة طريق للدبلوماسيين” الذين ينتظر أن يمروا بمثل تجربته، على حد تعبير الدكتور الغنيم.

 

اختار السفير العتيبي أن يخوض تجربة الكتابة قبل انتهاء عضوية بلاده في مجلس الأمن لإعطائه قدرة أوسع على استحضار المعلومات والوثائق والتحليل من واقع المعايشة اليومية، فقد تعلم الكثير واكتسب مهارات قل أن تتوافر لغيره وطوال 25 عاماً التي قضاها كمندوب دائم في الأمم المتحدة لم تعادل فترة السنتين من مجلس الأمن والتي أمدته بذخيرة من المشاركات واللقاءات ووقوفه على أزمات دولية ومعايشته لها، كل هذا يصب في حقل هذه الشخصية ويمنحها الصلابة وتتحول إلى رافد مهم في صنع سياسة الكويت الخارجية.

 

الدبلوماسي الناجح في عصرنا الحالي، هو من يلم ويفهم ويحلل الشؤون السياسية والاقتصادية وحقوق الإنسان بعد أن أصبحت مسائل رئيسة تدخل في صلب العمل، فهناك حاجة إلى فهم قيمة العمل الجماعي من خلال مجلس الأمن، فلا مكان للتفرد أو طرح مبادرات فردية لتحقيق مصالح وطنية، هذا ما انتهى إليه السفير العتيبي، فقد نجح وفريق العمل الذي رافقه منذ ظهرت الفكرة لأول مرة، بتحسين أساليب عمل مجلس الأمن وإجراءاته.

 

وبالتالي أصبح هناك ولأول مرة اجتماع شهري بين الأعضاء العشرة غير الدائمين مع أمين عام الأمم المتحدة لمناقشة آخر المستجدات، وفي هذا يسجل في التاريخ كما يذكر السفير العتيبي، أنه ولأول مرة يلقي أحد الأعضاء غير الدائمين كلمة جنوب إفريقيا بالنيابة عن الأعضاء التسعة الآخرين في جلسة مفتوحة أثناء رئاسة الكويت لمجس الأمن في شهر يونيو 2019.

 

مجلس الأمن في حقبة الخمسينيات والسبعينيات هو غيره اليوم، وبالأمس لم يكن قادراً على أداء مسؤولياته إلى حد كبير بسبب الحرب الباردة بين القطبين السوفياتي والأميركي، ثم جاء تسيد القطب الواحد على المشهد في الساحة الدولية، إلى أن بدا أنه آخذ في انحسار نفوذه وتأثيره نظراً لصعود الدور الروسي والصيني وهي بوادر حرب باردة جديدة، كل هذه التغيرات تستوجب من يشغل منصب عضوية المجلس أن يواكب تماماً انعكاساتها على أداء المجلس.

 

ساعد النهج المعتدل للسياسة الخارجية الكويتية في عدم الدخول في مواجهات مع الدول العظمى الدائمة في مجلس الأمن رغم الخلافات الجوهرية في المواقف، فالتزمت بسياسة الحياد وعدم الوقوف مع طرف ضد الطرف الآخر ولا سيما أثناء التصويت على القرارات الكبرى، وكما كتب السفير عبدالله يعقوب بشارة سيبقى مجلس الأمن آملاً لكنه سيبقى أيضا أسيرا لمصالح الدول الكبرى، ولذلك سيكون النظر إلى التجربتين علامة بارزة على مكانة ودور الكويت على الساحة السياسية الدولية وفرصة لنقل ما يدور في أروقة هذا المحفل والذي كان لي جولة في أرجائه (مبنى الأمم المتحدة في نيويورك) بصحبة الدبلوماسي المتميز والخلوق السفير منصور العتيبي قبل سنوات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى